اصداراتبيانات صحفيةبيانات صحفية-الاقلياتبيانات صحفية-المدافعين عن حقوق الانسان
أطلقوا سراح مينا ثابت أحد أصوات التسامح في زمن التطرف
19 مايو 2016
تدين المفوضية المصرية للحقوق والحريات القاء القبض على مينا ثابت مدير برنامج الأقليات والفئات المهمشة بالمفوضية وتطالب بالإفراج الفوري غير المشروط عنه. كانت نيابة شرق القاهرة بالعباسية قد أمرت بحبس مينا ثابت أربعة أيام على ذمة التحقيق بعد أن وجهت له، في المحضر ١٠٦٩٨ لسنة ٢٠١٦ جنح عين شمس، الاتهام بالانضمام لجماعة إرهابية والحض على العنف والتحريض على التجمهر والتظاهر وإشاعة أخبار كاذبة تنفيذاً لغرضٍ إرهابي.
وقد جاء القبض على مينا ثابت إثر اقتحام “زوار الفجر” من عناصر وزارة الداخلية لمنزله الكائن بمدينة السلام شرق القاهرة، في تمام الثالثة والنصف فجر الخميس الموافق 19 مايو 2016. حيث قامت تلك العناصر، والتي لم يرتدي أي منها لباساً شرطياً، بانتهاك حرمة السكن العائلي لأسرة مينا ثابت، واقتحامه، وتفتيشه، وتدمير بعض محتوياته، وذلك كله من دون ابراز أية أوراقٍ أو قرارات رسمية تخول لهم ضبط واحضار أي من أفراد الأسرة أو تفتيش المنزل.
وفيما كانت الأسرة على حالة الهلع والترهيب التي أحدثها المقتحمون، تم اختطاف مينا ثابت، بعد الاعتداء عليه بالركل واللكمات في أنحاء متفرقة من جسده، أتبعها وضع شريط لاصق على عينيه، قبل اقتياده إلى مكان غير معلوم في سيارة عرّفت عنها لوحتها المعدنية بأنها “ملاكي الإسكندرية” رقم 8096. وبسؤال قسم شرطة السلام الذي يقع في دائرة سلطته منزل مينا ثابت، أنكر ضباط القسم وأفراده – لساعات عدة – معرفتهم بمكان احتجاز مينا ثابت، بل وأنكروا كذلك معرفتهم بأنهم قد جرى اختطاف مواطناً بهذا الاسم. وذلك رغم تعرُّض مينا للاستجواب التعسفي والتعدي عليه بالضرب بالأيدي والأرجل لما يزيد عن ساعتين داخل ذلك القسم، اُجبر خلالهما على البقاء واقفاً، وذلك دون حضور محام عنه كما ينص القانون.
الا اننا قد فوجئنا، في حوالي الثانية بعد ظهر اليوم الخميس، بعرض مينا ثابت على نيابة شرق القاهرة بالعباسية، والتي أصدرت قرارها السابق بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق. وطبقاً للمحضر رقم ١٠٦٩٨ لسنة ٢٠١٦ جنح عين شمس – وهو نفس المحضر المتهم فيه المهندس أحمد عبد الله رئيس مجلس أمناء المفوضية وآخرون – فقد وجهت النيابة قائمة طويلة من الاتهامات لمينا ثابت والتي تراوحت بين الانضمام لجماعة إرهابية، والتحريض على التخريب ومهاجمة اقسام الشرطة، وحيازة منشورات تحض على التظاهر والتجمهر، والاخلال بالسلم والأمن العام والدعوة لقلب نظام الحُكم. وعلى عظم تلك الاتهامات وخطورتها، لم تشتمل قائمة الأحراز – التي نُسبت لمينا ثابت – سوى على أجندة عليها بعض صور مريم العذراء؛ أوراق تعريف بحزب العيش والحرية؛ وكذلك أوراق عن حقوق الأقليات والحقوق المدنية والسياسية في المواثيق والاتفاقيات الدولية.
والحقيقة أن اقتحام العناصر الشرطية في لباسٍ مدني لمنزل مينا ثابت لم يكن التعدِّي الأول لقوات الداخلية على بيته، ففي اليوم السابق، الأربعاء الموافق 18 مايو 2016، كان أحد العناصر المنتمية للأمن الوطني بمدينة السلام قد حاول استدراج الشقيق الأصغر لمينا ثابت واصطحابه إلى جهة غير معلومة، غير أن السيدة والدته قد تدخلت في الوقت المناسب لتحمي ابنها الأصغر، ولتستشف من خلال الأسئلة التي طرحها عليها الزائر الأمني نوايا الداخلية تجاه ابنها الأكبر.
بُعيد دقائق من تلك الحادثة تلّقى الزميل مينا ثابت – وكان بمقر عمله آنذاك – مكالمة هاتفية من والدته نقلت إليه فيها ما جرى، وحينها أدرك مينا – قبل اعتقاله بمدة كافية – ما هو مُقبلٌ عليه. كان بإمكانه المبيت في غير منزله – وهذا ما نصحه به كثيرون – أو التصرف بأي شكل يجنبه مخاطر التعدي عليه أو اعتقاله من قبل الأمن الوطني، لكنه رفض ذلك. ورغم حث زملائه له على الحيطة والحذر، أفاد مينا بأنه “لن يسمح بأن تتعرض والدته أو أخوته لأي أذى بسببه”. لم يخش مينا الاعتقال أو السجن، لأنه لم يفعل أو يرتكب ما يقتضي ذلك.
لقد كان الزميل مينا اليوم، كما كان منذ أن بدأ عمله الحقوقي قبل 5 أعوامٍ، صوتاً مندداً بالعنف داعياً للسلم والتسامح والمساواة. ففي عام 2011، كان قد شارك في تأسيس “اتحاد شباب ماسبيرو” وكان المتحدث الرسمي باسم تلك الحركة إبان الفترة العصبية التي شهدت مجزرة ماسبيرو في العام نفسه. وبعد الثلاثين من يونيو 2013، كان مينا ثابت قد أعد وكتب تقريراً طويلاً عن العنف الذي تعرض له المسيحيون المصريون في اعقاب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي. كذلك كان أحد مؤسسي “التحالف المصري للأقليات” وأحد من استمعت إليهم لجنة تعديل الدستور المصري في 2013.
لم يقتصر عمله الحقوقي على دعم قضايا الأقليات والمهمشين في الداخل فحسب، بل كان كذلك صوتاً مدافعاً عن الضحايا المصريين من الأقباط في ليبيا والذين تعرضوا، خاصة في 2014، لأعمال وحشية من منظمات إرهابية واجرامية هناك. لم تكن كتاباته وحدها المرآة التي عكست نبل مشاعره وانسانيته، بل كذلك تضامنه الحقيقي وغير المحدود مع ذوي الضحايا واقربائهم. فاستقبال مينا ثابت لجثث ضحايا أقباط بمطار القاهرة ومصاحبته لها إلى مثواها الأخير بصعيد مصر، وكذلك تجواله مع أسر الضحايا والقتلى بين الوسائل الإعلامية والوزارات والمؤسسات الحكومية، وتلقيه استفسارات الأهالي وتلبيته لمطالبهم ومد يد العون والمساعدة لهم لم تكن من مقتضيات عمله فقط، لكنها كانت، ولا تزال، انعكاساً للمبادئ الإنسانية والرسالة التي يحيا لخدمتها.
كذلك لم يكن مينا ثابت يوماً محرضاً على عنف أو داعياً لتخريب أو منادياً بإهدار قانون أو ساعياً لغير ما فيه مصلحة الناس وخدمة الوطن. مقالاته المنشورة بالعديد من الصحف والمنصات الإليكترونية، ومشاركاته التلفزيونية والحوارية تثبت ذلك وتؤكده. وعلى ذلك، ستكون أي محاولة من وزارة الداخلية – التي تُهدر القانون بدلاً من انفاذه، والتي تُروع الناس بدلاً من تأمينهم، والتي تبث الظلم بدلاً من أن تنشر العدل – لتلفيق أية تهم لمينا ثابت من دون أي دليل أو قرينة حقيقية ما هي إلا استمراراً لمسلسل انقلاب الشرطة على القانون والدستور والتنكيل بكل من يدعو للالتزام بهما، ومن بينهم مينا ثابت. كذلك يظل توجيه نفس حزمة الاتهامات التي وُجهت من قبل لمعتقلي 15 و25 أبريل المدافعين عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير إليه دليلاً على أن شيوع الاتهام وغياب الأدلة واحتضار العدالة لم يعد حدثاً فردياً او استثنائياً بل القاعدة.
ان اختطاف مينا ثابت، مدير برنامج الأقليات والفئات المهمشة، واحتجازه بغير دليل أو سند من قانون، ومن قبله أحمد عبد الله، رئيس مجلس أمناء المفوضية، لن يفت في عضد المؤسسة ولن يثنيها عن استكمال مشوار الدفاع عن حقوق وحريات المواطنات والمواطنين المصريين بلا تفرقة أو تمييز. وإننا اذ ندعو الحكومة المصرية إلى إطلاق سراح مينا ثابت من دون ابطاء أو شروط، ومعه كل المحتجزين في السجون والمعتقلات بدون وجه حق إعمالاً لأحكام الدستور والقوانين المصرية والمواثيق والأعراف الدولية، ندع كذلك المدافعين عن حقوق الانسان في مصر والعالم، أفراداً ومؤسسات، إلى التضامن مع مينا ثابت ومعتقلي مصر حتى يستعيدوا حقهم المسلوب في الحرية والكرامة.