بيانات صحفية

#بيان_صحفي مشترك | في #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة على الحكومة المصرية إفساح المجال أمام الصحفيين لممارسة عملهم

تحل الذكرى الـ28 للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، في الثالث من مايو، معلنًا استمرار قبضة الدولة المصرية على المشهد الصحفي والإعلامي، وسيطرتها على كافة المنابر والمنافذ الإعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية ورقمية، من خلال إعادة ترتيب سوق الإعلام عبر عمليات ممنهجة لانتقال الملكية يُشتبه في تورُّط جهات أمنية فيها. متزامنًا مع الذكرى السنوية الأولى لحملة السلطات المصرية الموسعة لحجب المواقع الصحفية والإعلامية- 98 موقعًا صحفيًا حتى الآن، حسب أحدث حصر لمرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير- واستمرار رفض السلطات المصرية الإفصاح عن الجهة المسئولة عن الحجب والإطار القانوني الناظم لذلك، فضلاً عن محاولات من داخل البرلمان لتقنين هذا الحجب، ومذكرًا بمرور عامين على اقتحام مقر نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها مايو 2016 بعد أزمة كبيرة نشبت بين النقابة ووزارة الداخلية نجم عنها إحالة نقيب الصحفيين السابق وعضوين بمجلس النقابة للمحاكمة العاجلة.
عام جديد تستمر فيه الانتهاكات بحق الصحفيين؛ بمُعدَّل قد يكون أقل كميًا عن سابقيه، لكنه متفرد نوعيا في جسامة انتهاكاته وفجاجتها. ففي هذا العام وصل عدد الصحفيين المحبوسين إلى 21 صحفيًا، أحدثهم رئيس تحرير موقع مصر العربية، الكاتب الصحفي عادل صبري، والذي أمرت نيابة الدقي مؤخرًا بتجديد حبسه في القضية 441لسنة 2018أمن دولة، بعد أن وجَّهت له أربعة اتهامات، هي نشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام لجماعة محظورة والتحريض على التظاهر.
في سياق متصل، نشرت إدارة جريدة المصري اليوم الواسعة الانتشار، قرارًا بإقالة رئيس التحرير من منصبه، على خلفية الأزمة التي تعرضت لها الجريدة مع الهيئة الوطنية للانتخابات، وتقدمت على إثرها الهيئة بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام، بسبب مانشيت عدد الجريدة الصادر في 29 مارس حول حشد الدولة للناخبين، وما بثه موقعها الالكتروني من تصريحات للمرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى، وإدلائه بصوته للمرشح المنافس له. وقد ألزم المجلس الجريدة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات، وتغريم الجريدة 150 ألف جنية. وعلى خلفية الواقعة نفسها، أحال النائب العام المستشار نبيل صادق لنيابة أمن الدولة في 29 مارس بلاغًا يتهم “المصري اليوم” بإهانة المصريين، وبعد التحقيق مع رئيس التحرير، و8 صحفيين بالجريدة، قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيل رئيس التحرير بكفالة مالية 10 آلاف جنية، بعد توجيه اتهامات له بنشر الصحيفة أخبارًا كاذبة وبيانات غير صحيحة، وقت أن كان يترأس تحريرها.
في هذا العام أيضا ارتفعت وتيرة محاكمات الصحفيين أمام القضاء الاستثنائي؛ إذ نظرت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عدد ليس بقليل من القضايا بحق صحفيين، أبرزها القضية المعروفة إعلاميًا بـ “مكملين2″والقضية 441لسنة 2018والمعروفة إعلاميًا بالخلايا الإعلامية لجماعة الإخوان. وفي هذا السياق أيضا تستمر وقائع محاكمة الصحفي إسماعيل الاسكندراني بتهمة إشاعة أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون أمام النيابة العسكرية، والتي فاجأت هيئة الدفاع بإحالة القضية للمدعي العام العسكري في 13ديسمبر الماضي، بعدما قضى الإسكندراني أكثر من عامين رهن الحبس الاحتياطي.
كما شهد هذا العام أيضا إصدار حكمًا نهائيًا باتًا بحق ثلاث صحفيين مصريين هم: عبد الله الفخراني وسامح مصطفى (الصحفيين بشبكة رصد الإخبارية) ومحمد العادلي المذيع بقناة أمجاد الفضائية، إذ أيدت محكمة النقض الحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات الجيزة مايو الماضي بالسجن المُشدَّد 5 سنوات وذلك بعدما قضوا 5سنوات رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية.
من جانبها لم تتوقف النيابة العامة عن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته للتنكيل بالصحفيين، ويُعد استمرار حبس المصوِّر الصحفي محمود أبو زيد الشهير ب”شوكان” أوضح مثال على ذلك، إذ يقضي شوكان حاليًا عامه الخامس من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة بـ “فض رابعة،” رغم أنه يُعاني من مرض مُزمن”أنيميا البحر الأبيض المتوسط” ويحتاج لعناية طبية متواصلة فضلاً عما يواجه من تعنت غير مفهوم من السلطات المعنية بشأن تلقيه العلاج الملائم لحالته التي تزداد سوءًا. كان شوكان قد حصل مؤخرًا على جائزة حرية الصحافة الدولية لمنظمة اليونسكو العالمية، وسط استهجان الخارجية المصرية التي نددت في خطاب رسمي لليونسكو بذلك، متغافلة أن الاتهام الموجه لشوكان لا يُمثل إدانة ثابتة. “شوكان” حصل أيضا في 2016على جائزة حرية الصحافة من معهد الصحافة الوطني بواشنطن.
هذا المناخ المصادر لحرية الإعلام، يأتي استجابة لتكليف النائب العام المستشار نبيل صادق أبريل الماضي لرؤساء النيابات والمحامين العموم كُلٌ في دائرة اختصاصه بمتابعة ما يُنشر أو يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة وإحالة أي مخالفة للتحقيق الجنائي، مستخدمًا مصطلح الرئيس المكرر في وصف وسائل الإعلام المختلفة بـ “قوى الشر”دون تحديد أو تعريف. هذا التكليف ذلك في أعقاب خطاب الرئيس السيسي في افتتاح مدينة العلمين الجديدة في الشهر نفسه، والذي أكد فيه أنه لن يسمح بانتقاد أجهزة الشرطة والجيش معتبرًا أن هذا الانتقاد بمثابة خيانة عظمى. وفي محاولة لفهم أسباب غضب الرئيس خلال كلمته في العلمين، نشرت جريدة المصري اليوم تقريرًا جاء فيه أن”فيلم وديوان شعر ومسرحية”وراء هذا الغضب، في إشارة للفيلم التسجيلي “سالب 1095″والذي يستطلع رأي عدد من الساسة والشخصيات العامة حول المرحلة الأولى من ولاية الرئيس، وتم حبس”مونتير” الفيلم وصدر أمر بضبط وإحضار منتجته، وديوان شعر، ومسرحية “سليمان خاطر” الذي قرر نادي الصيد وقف عرضها لما أعتبر أن فيه تهكم على الجيش. وربما هذا الخطاب الرئاسي كان أحد محركات بلاغ وزارة الداخلية ضد الإعلامي خيري رمضان، بعد إذاعته حلقة في برنامجه على التلفزيون المصري تناولت أوضاع رواتب ضباط الشرطة “الشرفاء”بحسب وصفه، لكن رأت الداخلي فيها”تعدي” على الضباط، وأخلت النيابة سبيله بكفالة10 آلاف بعد أن قضى يومين قيد الحبس.
ولعل هذا كله يفسر مصطلح”رُهاب الإعلام” الذي اختارته منظمة مراسلون بلا حدود -منظمة دولية مهتمة بحرية الصحافة مقرها فرنسا- لوصف الوضع في بلدان مثل تركيا (157، -2) أو مصر (161/180) في تقريرها بشأن التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2018 والذي عنونته بـ “كراهية الصحافة تُهدِّد الديمقراطيات”، حيث أشارت المنظمة الفرنسية إلى أزمة تعميم الاتهامات بالإرهاب ضدّ الصحفيين وسجن غير الموالين منهم اعتباطيًا.
وفيما أكدت الأمانة العامة للأمم المتحدة في احتفالها باليوم العالمي لحرية الصحافة على أهمية تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة؛ يتأخر صدور قانون الصحافة المُنظِّم لمهنتي الصحافة والإعلام وحقوق وواجبات الصحفيين للعام الثالث، بينما صدر قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام والمعنى بتشكيل وصلاحيات واختصاصات المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، لنصبح بذلك أمام مشهد إعلامي تحكمه هيئات تنظيمية جديدة في محاولة لضبط مناخ يعمل بأحكام قانون قديم (قانون الصحافة رقم 96لسنة (1996 لا يتماشى مع شكل البنية التشريعية الجديدة للمشهد الصحفي والإعلامي، الأمر الذي أقتصر دور تلك المجالس والهيئات على الوجه الرقابي فقط بدلًا من الدور الأصيل في تنظيم المهنة وتمكين ممارسيها من العمل في بيئة ملائمة.
فمنذ إنشاؤه اهتم المجلس الأعلى للإعلام بتشكيل ثنائيات رقابية مع نقابتي الصحفيين والإعلاميين هدفها إحكام قبضة الرقابة على كل ما يخرج للجمهور، في عداء واضح للصحافة وكل وسيط من شأنه نقل المعلومات أو تقديم رواية بديلة عن الأحداث غير تلك الرواية الرسمية التي تتبناها الدولة وتحتكرها، ولعل هذا يفسر أيضا تأخُر صدور قانون حرية تداول المعلومات، الذي كان يفترض أن يعده المجلس الأعلى من خلال لجنة شكلت هذا العام. وبالمنطق نفسه تعمل الهيئة العامة للاستعلامات، خاصة بعد تولي الكاتب الصحفي ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ضياء رشوان رئاستها، إذ تلعب دور رقابي جديد ولكنه موجَّه لكل ما يُنشر أو يُبث عن الدولة المصرية في وسائل الإعلام الأجنبية، وهو ما نجم عنه العديد من الأزمات بين الهيئة وعدد من المؤسسات الدولية بينها وكالة رويترز، وبي بي سي. وكانت أزمة تضارب أعدادا ضحايا حادث الواحات العام الماضي دالة بشكل كبير على النهج الجديد لعمل الهيئة، والذي برز مؤخرًا، تحديدًا في مارس الماضي، بعدما رحَّلت السلطات المصرية – بناء على رأي الهيئة- صحفية التايمز الانجليزية “بيل ترو”بزعم عملها دون تصريح ومخالفتها قواعد العمل المعلنة من الهيئة العامة للاستعلامات.
وبدوره ساهم المجلس الأعلى للإعلام أيضًا في إهدار سيادة القانون حينما تخلى عن دوره في حماية المنافسة ومنع الاحتكار في سوق الإعلام، في ظل شُبهات واسعة حول تدخُّل جهات سيادية بشكل مباشر في عمليات انتقال للملكية في سوق الإعلام، كان من بينها عملية انتقال ملكية مجموعة “إعلام المصريين”المالكة لعدد كبير من وسائل الإعلام والصحافة ذات التأثير الواسع لصالح مجموعة “إيجل كابيتال”المملوكة للسيدة داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر، وتُعد “إيجل كابيتال” أحد أشكال الاستثمارات التابعة لجهاز المخابرات العامة بحسب تقارير صحفية متداولة. كذلك صفقة شراء مجموعة “فالكون”للخدمات الأمنية لشبكة قنوات الحياة المملوكة للدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد الليبرالي. “فالكون” هي مجموعة مالية يرأس مجلس إدارتها وكيل جهاز المخابرات الحربية السابق. مثل هذه الصفقات لم تحظ بأي اهتمام من المجلس الأعلى للإعلام رغم الشُبهات التي تدور حولها، ولو من باب تقصي الحقائق بشأن تلك العمليات ومدى تأثيرها على مناخ المنافسة الحرة والشفافة في سوق الإعلام.
أخيرًا يبدو أن العنوان الذي اختارته الأمم المتحدة لذكرى اليوم العالمي للصحافة هذا العام: “توازن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون” يضع يده على واحدة من أهم الأزمات التي تواجه المناخ العام لحرية الصحافة في مصر، وغياب الضمانات القانونية لحرية الصحافة، فهذا الاهتمام للأمم المتحدة بدور سيادة القانون في توفير ضمانات قانونية لحرية الصحافة لم تعكسه الإرادة السياسية المصرية، فالبيئة القانونية الحاكمة لحرية الصحافة والإعلام في مصر غير تمكينية بالمرة، بل على العكس هي بيئة خانقة وشديدة الخطورة بأمن وسلامة وحرية الصحفيين والإعلاميين. ناهيك عن مساعي أجهزة الدولة في فك وتركيب البنية التشريعية والقانونية والهيكلية المنظمة للصحافة والإعلام في مصر بالكامل، فعلى سبيل المثال ألغى الدستور المصري (2014) بشكل نهائي في مادته 71الحبس الاحتياطي في قضايا النشر إلا في ثلاث حالات حصرًا وهي التمييز بين المواطنين، التحريض على العنف والطعن في أعراض الأفراد، إلا أنه وفقًا لنقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة فإن القوانين المصرية المختلفة تحتوي على 35مادة تُجيز حبس الصحفيين في قضايا نشر، ولعل بموجب أحدها تم حبس الصحفي بجريدة “هافينجنتون بوست- عربي”معتز شمس الدين ودنان على ذمة القضية 441لسنة 2018 على خلفية نشره حوارًا مُسجلًا مع المستشار هشام جنينة (المحبوس حاليًا بسبب الحوار ذاته) عن حملة المرشح الرئاسي المستبعد والمحبوس حاليًا أيضًا سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية سابقًا، وهو الحوار الذي رأته السلطات المصرية يتضمن أكاذيب ويستهدف النيل من استقرار البلاد
وعليه فإن المنظمات الموقعة على هذا البيان تُكرر وتؤكد على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للحكوماتِ (ونخُص هنا الحكومة المصرية) إلى تعزيز حرية الصحافة وتوفير الحماية للصحفيين، وتطالب بتوفير المناخ القانوني الضامن لحرية عملهم.

المنظمات الموقعة
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
المفوضية المصرية للحقوق والحريات
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مركز النديم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى