18 ديسمبر 2018
محمد لطفي
Speech at ceremony of the Franco-German Prize for Human Rights and Rule of Law
18 December 2018
By Mohamed Lotfy
English below
معالي السيد سفير فرنسا، معالي السيد سفير ألمانيا،
معالي السادة السفراء والدبلوماسيين في مصر،
السادة ممثلو الحكومة المحترمون،
أعضاء المجتمع المصري لحقوق الإنسان الشجعان،
أسرتي الحبيبة،
سيداتي وسادتي،
إنه لشرف كبير لي اليوم أن أُمنح الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون لعام 2018 بجانب أربعة عشر مدافعاً آخر عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
لديّ احترام وعرفان كبير لكلٍ من فرنسا وألمانيا حيث أثرت ثقافتهما كثيرا في تربيتي حتى وصلت إلى مرحلة النضج. عندما كنت تلميذا في جنيف، كنت أعرف اللغة العربية وقليلا من اللغة الإنجليزية، وكنت مضطراً لتعلم اللغة الألمانية في المدارس السويسرية على يد مدرسين فرانكوفون. بعد عدة سنوات، تمكنت من اللحاق بنظرائي الناطقين بالفرنسية. ولكن لم أتمكن من صياغة جملة مفيدة باللغة الألمانية واضعا Die أو Das في المكان الصحيح. ولتجنب المزيد من الإحراج، إخترت البكالوريا العلمي عندما دخلت ليسيه في فرنسا منذ أكثر من عشرين عامًا.
تربيت في أسرة مصرية، ورثت من والدتي: حقانيتها وعنادها ، ومن والدي: تواضعه ونزاهته. مع قليل من المكر من كليهما. إن الشعور بالاتساق مع الذات في مجتمع أجنبي تحدي يواجهه جميع المهاجرين. يمكن للمرء أن يحاول عزل نفسه عن محيطه، لكنني فضلت التكيف، واجتياز الحواجز الثقافية، وتعلمت التوفيق فيما يبدو أنه تناقضات. هذا يتطلب بالتأكيد نقد الذات، وتحطيم الأصنام، مع الحرص على عدم الوقوع في فخ صناعة أصنام جديدة أو الإصابة بعقدة نقص.
في الوقت الذي كان فيه ذهني ينهل من معارف المفكرين الأوروبيين، الذين يؤمنون بقوة الحرية وبقيمة البشرية، فقد بحثت عن من يعادلهم في التراث العربي – لمساعدتي في الحفاظ على توازن هذه المعادلة الدقيقة التي كنت أحاول بصعوبة إبقاءها حية – ولكن دوماً كان نجاحي في ذلك ضئيلا. في هذه المرحلة، أدركت أن المنهج الإنساني هو النهج الأكثر ملاءمة لتجاوز تلك الحواجز الثقافية والهوياتية. ومن هنا ازداد اهتمامي بحقوق الإنسان وبدأت مشاركتي بالعمل في مجال حقوق الإنسان حتى انضممت إلى منظمة العفو الدولية.
كان قلبي ولا يزال يتشبث بجذوري المصرية. بعد أن قضيت معظم حياتي أثناء سن المراهقة والبلوغ في أوروبا وفي سويسرا – التي أصبحت مواطناً فيها أيضاً – أظل أشعر بشيء من الدين تجاه أبناء جلدتي المصريين. عشت حياة مميزة مقارنة بمعظم المصريين. هل أكتفي فقط بأنني كنت محظوظا؟ أم هل يجب أن يقترن هذا القدر المميز ببعض المسؤولية؟
أظهرت الثورة في 2011 أن ملايين المصريين يعانون من شعور بعدم الإرتياح العميق. أظهروا للعالم أنهم يعرفون قيمتهم الحقيقية كنفوس حرة تبتغي رؤية هذا الأمر معترف به في حياتهم اليومية. كانت مصر قد بلغت أخيرا موسم الربيع بروح مفعمة بالأمل. في بلدنا يجب على الناس أن يبذلوا قصارى جهدهم للبقاء خيّرين تجاه بعضهم البعض لأن الكثير من الظروف المحيطة بهم تلحق الضرر بإنسانيتهم و تمتهن كرامتهم. لقد رفضوا هذه الحالة بوضوح، وفي قلوبهم ما زالوا يرفضونها رغم القيود المفروضة عليهم الآن.
اعتاد عمي أن يقول لي ذات يوم سيكون علي مد جذوري في أراض ما، بمعنى آخر أنني بحاجة إلى الاستقرار. في عام 2013، ولأول مرة، قمت باختيار تغيير مسار حياتي باتخاذ قرار العودة إلى مصر. وهكذا استقريت هنا وتزوجت ورأيت أول مولود لي ونذرت مسيرتي المهنية للمفوضية المصرية للحقوق والحريات بعد أن خسرت دور طاولة ضد شريكي في تأسيسها أحمد عبد الله.
من خلال المفوضية التقيت مئات من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء، من جميع أنحاء البلاد، مشمئزون من الاتجاه الذي سارت فيه البلاد. لقد أصبحوا مجتمعي الصغير من المؤمنين بحقوق الإنسان، فهم نموذج لشباب مصر الطموح، وهكذا أصبحت المفوضية طريقي للإسهام في استئصال عقود طويلة من جذور الظلم الهيكلي والدفاع عن المثل العليا للدولة والمجتمع القائمة على أساس قيم الاحترام والكرامة وحقوق الإنسان. أعتقد أن دوري هو توجيه المستجدين في مجال حقوق الإنسان، وتوفير المكان والفترة الزمنية لإصقال معارفهم ومهاراتهم، ومن ثم إتاحة الفرصة لهم لممارسة الدفاع عن حقوق الإنسان بإحترافية وشغف.
بعد صيف 2013 الحار نعيش الآن في ضباب الخريف. لا يزال الشتاء قادمًا قبل أن تكتمل الدائرة أخيرًا. لقد استحكم مناخ الخوف من مصر، الخوف من الانتقام الحكومي ضد أولئك الذين يعبرون عن آراء ناقدة أو معارضة. كمدافعين عن حقوق الإنسان اخترنا المقاومة. يجب أن نكون قادرين على الصياح “foul” عندما نرى انتهاكات، إلى جانب تطوير قوانين وسياسات وتدابير بديلة تتماشى مع الدستور وقانون حقوق الإنسان، وهما مرجعيتان تتجاهلهما الحكومة بشكل عام. ولكي يحدث هذا علينا أن نتغلب على الخوف، ومن ثم نجمع القوة لتحييده بداخلنا. يَفرِض علينا الخوف الحذر ولكن يجب ألا يشل قدرتنا على الفعل وإلا حينها فقط نكون قد خسرنا.
في الواقع، ندفع ثمناً باهظاً جراء دفاعنا عن حقوق الإنسان. إن سجن زوجتي أمل فتحي هو أصعب تجربة مررت بها حتى الآن. كانت زيارة نجلي زيدان الأولى لرؤية والدته مفجعة. بعد أن أبعدتهم جدران السجن والاتهامات المزيفة، كان أول عناق لهما بعد اعتقالها أطول من قدرتي على حبس دموعي. في كل زيارة إلى السجن، أتوق لرؤيتها لأنهي قلقي بشأن حالتها الصحية. عندما تُسجن ضحايا التحرش الجنسي عندما يعلو صوتهن وتصرخن حول مأساتهن مع هذا الوباء، بغض النظر عن أسلوب الخطاب المستخدم، ويترك المتحرشين أحراراً، عندئذ تنقلب العدالة رأسًا على عقب. ولكن هذا ليس المنطق الوحيد الأعرج في مصر.
هناك في السجن رأيت عائلات السجناء السياسيين وعائلات الجنائيين مع الأطفال الذين جلبوا لرؤية أمهاتهم وآبائهم المسجونين. إنهم يتقاسمون نفس الألم مع أحبائهم، ويحمل الكثيرون شعورًا عميقًا بالظلم. حتى السجينات المرتديات للون الأحمر، المحكوم عليهن بالإعدام بتهمة القتل أو غيرها؛ تعانق أبنائهن وبناتهن مثل أي أم محبة.
أمل فتحي تحمل قلبا طيبا ولطيفا. لا تتورع عن قول الحقيقة والتحدث عن رأيها. مثلها مثل معظم المصريين، تتوق لحياة أفضل في مجتمع يقدّر الجمال، ويعتز بالحرية ويفرض الاحترام. أنا مدين لها ولإبني أن أوفر لهما ذلك.
أشعر الآن أن لدي دينين ولا أعلم أيهما أحتاج إلى الوفاء به أولا. صراعي الحقيقي مع نفسي هو أنني لا أعرف متى، أو إذا كان سيأتي يوما، سأشعر فيه بالرضا أنني حاولت بما فيه الكفاية المساهمة في جلب بعض الرحمة إلى هذه الأرض الحزينة والعزيزة التي تنبعث منها الآلام وتقطر منها الفرص المهدرة.
مع احتفالنا بالذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبينما نحن على وشك الاحتفال بالذكرى الثامنة لثورة 2011 المصرية العظيمة، علينا أن نتذكر الذين سقطوا من أجل مستقبل أفضل لنا جميعًا في جبهات المعارك وفي الميادين العامة. علينا تذكر تلك النفوس التي آمنت بقيم حقوق الإنسان وحاربت من أجل الحرية في شمال وجنوب البحر المتوسط عبر تاريخنا الحديث وماتزال.
فكما أحيا السلام الديمقراطي أوروبا من رمادها، فإنه في يوم من الأيام سوف يَجمع شاطئي البحر الأبيض المتوسط في مجتمع واحد كبير ومتنوع من الدول الديمقراطية والمجتمعات الحرة التي تتشارك قيم حقوق الإنسان وترفض التمييز و نبذ أو كراهية الغريب أو الأجني، حيث يتمتع أعضاؤها بالحياة الكريمة والسعيدة. هذه هي رؤيتي.
علينا ألا نأمل فقط في أن تهب رياح جديدة على سماءنا. الأمل يمد خيالنا ويحفز رؤيتنا، ولكن من خلال الفعل فقط يتم إنجاز الأمور. لذا أود أن أقترح إنشاء ملتقى للفائزين بهذه الجائزة المرموقة في مجال حقوق الإنسان للعمل كهيئة مستقلة تقدم المشورة إلى الحكومات وغيرهم من المهتمين في شمال وجنوب البحر المتوسط، من أجل تحديد معالم طريق إلى الأمام في سبيل المضي قدماً لتحقيق تلك الرؤية.
تقع على عاتق الرواد مسئولية المحاولة المستمرة دون توقف، ومغازلة القدر السعيد، بدون أي وعد بالنجاح.
شكرا لكم.
Speech at ceremony of the Franco-German Prize for Human Rights and Rule of Law
18 December 2018
By Mohamed Lotfy
Your Excellencies Ambassador of France and Ambassador of Germany,
Your Excellencies Ambassadors and distinguished diplomates in Egypt,
Honorable government representatives,
Brave members of the Egyptian human rights community,
My beloved family,
Ladies and gentlemen,
It is a great honor for me today to be awarded the prestigious Franco-German Prize for Human Rights and Rule of Law of 2018, along with 14 other human rights defenders across the world.
I have enormous respect and gratitude for both France and Germany, whose cultures have tailored much of my upbringing and guided me to maturity. As a schoolboy in Geneva, only knowing Arabic and a little English, I was compelled in Swiss schools to learn German by francophone teachers. After a few years, I managed to catch up with my French speaking peers; but never came anywhere close to putting together a correct German sentence with Die or Das in the right place. To avoid more embarrassment I opted for a Scientific Baccalauréat when I joined a Lycée in France just over 20 years ago.
Raised in an Egyptian family, I took from my mother: her righteousness and intransigence, from my father: his humility and integrity; and a bit of cunning from both. Feeling true to oneself in a foreign society is a challenge that all emigrants face. One could try to isolate himself from his surrounding, but I preferred to adapt, traverse cultural barriers, learn to conciliate what appear to be contradictions. This certainly requires self-criticism, breaking idols, while being careful not to fall into the trap of making new idols or developing a complex of inferiority.
While my mind was being sharpened by European-born thinkers, who believe in the power of freedom and in mankind’s worth, I searched for equivalents in Arabic heritage – to help balance this delicate equation I was hardly trying to keep afloat – but with only slim success I have to admit. At this stage I realized humanism was the most adequate approach to transcend those constructed cultural and identity barriers. Hence my interest in human rights grew and I started my engagement in human rights work until I joined Amnesty International.
My heart was and still is clinging to my Egyptian roots. Having spent most of my teenage and adult life in Europe and in Switzerland – of which I became a citizen too – I keep feeling somehow in debt towards my countrymen in Egypt. I had a privileged life compared to most Egyptians. Do I just accept I was lucky? Or does this privilege come with some responsibility?
The uprising in 2011 showed millions of Egyptians have a deep malaise; they demonstrated to the world that they know their true worth as free souls and want to see this acknowledged in their everyday lives. Egypt was finally in spring and full of hope. Here, people must endeavor to stay good to each-others as so many circumstances around them damage their humanity or harm their dignity. They clearly rejected this state of affairs and in their hearts continue to reject it despite constraints imposed on them today.
My uncle used to tell me one day I will have to extend my roots in some land, another way of saying I need to settle. In 2013, for the first time I made a life changing choice by deciding to return to Egypt. And so I settled here, married, saw my first born child, and committed my career to the Egyptian Commission for Rights and Freedoms after I lost a backgammon game to co-founder Ahmad Abdallah.
Through ECRF I came across hundreds of human rights defenders and activists, from across the country, appalled at the direction the country was being driven to. They have become my little community of human rights believers, a microcosm of Egypt’s aspiring youth, and so it has become my way to contribute even the slightest to un-root decades of structural injustice and defend the ideals of a state and society based on the values of respect, dignity and human rights. I think my role is to guide new comers into the field of human rights, see that they have the space and time to sharpen their knowledge and skills, hence offer them the opportunity to practice the defense of human rights with both professionalism and passion.
After the hot summer of 2013 we live now in autumn’s fog. Winter is still to come before the circle finally completes. A climate of fear has settled over Egypt’s sky, the fear of government reprisal against those who express critical opinions. As human rights defenders we have chosen resistance. We must be able to shout foul when we see violations, let alone develop alternative laws, policies and measures in line with the constitution and human rights law, two references generally ignored by the government. For this to happen we have to overcome fear and so gather the strength to neutralize it. Fear imposes on us prudence but must not paralyze our ability to act. When it does we know we lost.
Indeed the defense of human rights is not without a price. The imprisonment of my wife Amal Fathy is the hardest experience I had to endure so far. The first time I brought Zidane to see his mother was heartbreaking. Separated by prison walls and fake accusations, their first hug following arrest was too long for my eyes to hold its tears. At every prison visit I can’t wait to catch the first sight of her to finally appease my worries about her state of health. When victims of sexual harassment are imprisoned for speaking out against this plague, regardless of the style of speech they used, and harassers are left free, then justice is turned upside down. But this isn’t the only awkward logic in Egypt.
There in prison I saw families of both political prisoners and common criminals with children brought to see their imprisoned mothers and fathers. They share the same pain for their beloved ones and many carry a deep feeling of injustice. Even female prisoners dressed in red, sentenced to death for murder or other; hug their sons and daughters just like any loving mother does.
Amal Fathy’s heart is good and kind. She does not shy away from telling the truth and speaking out her mind. Like most Egyptians, she lounges for a better life in a society that appreciates beauty, cherishes freedom and imposes respect. I owe it to her and to my son to provide them just that.
Now I feel I have two debts and I don’t know which one I need to fulfill as a matter of priority. My real struggle with myself is that I don’t know when, if ever, I will feel satisfied I tried enough to help bring some relief to this sad but dear land oozing with pain and dripping squandered opportunities.
As we celebrate the 70th anniversary of the Universal Declaration of Human Rights, and as we are about to commemorate the 8th anniversary of the great Egyptian uprising of 2011, we must remember the fallen who have given their lives for a better future for all of us, in battlefronts and in public squares. Remember those souls who believed in human rights values and fought for freedom north and south of the Mediterranean Sea in our recent history and continue to do so.
As democratic peace revived Europe from its ashes it shall one day bring the two shores of the Mediterranean together in one large and diverse community of democratic states and free societies that share the values of human rights, reject discrimination and xenophobia, where its members enjoy dignifying lives of plenty and happiness. This is my vision.
We must not just hope for fresh winds to clear up our sky. Hope powers our imagination and motivates our vision, but it is through action that things get done. Thus I would like to suggest establishing a platform for winners of this prestigious human rights prize to act as an independent body that advises governments and other stakeholders, north and south of the Mediterranean, on the way forward to bring this vision to life.
Pioneers have the responsibility of trying and trying again, tempting happy fortunes, without ever the promise of success.
Thank you.
#ECRF #Franco_German_Prize #Human_rights #Egypt #Mohamed_Lotfy #Free_Amal_Fathi
#المفوضية_المصرية
#الحرية_لأمل_فتحي