اصدارات

نتائج مسابقة “ECRF الفن وحقوق الإنسان” النسخة السابعة قصص/هن

يد صغيرة - فيصل محمد

كان الطريق خاليًا، ورياح المساء تلفهمها. مشيا بصمت، كأن كلاً منهما في عالم آخر.

حاولت أن تتذكر متى دار بينهما حديث حقيقي، لكنها لم تستطع.

كانت خطواتهما متباعدة، كأنهما يسيران في اتجاهين مختلفين.

راحت تراقب ظلّيهما على الإسفلت، تراهما يقتربان ويفترقان مع كل خطوة.

الهواء البارد كان يتسلل تحت عباءتها، والصمت كثيف للغاية.

شعرت بالمسافة الهائلة بينهما، تلك المسافة التي لا ترى.

إنها لم تعتد بعد على طوله الفارع، بدا وكأنه قد طال فجأة، ليتجاوزها، بالرغم من أنها تكبره بخمس سنوات.

عندما كان طفلاً، كان صوته يملأ البيت.

كانت تحمله على ظهرها أحياناً، وأحياناً أخرى يجلس بجانبها على الأرض، يقلب صفحات كتابها دون أن يفهم حرفاً.

كان يسألها أسئلة لا تنتهي، وكانت تجيبه بابتسامة.

تريد أن تسأله الآن، لماذا لم نعد نتحدث كما في السابق، أين ذهبت كل تلك الكلمات والضحكات؟ ولكن شيء ما يمنعها، كأن ثمة ما يحول بينهما.

أرادت أن تمسك يده، أن تقترب منه كما كانت تفعل عندما كان صغيراً، لكنها شعرت بخوف خفي، خوف من أن تكتشف أنه لم يعد كما كان.

فكرت في قول شيئًا ما، أن تكسر هذا الحاجز الخانق، لكنها لم تجد الكلمات.

كيف تبدأ حديثًا مع شخص بات غريبًا؟ كان المنزل على بعد خطوات، حين قال لها بصوت خافت “عباءتك” لكنها لم تسمعه جيدًا.

كانت الرياح تعصف، تعبث بعباءتها، كرر كلمته مجددًا، وقبل أن تستدير نحوه، شعرت بصفعة مباغته على رأسها، كانت قوية بما

يكفي لتفقد توازنها للحظة، حرارة الصفعة انتشرت في جسدها كله كأنها تحرقها من الداخل.

أغلقت عباءتها بأطراف مرتعشة، وأكملت السير حتى وصلت إلى الباب.

كانت الغصة تخنقها، وظلت الدموع عالقة عند أطراف عينيها. أكثر ما آلمها أن الصفعة جاءت من يده، يده الصغيرة التي لطالما قبّلتها طويلاً. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى