مجلة حق ومعرفة (10) – عزة سليمان..30 عاما من النضال الشخصي والمجتمعي في سبيل حقوق الإنسان
عزة سليمان.. محامية مصرية ومدافعة عن حقوق الإنسان هكذا تعرف صفحتها في ويكبيديا شخصيتها وفعلها في الحياة، أما أصدقاءها وزملاء عملها، يصفونها بالسند، والداعم، وهي معاني لا تتناقض مع بعضها البعض، ولكنها تتطلب الكثير من الشجاعة، ودفع الأثمان.
تعد سليمان من مؤسسات المجتمع المدني بشكله الحالي، الأكثر نظامية والأكثر اعتمادا على الرؤية العالمية لحقوق الإنسان التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها وصلت إلى الشرق الأوسط متأخرة، ربما لتعقيدات تتعلق بقضايا التحرر وما تبعها من فوبيا كل ماهو غربي، وما يمثله من ماضي مظلم.
بالعودة إلى عزة.. التي تعد من أوائل مؤسسات مكاتب المساعدة القانونية في التسعينات، فكانت من أولى المحاميات السيدات اللاتي أسّسن مركزًا حقوقيا لمساعدة المرأة المصرية عام 1995، وهو مركز قضايا المرأة، والذي عملت من خلاله على مناهضة العنف ضد المرأة، والمناداة بأول قانون للأحوال الشخصية للمرأة المسيحية، وحق التطليق.
عزة سليمان – المصدر: أرشيف صحفي
الحقوق عبر القانون
تخرجت عزة من كلية الحقوق عام 1989 إلا أنها لم تميل إلى أعمال التقاضي البحتة، وهي بنت حي إمبابة الشعبي الذي أكسبها مرونة في التعامل، وكذلك خدمة الناس، ففضلت لقب محامية حقوقية، ونشطت في العمل التطوعي، والعام، في وقت مبكر جدًا، ولم تنقطع عنه رغم زواجها، وانشغالها بولديها نديم ومهند.
أمومتها جعلتها أقرب إلى معاناة السيدات، وما تحمله قضيتهم من خصوصية، ولكنها لم تنفصل أبدا عن العام، وقضاياه، تقول زميلة عملها المحامية ندى نشأت ” كانت عزة تشعر بمعاناة السيدات إلى الحد الذي دعاها إلى إنشاء حضانة ملحقة بالمركز، تعمل على خدمة السيدات الزوار، والموظفات معا، والتي كانت في البداية مكان بسيط، ثم أصبح أفضل فأفضل”.
الاتساق على المستوى الشخصي قبل الخروج إلى العلن هو أكثر ما يثير إعجاب المحامية ندى نشأت، حيث اعتبرته السمة البارزة في حياة سليمان. فتقول ” كانت تحرص على أن تتماشى أقوالها مع أفعالها، وأن تكون نموذجًا يُحتذى به في المجتمع الحقوقي. كانت تؤمن بأن التغيير يبدأ من الشخص نفسه، وأن تقديم الدعم الحقيقي يتطلب التفاني والإخلاص، ويبدأ من الداخل قبل الخارج”.
تستطرد نشأت فتقول ” الداخل بالنسبة لعزة وبيئة العمل خصوصا أمرا بالغ الأهمية فالاهتمام الدائم بالعاملين خصوصا من حيث مسالة تمكينهم واستكمال مراحل تعليمهم، وتطويرهم أمرا بالغ الضرورة بالنسبة لها، وبالمثل هي من أولى المؤسسات التي اهتمت بوجود حضانة داخل المؤسسة تعتني بأطفال الموظفات، والموظفين، حيث إنها شجعت الجميع على تقاسم الرعاية الأسرية بغض النظر عن النوع”.
تتذكر نشأت كيف ساهمت سليمان في دخولها إلى المجتمع المدني، وهي القادمة من تخصص علمي أكاديمي، ومنحتها الفرصة لتغيير مجال عملها، الذي ترقت عبره لاحقا، ودرست القانون، لتصبح محامية حقوقية بدروها.
تنسب ندى الفضل لعزة في كثير مما وصلت له عبر إتاحة الأخيرة لمساحات من المناقشة، التي خلقت نوع من الثقة، فضلا عن الدعم والتشجيع، كما أن مراقبة طريقة عملها ساهم بدوره في إثقال خبراتها، وزاد إيمانها بمفاهيم مثل المحاكمة العادلة، العقوبة وفلسفتها، وحوادث الانتهاك الجنسي وغيرها.
الانتهاكات الجنسية خصوصا وتداخلها مع مفهوم “نصدق الناجيات” الذي ظهر خلال السنوات الماضية، ولجان التحقيق في حوادث تحرش، التي شاركت عزة خصوصا في الكثير منها، ترى نشأت أن عزة من أكثر العاملات على هذا الملف بشفافية، رغم الابتزاز الجاري من بعض الأطراف، وما يسببه الأمر من حرج أو حتى محاولات للتشويه.
في تفاصيل هذا الملف لاقت عزة الكثير من المتاعب بعض الأطراف حاولت تشويه سمعتها والتشكيك في عملها بشكل مباشر، ولكن لعزة معايير تجعلها واثقة من طريقة عملها، فهي على سبيل المثال، تشجع الناجيات على المصارحة واتخاذ طريق التحقيق بمواصفاته الواضحة المعلنة، فالتصديق هنا جزء من الدعم، لكنه لا يمنع من التحقق أو التثبت من الوقائع.
تلفت نشأت أن الأمر ذاته تتبعه عزة حتى على مستوى قضايا المؤسسة الخاصة بالنساء، فهي لا تمانع أن تراجع بعض السيدات في خطواتهن تجاه خصومهن سواء كان زوج او غيره، حيث لايعني دوري كمحامية دفاع الموافقة المطلقة سواء على اتفاقات غير شفافة، أو يقع خلالها ظلم على الطرف الآخر، فالمبدأ هو المعيار الوحيد، والغاية لاتبرر الوسيلة أبدا بالنسبة لها.
“أعرف عزة منذ أكثر من 25 عاما، عزة سليمان ليست مجرد محامية، بل هي صوت للنساء اللاتي لا يستطعن التعبير عن أنفسهن، وقوة تسعى لتحقيق العدالة والمساواة” هكذا ترى إيمان مندور صديقة عزة وعضو مجلس أمناء مركز قضايا المرأة.
في رأي مندور أن عزة تجسد الأمل والإيمان بأن الجهود الحقيقية يمكن أن تحدث فرقًا في حياة الأفراد والمجتمعات، حتى لو على المدى الطويل، كما أنها وللمفارقة أنها لم تتغير أبدا مبدأيا رغم ما مرت به من أوقات شديدة الصعوبة.
عزة سليمان في أحد التدريبات – المصدر: أرشيف صحفي
مندور اكدت على ان عزة من عملن بشكل مغرق في المحلية جعلها تعيش واقع السيدات غير منفصلة عنهن، ولكنها في الوقت نفسه تتواصل مع مؤسسات تنفيذية أو نخبوية لتجسيد هذا الواقع، والعمل على محاولات حلحلته، فتراها تحاول الوصول إلى أعضاء البرلمان لتقديم مشاريع القوانين التي تدعم النساء، أو حتى مع المجلس القومي للمرأة للمساعدة في بعض الحالات، وحتى وصلت بالمؤسسة لمنصب استشاري للأمم المتحدة، ,وجعلها أكثر قدرة مع فريقها على المستوى الدولي، وجميعها وسائل تبذل من خلالها أقصى ما بوسعها لإزالة العقبات، ومحاولة تحسين شروط الحياة عموما، وحالة بحالة خصوصا.
التعاطف كميزة وعيب
تعتبر مندور أن أحد أهم ميزات عزة وكذلك من كبريات عيوبها أنها لم تستطيع التطبيع أبدا مع العنف أو مع السلبيات، أو حتى التسليم بوجودها، وحول ذلك تقول مندور: “بعد مشوار طويل قطعته عزة في هذا العمل الشاق نفسيا خصوصا، ومع كم الحالات الحساسة والخطيرة التي اصطدمت بها، لازالت تعاني نفس الحساسية وقدر التعاطف مع الحالات، تشعر بالسخط والغضب على نفس القدر، تتصل ليلا لتشكو لي قلقها على الحالة الفلانية، وقسوة الأهل، أو حتى المجتمع عليها” مضيفة: ” هذا التأثر والتعاطف البالغ أضرها شخصيا سواء نفسيا أو جسديا ولكنها لم ولن تكف عنه أبدا، حتى مع تغير المراحل العمرية، وحتى الصحية”.
رغم أنها شخص متعاطف بطبعه إلا أنها شخص يعمل على تطوير آليات الحل بشكل دائم، هكذا يرى المحامي عبدالفتاح يحيى، الذي يؤكد على الطريقة العلمية، والمنطقية التي تعمل بها عزة سليمان، وعبر مفهوم المؤسسة نفسه، وحتى حقوق الإنسان، فيبدي إعجابه بتقديرها للمواقف خصوصا في مجتمع محافظ، لافتا أن عمل المؤسسة يمتد إلى الأقاليم حيث يمكن للشخص أن تتعرض حياته للخطر هناك، ولكنها وعلى طول مدة عملها على الأرض تستطيع أن توازن بين الأمرين.
الخبرة نفسها وحسن التقدير لا يجعلها تتوان عن الدخول إلى ما سماه عبدالفتاح بعش الدبابير حيث تراها تتولى قضايا في منتهى الخطورة، كقضية الفيرمونت، والتي يعد المتهمين فيها مجموعة من أبناء العائلات المتنفذة والكبيرة، فتقف بجانب الفتاة الضحية، بكل قوة.
ثمن حقوق الإنسان
رغم خطورة القضايا التي تشتبك معها يعد الحفاظ على أمان العاملين معها أحد اهم المرتكزات لديها، فهي لا تخاطر أبدا بمقدراتهم مهما كانت المكاسب المرجوة، وهو ما اجمع عليه جميع العاملين الحاليين والسابقين معها.
نعود لعبدالفتاح الذي أكد على أن الأثمان التي دفعتها عزة في سبيل تحقيق أهداف، وأهداف المؤسسة لم تثنيها أو تغير في طريقها، يتذكر عبدالفتاح القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميا بقضية تمويل منظمات المجتمع المدني، وما مرت به من ضغوط، ولكنها مع ذلك عملت على حماية العاملين بالمؤسسة، وكذلك المؤسسة ذاتها عبر عرضها الاستقالة من مجلس الأمناء، وهو ما رفضه فريق العمل، مقررين خوض المعركة سويا، وحتى الإنفراجة الأخيرة بقرار منع التصرف في أموالها وقبلها رفع اسمها من قوائم المنع من السفر.
وكانت قوة من الشرطة داهمت منزل عزة في 2016، حيث تم اصطحبها لقسم مصر الجديدة، ومنه لمحكمة مصر الجديدة، بناء على أمر ضبط وإحضار صادر عن المستشار هشام عبد المجيد آنذاك، وتعد تلك أول واقعة اعتقال تطول أحد قيادات المنظمات الحقوقية المصرية في العلاقة بهذه القضية، كما تعد المفوضية المصرية للحقوق والحريات أحد أطرافها .
خبر وقف قرار منع التصرف – المصدر : صفحة مركز قضايا المرأة
كما أن مواقف سليمان الأخيرة، ومواقف المؤسسة من الإبادة الجماعية في غزة، وإصدارها بيان رافضا لها كان لها الأثر في تعطيل الكثير من مشروعات المؤسسة، ومع ذلك فهي لم تتراجع عن قرارها، وكانت جهات غربية، وألمانية مانحة قد أوقفت الكثير من المشاريع المستقبلية، وطرحت العديد من التساؤلات حول مشاريع حقوقية قائمة، وفقا لموقف المؤسسة من القضية الفلسطينية.
سبق وأن ترشحت سليمان للعديد من الجوائز الدولية تكريما لها على جهودها في مجال حقوق الإنسان، كما فازت بالجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان لعام 2020، آنذاك قال موقع الجائزة إن عزة سليمان هي محامية من مصر تعمل بلا كلل للنهوض بقضايا حقوق المرأة وحقوق الإنسان.