اصدارات

ماذا تعرف عن الأربعاء الأسود..كيف أسس عهد مبارك لجرائم الإرهاب الجنسي ضد المتظاهرين

” كانت أيديهم تعبث بصدري، ويتحرشون بكل المناطق الحساسة من جسدي، مزقوا ملابسي واعتدوا على بأيديهم… وقعت بوجهي على الأرض وفوجئت بعدد كبير من هؤلاء البلطجية فوقي، يتحرشون بي مرةً ثانية ويعبثون بكل مناطقي الحساسة.

بدأت في الصراخ طالبةً النجدة وظللت أصرخ إلى أن فقدت الوعي.

لم يكونوا يحاولون أن يضربونني، ولكنهم كانوا يعتدون على جنسيًا، وكانوا يمزقون ملابسي بكل وضوح.

وانتهى بي الأمر وأنا عارية تقريبًا نتيجةً لذلك، سحلوني على السلالم، واخترقوا بي الحلقة الأمنية، وألقوا بي على الرصيف أمام جميع الضباط (كان منهم إسماعيل الشاعر رئيس مباحث القاهرة آنذاك) وكل من كانوا واقفين هناك.

خلع حسين متولي زميلي

قميصه وغطاني به. وغادرنا قبل أن يتكرر الاعتداء”.

 

شهادة نوال علي الموثقة عبر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

نوال علي أثناء تعرضها للاعتداء -المصدر: أرشيف

الحكاية

“لا وجه لإقامة الدعوى العمومية فيها”، كان هذا نص قرار النائب العام، بشأن جريمة الاعتداء علي الصحفيات الأربع يوم الاستفتاء علي تعديل المادة 76 من الدستور في مايو من العام 2005.

 فما هي تلك القضية التي أكد النائب العام بأن لاحق في أصحابها فيها؟ 

لاسترجاع تلك الأحداث المؤسفة، اسمحلي عزيزي القارئ بالرجوع شهورا قليلة، وتحديدا في يناير عام 2005 عام حادثنا المنشود، حين قال الرئيس المخلوع حسني مبارك لرؤساء تحرير الصحف الذين رافقوه علي متن الطائرة التي أقلته الي أبوجا لحضور قمة الإتحاد الإفريقي: “إن اي مساس بالدستور سيؤثر علي أمن واستقرار الوطن”. 

وأضاف: “ان الدعوة الى تغيير الدستور باطلة ومن يتحدثون عن الانتخاب المباشر والاستفتاء ومحاولة المفاضلة بينهم عليهم ان يدركوا ان الاستفتاء مؤسس على ترشيح من ممثلي الشعب”.

ذلك التصريح الذي كان يرد به مبارك على معارضيه ممن دأبوا على المطالبة بحق الترشح أمامه بشكل حقيقي، بدلا من الاستفتاء الصوري الذي قامت عليه الدولة، منذ عهد عبد الناصر.

مادة التوريث الجهنمية

اللافت أن هذا الاستفتاء لم يكن الأول لمبارك بل سبقه أربع استفتاءات، ولكن كان الزخم السياسي، والحشد لطرفي المؤيد، والمعارض على أشده، والحركات السياسية كانت مستنفرة.

زاد المشهد سخونة، انقلاب مفاجئ للرئيس المخلوع على تصريحه السابق باستحالة المس بالدستور، وذلك حين قرر استغلال أداة الاستفتاء مرة أخرى على مادة الدستور رقم 76، والتي تضمن تعدد المترشحين لمنصب الرئيس، ولكن بشروط بعينها.

التصريح المفاجئ لـ مبارك وسماحه للاستفتاء على تلك المادة لم يكن مفاجأة سياسية في حد ذاته، ولا تناقض كفر المخلوع البين بأسس الديمقراطية وحرية الترشح خصوصا، فالمتابع للأحداث حينها، كان من السهل عليه، استنباط خطة مبارك لتوريث نجله جمال مبارك، وهي الخطوة التي سبقه إليها، حافظ الأسد في سوريا، حين وضع نجله بشار على نفس المسار.

“مادة التوريث” كما جرت العادة على تسميتها، عارضتها المعارضة، من كافة الأطياف يسارا، ويمينا، وفي اليوم الموعود، يوم الاستفتاء الأربعاء 25 مايو، كنا على موعد مع مظاهرات سلم نقابة الصحفيين.

تلك السلالم التي كانت شاهدا على أول جريمة إرهاب جنسي ارتكبها رجال مبارك من الداخلية، والحزب الوطني الحاكم، بحق المعارضات علنا، فيما أطلق عليه “الأربعاء الأسود”.

الإرهاب الجنسي في عصر مبارك

أما المظاهرات التي دعت لها حركة كفاية السياسية، تلك الحركة التي قامت بالأساس على رفض خطة مبارك لتوريث نجله جمال الحكم، وانضم إليها الكثير من الأطياف السياسية يمينا ويسارا، في ذلك اليوم، فلم يكن يتوقع لها أن تنتهي بجريمة جنسية بحق 3 معارضات، كانت أبرزهم الصحفية الراحلة نوال علي، إلى جانب كل من شيماء أبوالخير، عبير العسكري، وإيمان طه.

من مظاهرات حركة كفاية-المصدر: أرشيف

كانت نوال هي الوجه الأبرز في ذلك اليوم لتعرضها للقسط الأكبر من الانتهاكات، حيث تم طرحها أرضا على سلم النقابة، وتمزيق ملابسها، وتعريتها، وقد تم توثيق ذلك عبر الصور، التي كانت بمثابة شاهد على فترة حكم مبارك، وطرق تعاطيه مع معارضيه.

لم يكتف رجال مبارك برجال حبيب العادلي وزير الداخلية السابق، واستقدموا حافلة مكتظة ببلطجية الحزب الوطني الحاكم حينها، والذين تمادوا في الاعتداء على المتظاهرين، وأرهبوهم، منعا لاستعمال حقهم في التظاهر، والتعبير عن الرأي.

لاحقا كانت هناك محاولات لإعاقة تسجيل محضر بالواقعة، وبعد ضغط تم تسجيل المحضر، وتحول الأمر إلى النيابة العامة، التي رأت في الواقعة أمرا عاديا لاحق للضحايا فيه، ولا داعي لعقاب المذنبين عليه.

ثم كان المنطوق الغريب للقرار والذي تضمن تفاصيل التحقيقات مع الصحفيات والأفراد المعتدي عليهم وحيثيات إصداره.

الأربعاء الأسود.. لا وجه في الحصول على الحق

نص القرار المحرر في 27 ديسمبر 2005 والمذيل بتوقيع المستشار سعيد عبد المحسن المحامي العام لنيابة استئناف القاهرة، على التقرير في الأوراق بأنه «لا وجه لإقامة الدعوي الجنائية مؤقتاً، لعدم معرفة الفاعل، وتكليف الشرطة بموالاة البحث والتحري لمعرفته، وإعلان الأمر للمدعين بالحق المدني”.

أما تفاصيل التحقيقات فسنوردها كنوع من التوثيق لحادثة رغم أهميتها، ورمزيتها، لا يعلم الكثير من الأجيال الجديدة عنها شيئا، وبعض من الأكبر سنا، نظرا لعدم سهولة تداول المعلومات كما هو الحال الآن.

حينها بدأ المحامي العام لنيابة استئناف القاهرة قراره بذكر تفاصيل التحقيقات مع الصحفيات المعتدي عليهن، وقال:

تتحصل وقائع الدعوي فيما سطره الملازم أول أحمد عصمت رئيس التحقيقات بقسم شرطة قصر النيل بمحضره رقم 7165 لسنة 2005 جنح قصر النيل والمؤرخ 25/5/2005 الساعة 9 مساءً، والذي أثبت فيه حضور الشاكية نوال علي محمد صحفية بجريدة «الجيل» وأبلغته بأنها أثناء توجهها لمقر نقابة الصحفيين في تمام الساعة 30.2 مساءً بتاريخ 25/5/2005، فوجئت بمجموعة من الأشخاص يقفون أمام النقابة ويحملون لافتات للحزب الوطني، مما حال دون دخولها لمقر النقابة لحضور دورة في اللغة الإنجليزية، حيث منعها أحد الضباط من الدخول ثم سمح لها بالمرور إزاء إصرارها علي ذلك، ثم قام نفس الضابط بإصدار إشارة لبعض الأشخاص غير المعروفين لها للاعتداء عليها، وأثناء محاولتها الهروب، تم إسقاطها على الأرض مما أدي إلى تمزيق ملابسها بالكامل «الداخلية والخارجية» وسرقة حقيبتها وأحدثوا إصابتها الواردة بالتقرير المرفق، وأضافت أن مرتكبي الواقعة كان عددهم كبيراً ولا تعرف منهم سوي مجدي علام ومحمد الديب ومحمود حنفي من أعضاء الحزب الوطني، وهم معلومين لديها بحكم طبيعة عملها باعتبارهم من الشخصيات العامة.

وبسؤال ساهر جاد، صحفي بجريدة “الجيل” خلال محضر جمع الاستدلالات قرر بأنه شاهد واقعة الاعتداء على المجني عليها نوال علي نافياً معرفته لأي من مرتكبي الواقعة.

وبسؤال حسين متولي صحفي بجريدة «العربي» بمحضر جمع الاستدلالات، قرر بأنه أثناء تواجده أمام مقر نقابة الصحفيين بتاريخ 25/5/2005 حوالي الساعة 30.2 مساء لتغطية أحداث مظاهرة للحزب الوطني، شاهد المجني عليها نوال علي أثناء محاولتها دخول النقابة فمنعها أحد ضباط الشرطة برتبة نقيب.

 وبمجرد أن تم السماح لها بالمرور شاهد أكثر من شخص يحملون لافتات الحزب الوطني يعتدون عليها بالضرب ومزقوا ملابسها وسرقوا حقيبتها، وأثناء محاولتها الهرب إلي أعلي درج سلم النقابة اختفت تحت أجساد أكثر من30 شخصاً، وأضاف أنه شاهد كلاً من مجدي علام ومحمد حنفي ومحمد الديب يقودون الأشخاص المعتدين ويوجهون إليهم التعليمات بالتعدي عليها، وأنه تعرف عليهم باعتبارهم من الشخصيات العامة.

وبسؤال أسامة محمد قرمان صحفي بجريدة «السياسي» بمحضر جمع الاستدلالات، قرر أنه وأثناء تواجده بمقر نقابة الصحفيين شاهد من خلف زجاج باب النقابة مجموعة من الصبية والبلطجية يضعون على ملابسهم لافتات باسم محمد الديب ومجدي علام كانوا يتدافعون نحو المجني عليها نوال علي أثناء تواجدها أمام درج سلم النقابة لمنعها من دخول مقر النقابة، وتكالب عليها عشرات من هؤلاء الأشخاص، واعتدوا عليها بالضرب وطرحوها أرضاً ومزقوا ملابسها بتحريض من قيادات الحزب الوطني.

وبسؤال كل من عبد الحميد غانم صحفي بجريدة «الجيل» وربيع إبراهيم صحفي بجريدة «الحقيقة» رددا بما لا يخرج في مضمونه عما قرره أسامة قرمان.

وحينما سُئلت المجني عليها نوال علي بتحقيقات النيابة العامة رددت مضمون ما قررته بمحضر جمع الاستدلالات، وأضافت أن مجدي علام ومحمد حنفي ومحمد الديب قاموا بملاحقتها علي درج سلم النقابة وقام الأول بدفعها وحرض مجموعة من الأشخاص التابعين للحزب الوطني عددهم حوالي 40 شخصاً قاموا بطرحها أرضاً ومزقوا ملابسها عنوة وقاموا بملامسة صدرها وأماكن العورة بجسدها وأحدثوا إصابتها، وقدمت «بادي» أبيض اللون ممزق قررت أنها كانت ترتديه وقت حدوث التعدي عليها بجانب عدد خمسة صور فوتوغرافية، وادعت مدنياً بمبلغ 2001 جنيه علي سبيل التعويض.

وإذ سئل حسين متولي بالتحقيقات ردد مضمون ما قرره بمحضر جمع الاستدلالات، مضيفاً أن دور مجدي علام ومحمد حنفي ومحمد الديب اقتصر على تواجدهم بمكان الواقعة، حيث كانوا يشاهدون التعدي على المجني عليها في صمت وسخرية.

وإذ سئل كل من أسامة قرمان وعبدالحميد غانم وساهر جاد رددوا ما قرروه بمحضر جمع الاستدلالات وأضافوا أنهم لم يشاهدوا أياً من مجدي علام أو محمد حنفي أو محمد الديب أثناء التعدي علي المجني عليها، كما لم يشاهدوا واقعة سرقة متعلقاتها الشخصية.

الصحفية الراحلة نوال علي – المصدر: أرشيف

المجتمع المدني ورحيل نوال 

يتضح بالتحقيقات أن الواقعة الموثقة بالأسماء وبعض من الشهود، أنكرتها نيابة مبارك، وعمدت على دحض رواية المجني عليهم بل وترويعهم، كما تعرضت نوال نفسها لضغوط جمة للتنازل عن حقها، والضغط على أمها وزوجها من قبل قوات الأمن، ولكنها رفضت رفضا تاما، حتى طلقها زوجها.

ولكن بعد حفظ التحقيقات بعام وتحديدا في عام 2006 اتخذت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خطوة هامة تجاه القضية، إذ أقامت دعوتها أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بالتعاون مع المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق الإنسان، نيابة عن الصحفيات الأربعة المذكورات سلفا.

تعاقبت جلسات نظر الشكوى في بانجول عاصمة غامبيا حيث مقر اجتماع اللجنة الإفريقية، إلا أن قرار اللجنة لم يصدر إلا في سنة 2013، بعد 8 سنوات على الحادثة، وجاء القرار مُدينًا للحكومة المصرية ومطالبًا إياها بالتحقيق مع المتهمين المذكورين وتعويض الشاكيات الأربعة، بمبلغ قدره 57 ألف جنيهًا عن الأضرار الجسدية والنفسية، وإلزامها بتقديم تقرير خلال 180 يوم بشأن تنفيذ الحكم، إلا أن السلطات المصرية تجاهلت القرار.

ولكن نوال لم يسعفها الوقت لتحتفل بهكذا حكم، حتى وإن لم يتم تنفيذه، فقد أصيبت بمرض السرطان ، ورحلت عن عالمنا متأثرة بالمرض، والقهر، وذلك عام 2008.

عدت جريمة الاعتداء على المرحومة نوال والبنات الثلاث جريمة نادرة الحدوث حينها على الأقل علنا، ولكنها تفردت في كونها المقدمة لتكرار ذلك النوع من الجرائم لاحقا، وحتى التطبيع معها، حتى وصلنا إلى عبارة “إيه اللي وداها هناك” الشهيرة، التي أصبحت رمزا لتبرير هذا النوع من الإرهاب، والتي اخترعها الطرف المجرم لطمس الحقائق، فيما تشبث بها بعض الجمهور لمدارة العجز، والفشل، الذي يستشعره البعض نتيجة البنى الاجتماعية للذكورة.

1 ” كانت أيديهم تعبث بصدري، ويتحرشون بكل المناطق الحساسة من جسدي، مزقوا ملابسي واعتدوا على بأيديهم… وقعت بوجهي على الأرض وفوجئت بعدد كبير من هؤلاء البلطجية فوقي، يتحرشون بي مرةً ثانية ويعبثون بكل مناطقي الحساسة”
شهادة نوال علي الموثقة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
2 “مادة التوريث” كما جرت العادة على تسميتها، عارضتها المعارضة، من كافة الأطياف يسارا، ويمينا، وفي اليوم الموعود، يوم الاستفتاء الأربعاء 25 مايو، كنا على موعد مع مظاهرات سلم نقابة الصحفيين.

تلك السلالم التي كانت شاهدا على أول جريمة إرهاب جنسي ارتكبها رجال مبارك من الداخلية، والحزب الوطني الحاكم، بحق المعارضات علنا، فيما أطلق عليه “الأربعاء الأسود”.

3 كانت نوال هي الوجه الأبرز في ذلك اليوم لتعرضها للقسط الأكبر من الانتهاكات، حيث تم طرحها أرضا على سلم النقابة، وتمزيق ملابسها، وتعريتها، وقد تم توثيق ذلك عبر الصور، التي كانت بمثابة شاهد على فترة حكم مبارك، وطرق تعاطيه مع معارضيه.
4 بعد حفظ التحقيقات بعام وتحديدا في عام 2006 اتخذت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خطوة هامة تجاه القضية، إذ أقامت دعوتها أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بالتعاون مع المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق الإنسان، نيابة عن الصحفيات الأربعة المذكورات سلفا.
5 يتضح بالتحقيقات أن الواقعة الموثقة بالأسماء وبعض من الشهود، أنكرتها نيابة مبارك، وعمدت على دحض رواية المجني عليهم بل وترويعهم، كما تعرضت نوال نفسها لضغوط جمة للتنازل عن حقها، والضغط على أمها وزوجها من قبل قوات الأمن، ولكنها رفضت رفضا تاما، حتى طلقها زوجها.
نوال لم يسعفها الوقت لتحتفل بحكم ادانة حكومة مصر وقتها، حتى وإن لم يتم تنفيذه، فقد أصيبت بمرض السرطان ، ورحلت عن عالمنا متأثرة بالمرض، والقهر، وذلك عام 2008.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى