مجلة حق ومعرفة (10) – هل تعلم

736 مليون امرأة على مستوى العالم —أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريبا— وقعن ضحايا للعنف الجسدي و/أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن”

بهذا الرقم أبرزت، ووثقت الأمم المتحدة حجم العنف القائم على أساس النوع، والذي يعد الأكثر شيوعا، حتى مع كل هذا التقدم الإنساني، إلا إنه لايزال الانتهاك الأشهر في حقوق الإنسان.

للمفارقة فإن الانتهاك الأكبر يقابله إجراءات دولية ضعيفة في مواجهته، حيث تخصص الحكومات أقل من 5% من المساعدات الحكومية العالمية لمكافحة العنف ضد المرأة، ويتم استثمار أقل من 0.2% في الوقاية منه.

حددت الأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر مناسبة لمناهضة العنف ضد المرأة، واتبعتها بـ 16 يوما من الأنشطة العالمية التي تعمل على نفس القضية، تختتم في 10 ديسمبر من كل عام، أملا في دحض ثقافة العنف التي ارتبطت بشكل وثيق بضعف التمكين الاقتصادي – الاجتماعي للمرأة منذ قرون.

كما اختارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة يوم 25 من كل شهر كيوم برتقالي -لحملتها- “اتحدوا، قل لا” التي أطلقت في عام 2009 لتعبئة المجتمع المدني والناشطين والحكومات ومنظومة الأمم المتحدة من أجل تقوية تأثير حملة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة.

المصدر: من حملة الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة للعام 2023

العنف ضد عائلة ميرابال

أما يوم 25 نوفمبر وتاريخ بداية الحملة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء فله قصة ترجع إلى ثلاث شقيقات، هن باتريسيا ومينيرفا وأنطونيا، وهن من عائلة ميرابال، كان والدهن رجل أعمال ناجح، في جمهورية الدومينيكان، بأمريكا الجنوبية، حيث كن يعشن حياة ميسورة مرفهة.

لم يدم هذا السرور بعد تعرضهن لعملية غدر في 25 نوفمبر عام 1960 وفي موطنهن، بطريقة وحشية، وذلك بأوامر من حاكمها وقتها رافاييل تروخيلو.

يرجع حقد تروخيلو على الأخوات إلى دعوته الأخوات الثلاثة لحفل في قصر الحاكم، وهناك تعرضت واحدة من الأخوات الثلاثة للتحرش الجنسي من قبل الديكتاتور مما دفع ثلاثتهن للانفعال على الحاكم وصفعه أمام الحاضرين وإهانته، مما أشعل غضبه وقرر حينها الانتقام من الأخوات الثلاثة.

عُرِفت الأخوات الثلاث باسم الفراشات أثناء عملهن السياسي السري ضد تروخيلو. وقد نشأن وأختهن الرابعة ديدي بين أسرة ريفية ثرية، وبسبب انفتاح الأبوين وإدراكهما لأهمية التعليم للإناث كما هو للذكور، تمكنت الثلاث من الالتحاق بالمدرسة وإتمام الدراسة الجامعية، بينما عكفت ديدي الأخت الرابعة على مراعاة والديها وإدارة شؤون المنزل.

تأثرت الفتيات الأربع باَراء عمهن الذي انخرط في النشاط السياسي ضد تروخيلو الذي حكم البلاد في الفترة من العام 1930 وحتى اغتياله في العام 1961.

بدأ الحاكم في مضايقة الأخوات ميرابال والتضييق عليهن وكان ذلك بداية العنف ضد أسرة ميرابال كلها، وفي مقدمتها مينيرفا التي حرمها تروخيلو من الحصول على ترخيص العمل كمحامية بعد إتمام دراستها للقانون بالجامعة، ولم يكن هذا عقابًا على فعلتها التي أرغمها على الاعتذار عنها، حتى يطلق سراح والدها الذي اقتادته الشرطة بعد الحفل المذكور إلى السجن، وإنما كان إنذارًا وتحذيرًا مما هو أسوأ إذا استمرت في معارضته، فقد بدأ نشاط مينيرفا السري لإسقاط حكم تروخيلو أثناء دراستها بالجامعة، وانضمت إليها شقيقتيها باتريسيا وأنطونيا.

الأخوات ميرابال – المصدر : أرشيف إعلامي

علم الديكتاتور عن طريق أجهزته بنشاط ماريا وشقيقتيها، فجرى اعتقالهن أكثر من مرة وتعرضن لأشد أنواع التعذيب، وهو ما تكرر مع أزواجهن المنخرطين في النشاط ضد الديكاتور أيضًا.

عام 1960، أرسلت منظمات حقوقية أمريكية مراقبين إلى جمهورية الدومينيكان، وبمساعدة هؤلاء أفرجت السلطات عن الشقيقات الثلاث، بينما أبقي على أزواجهن في السجن.

لكن تروخيلو قرر التخلص منهن، فأرسل اثنين من اتباعه من أعضاء قوة الشرطة السرية، ليلحقا بالفتيات الثلاث أثناء عودتهن من زيارة  أزواجهن في المعتقل متجهين إلى المنزل.

وبحسب اعتراف الجنرال بوبو رومان، قائد القوات المسلحة في عهد تروخيو، فقد أوقف الرجلان سيارة الأخوات ميرابال وأبعدا السائق عنهن، ثم هجما عليهن بالهراوات وقاموا بضربهن حتى الموت. 

جمع القاتلان جثثهن وألقيا بها في سيارة دفع رباعية على الطريق الجبلي لتبدو وفاتهن نتيجة حادث سير. 

كانت الرواية غير منطقية، فأججت الغضب في قلوب الناس الغاضبة من سياسات تروخيلو القمعية في الأساس، إلى أن قتله مجهولون رميًا بالرصاص في 30 مايو 1961.

تكريما للأخوات قامت أختهن الرابعة ديدي بتحويل المنزل الذي ولدن به إلى متحف يضم مقتنياتهن، بينما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999 تخليد ذكراهن من خلال الاحتفال سنويا باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بالتزامن مع يوم وفاتهن.

كما خلدت شركة متروجولدين ماير الأمريكية للإنتاج السينمائي، قصة الأخوات ميرابال من خلال فيلم أنتجته في العام 2001، بعنوان «في زمن الفراشات» وقد اقتبس صناعه القصة عن رواية بالاسم نفسه للكاتبة الأمريكية من أصول دومينيكانية جوليا ألفايز.

بوستر فيلم في زمن الفراشات – المصدر: ويكبيديا

أما اللون البرتقالي الذي تختاه الأمم المتحدة لون لحملتها فيرجع إلى كونه رمزا لشروق الشمس، بمعنى الأمل والثقة في إمكانية تحقيق اهداف الحملة، ومناهضة هذا العنف الذي تتباين أشكاله، وتتغول بسبب مجهوليته، وصعوبة رصده في الكثير من الحالات.

العنف ضد المرأة تعريفات وأرقام

نظريا.. عرف إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، كالتالي: العنف ضد المرأة “أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”

الأمم المتحدة أيضا لفتت إلى أن العواقب السلبية المترتبة عن العنف ضد المرأة والفتاة، بالغة التأثير على صحة النساء النفسية والجنسية والإنجابية في جميع مراحل حياتهن. على سبيل المثال، لا تمثل سلبيات انعدام التعليم المبكر العائق الرئيسي لحق الفتيات في التعليم وتعميمه فقط بل في النهاية تقيد الوصول إلى التعليم العالي وتؤدي إلى محدودية خلق فرص الشغل للمرأة داخل سوق العمل.

محليا.. تتصدر وقائع العنف ضد المرأة عناوين الصحف بشكل دوري، كما ان الأرقام تشي بحجم الكارثة، فبحسب دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة؛ نُشرت في يناير 2022، بعنوان العنف ضد المرأة “الأبعاد وآليات المواجهة”، رصدت أن 75% من النساء يتعرضن للعنف و80% يتعرضن للتحرش في مصر.

صورة رمزية لحملات العنف ضد المرأة – المصدر أرشيف صحفي

من نتائج الدراسة أن ما يقرب من ثلاثة أرباع العينة في الدراسة أقروا أن المرأة تتعرض للعنف في المجتمع المصري، وكان العنف في الشارع هو الأكثر بروزا لديهم، وجاء العنف المنزلي في المرتبة الثانية، كما ظهر العنف في أماكن الدراسة أو العمل في مراتب متأخرة.

ورغم القصور التشريعي وتأخير إصدار قانون موحد لمناهضة العنف، فقد اهتـم الدسـتور المصـري الصـادر فـي عـام 2014 بظاهـرة العنـف ضـد المـرأة بشـكل خاص ومباشـر، ولأول مـرة فـي تاريـخ الدسـاتير المصريـة، حيـن نص فـي مادته الحاديـة عشـر علـى أن “تلتـزم الدولـة بحمايـة المرأة ضد

كل أشـكال العنـف وتكفـل تمكيـن المـرأة مـن التوفيـق بيـن واجبـات الأسرة ومتطلبات العمـل، كما تلتـزم بتوفير الرعايـة والحمايـة الأمومة والطفولـة والمـرأة المعيلـة والمسـنة والنسـاء الأشد احتياجا، وهي كلها نصوص لازالت معطلة، في سياق لازال ضد تمكين المرأة من حقوقها كاملة.

كوتس