مجلة حق ومعرفة (10) – 1600 يوم من الاحتجاز دون وجه حق.. مأساة إنسانية تلاحق مروة عرفة التي تنتظر العدالة
مدافع/ة
4 سنوات ونصف من الظلم.. مروة عرفة تنتظر العدالة
تتعرض المرأة المصرية لنفس القدر من القمع الذي يتعرض له الرجل، وتواجه سجنًا وانتهاكات لحقوقها، لا سيما المدافعات عن الحقوق والحريات. وتعتبر المترجمة والناشطة مروة عرفة مثالًا بارزا على القمع الذي يطال النساء في مصر، والتي تتعرض لقائمة من الانتهاكات المستمرة منذ أكثر من 1600 يومًا.
أربع سنوات ونصف السنة حبس احتياطي بالمخالفة للقانون، قضتها المترجمة والناشطة مروة عرفة خلف القضبان، ولا زالت قابعة في غيابات السجن بعيدًا عن أسرتها وأصدقائها وابنتها الصغيرة “وفاء” – ذات الست سنوات- التي لم تنعم بلحظة دافئة مع والدتها ولم تتمكن من احتضانها منذ أبريل 2020.
اختفاء قسري ثم سجن.. بداية القصة
بدأت معاناة مروة عرفة في 20 أبريل 2020، حينما اقتحمت قوة أمنية منزلها وألقت القبض عليها واقتادتها إلى جهة غير معلومة، وظلت قيد الاختفاء القسري لمدة أسبوعين إلى أن ظهرت أمام نيابة أمن الدولة التي اتهمتها بالانضمام لجماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل.
وأمرت النيابة آنذاك – في 4 مايو 2020 – بحبسها احتياطيًا على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن دولة، بينما لم تحقق في بلاغات أسرتها بشأن اختفائها قسريًا لأسبوعين كاملين. ولا تزال مروة البالغة من العمر 31 عاما قيد الحبس الاحتياطي على ذمة هذه القضية حتى الآن.
مروة هي أم لطفلة صغيرة تدعى وفاء، تبلغ من العمر ست سنوات؛ قضت وفاء أكثر من نصف عمرها بعيدًا عن والدتها، كما أصيبت بصدمات نفسية بعد اقتحام قوات الأمن منزل عرفة. ففي فبراير 2023، قال المحامي مختار منير، إن “مروة بعيدة عن طفلتها التي لم تبلغ خمس سنوات، والتي أصيبت بأمراض نفسية جراء مشاهدتها واقعة القبض على أمها من حضنها وهي لم تبلغ العام ونصف”، لافتا إلى أنه يتمنى “أن يكون لأحد صوت ضمير واعي يوقف تلك المهزلة ويُصدر قرارًا بإخلاء سبيل مروة وكل الحالات التي مر على حبسها أكثر من عامين إعمالاً لصحيح القانون”.
وبموجب القانون لا يجوز أن تتجاوز فترة الحبس الاحتياطي مدة 24 شهرا، بعدها يكون الإفراج وجوبيا. إذ تنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 على أنه “لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”.
وتجاوزت مروة عرفة المدة القصوى للحبس الاحتياطي في 9 مايو 2022. وفي رسالة سابقة لها من محبسها مع اقتراب إكمالها عامين ونصف في الحبس الاحتياطي قالت مروة: “حبايبي وحشتوني أوي، معلش حقكم عليا خلي بالكم من نفسكم، وحافظوا على طاقتكم، خلوا نفسكم طويل الحياة مراحل، مفيش للأبد، لابد الحال يتغير ويتعدل ومافيش مفر! خلينا وخليني افكركم وأفكر نفسي شرط المحبة الجسارة، شرع القلوب الوفية. ولابد من يوم تترد فيه المظالم، أبيض على كل حر، أسود مهبب على كل ظالم”.
وتطالب حملة “الحرية لمروة عرفة” على “فيسبوك” بالإفراج الفوري عن المدونة الشابة. كما تطالب حملة الدفاع عن مروة عرفة، الجميع بتذكرها وتذكر قضيتها والمطالبة بالإفراج عنها والحديث عن وضعها، أيضا إنهاء معاناة طفلتها الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الثالث قضت أكثر من نصفهم بعيدة عن أمها.
وفي 16 أغسطس الماضي، كانت ذكرى عيد ميلاد المترجمة والناشطة مروة عرفة، وهي الذكرى الخامسة لمروة داخل السجن.
انتهاكات مستمرة
وتتعرض مروة لقائمة من الانتهاكات المستمرة منذ أكثر من 1600 يومًا، فبحسب ما كشف أصدقائها في تصريحات سابقة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن ظروف القبض على مروة كانت صعبة، ففي البداية تم حبسها في أحد أقسام الشرطة والزيارات كانت ممنوعة، وكان يتم تجديد حبسها ورقيا من دون تحقيقات أو الاستماع لها أو للمحامين، ليتم نقلها بعد ذلك إلى سجن القناطر والسماح لها بالزيارة بعد ذلك لأقاربها من الدرجة الأولى. ولاحقا جرى نقل المترجمة الشابة إلى “مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان 4″، حيث يتم احتجازها مع مسجونات محكوم عليهن في قضايا مختلفة، في مخالفة لنص المادة 14 من قانون تنظيم السجون والذي ينص على أن تكون إقامة المحبوسين احتياطيًا منفصلة عن المسجونين الذين ينفذون عقوبات.
مروة عرفة.. نموذج للإنسانية
“مروة عرفة ليست مجرد ناشطة أو مترجمة؛ هي المعني الحرفي لكلمة إنسانية، تجمع كل معاني الطيبة والجدعنة”.. هكذا تقول سارة حمزة، مدافعة عن حقوق الإنسان وصديقة لـ”عرفة”، لافتة إلى أن “مروة كانت دائمًا في الصفوف الأمامية لمساندة أي شخص يحتاج للدعم، سواء كانوا أصدقاء أو غرباء”.
وتؤكد سارة حمزة أنه لم يكن هناك موقف تخاذلت فيه مروة أو تأخرت عن تقديم المساعدة، بل كانت غالبًا تبادر دون أن يُطلب منها، مضيفة أنها قدمت الكثير من وقتها وجهدها لمساعدة الآخرين، من تقديم دروس ودورات تدريبية في اللغة الإنجليزية مجانًا لأصدقائها ومعارفها. وكانت تسافر إلى المحافظات لتوزيع اللحوم والمواد الغذائية، وتحرص على تقديم ملابس وأدوات مدرسية للأطفال. كان قلبها كبيرًا بما يكفي لاحتواء معاناة الأسر، وتعمل دون توقف لتوفير الدعم القانوني والنفسي لهم، وخاصة للأطفال.
وتضيف بأن “مروة لم تكن تسعى لأي مجد شخصي؛ كانت كل همها كيف تُحدث فرقًا وتساعد الناس بقدر ما تستطيع. نشاطها كان يتجاوز أي حدود سياسية، لأنه ببساطة كان نابعا من إنسانيتها وحبها للخير”.
لكن اليوم، تدفع مروة ثمن “جدعنتها وطيبتها”، حيث تتعرض للتنكيل في سجن تأهيل 4 في العاشر من رمضان، وتتحمل ألمًا جسديًا بسبب التهاب الأعصاب المزمن وآلام العظام الناتجة عن النوم على الأرض في الشتاء. وتعاني أيضًا من ارتجاع في المريء والتهاب في الجيوب الأنفية، بالإضافة إلى نزيف مستمر بسبب الإهمال الطبي المتعمد.. “هي ببساطة تُعاقب لأنها اختارت أن تكون إنسانة”، تقول حمزة.
وفاء تدفع ثمن سجن أمها
وعن ابنة مروة الصغيرة، تقول سارة حمزة، إن “وفاء” تعيش حالة نفسية صعبة جدًا، وحاليا عندها قرابة الخمس سنوات وللأسف أصيبت بالتوحد لفقدانها حنان ورعاية الأم، وبالتأكيد ليست الزيارات المنتظمة ولا الظروف المصاحبة لها ما تحتاجه وفاء، مشددة على أن وفاء بحاجة ماسة إلى ولدتها لكي تعتني بها وتحاول أن تعوضها عن 4 سنوات وأكثر من الفقدان والخوف والحرمان.
وفي ختام حديثها، تشدد حمزة على أن المطالب “بديهية وبسيطة”، وهي إطلاق سراح مروة، مؤكدة أن هذه “أبسط الحقوق” حتى ترجع مروة إلى حياتها وابنتها الصغيرة وإلى حين اطلاق سراحها “مروة بحاجة لرعاية طبية مناسبة”.
مطالبات الإفراج عن مروة لا تتوقف
يذكر أن والدة المترجمة مروة عرفة سبق وتقدمت بطلبين لكل من المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومدير الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية (مصلحة السجون سابقًا)، لتحسين ظروف احتجاز ابنتها وتمكينها من حقوقها في العمل والدراسة والتي ينص عليها القانون، إلا أنه لم يجر الالتفات لتلك الطلبات فيما تحول الحبس الاحتياطي لمروة إلى احتجاز مفتوح لا يوجد ما يدل على قرب انتهائه.
وتقول “المبادرة المصرية” إنه تم رفض طلب مروة للمرة الثانية لأداء امتحانات الدراسات العليا بمخالفة نص المادة 31 من قانون تنظيم السجون، رغم أنها سبق وحصلت على درجة الليسانس من كلية الحقوق خلال فترة احتجازها. وسجلت مروة العام الماضي في دبلوم القانون العام، وتقدمت أسرتها بطلب للنيابة لتمكينها من دخول الامتحانات، لكن مصلحة السجون رفضت تمكينها من الامتحان بدعوى وجود “قرار” بوقف امتحانات الدراسات العليا للمحتجزين. بينما اختلف الوضع هذا العام حيث رفضت الجامعة تسجيل مروة من الأساس، وكان الرد الشفهي الذي حصلت عليه الأسرة هو وجود “أوامر” بعدم تسجيل أي محتجزين في برامج الدراسات العليا، وليتم ذلك يجب الحصول على جواب من النيابة أو مصلحة السجون يفيد بعدم وجود ما يمنع من تسجيل مروة في برنامج الدراسات العليا، وأيدت مصلحة السجون كلام الجامعة بعدما رفضت إصدار ما يفيد السماح لمروة بالدراسة، بدعوى وجود “أوامر شفهية” بعدم التحاق أي من المحبوسين ببرامج الدراسات العليا.
وخلال السنوات الأربع الماضية لم تتوقف الأصوات المطالبة بالإفراج عن مروة عرفة، ففي شهر رمضان الماضي أطلقت مبادرة “هن” بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، حملتها “مكانك برا السجن”، والتي تٌلقي الضوء على سجينات الرأي والصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان، سواء محبوسات احتياطيا أو صادر ضدهن أحكام. ومن خلال الحملة طالبت “هن” بإطلاق السراح الفوري وغير المشروط عن المترجمة والناشطة مروة عرفة وجميع سجينات الرأي.
ودعت “لجنة العدالة” لإطلاق سراح مروة عرفة عقب انتهاء فترة حبسها احتياطيًا المقررة وفقًا للقانون المصري، ودعت السلطات المصرية لاحترام القانون والتعاطي مع الظروف الإنسانية الصعبة التي تعيشها “مروة” وأسرتها.
وبالتزامن مع اليوم العالمي للترجمة في مطلع أكتوبر 2024، طالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالإفراج الفوري عن مروة عرفة. كما أدانت حملة “أنقذوا حرية الرأي” بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، حملات القبض التي تستهدف عدد من الكتاب والمترجمين والشخصيات السياسية، خلال الفترة الأخيرة، والطريقة التي يتم بها القبض عليهم وإخفاؤهم والتحقيق معهم ثم ضمهم على ذمة قضية وتوجيه التهم التي اعتدنا على سماعها. ورأت “انقذوا حرية الرأي” أن حملة الاعتقالات تعتبر انتهاكًا واضحًا للقوانين والدستور، والمواثيق الدولية التي تؤكد على حرية الرأي والتعبير السلمي.