مجلة حق ومعرفة (10) – “فتاة العتبة”.. أول جريمة اغتصاب جماعي في نهار رمضان لم يستدل على فاعلها
ماذا تعرف عن
“فتاة العتبة” رواية جرت أحداثها في العام 1992، حين تعرضت فتاة للاغتصاب الجماعي في نهار رمضان، تدعى شاهيناز، على مرأى ومسمع المصريين، والتي تعد من أوائل حوادث الانتهاكات الجنسية الجماعية بحق النساء، والتي تكررت لاحقا، وحتى سنوات قليلة مضت، وتتميز بإفلات مرتكبيها من العقاب غالبا لشيوع الجريمة.
بدأت الأحداث الجرائمية عندما ذهبت الفتاة للعتبة مع أسرتها المتواضعة الحال المكونة من شقيقتيها ووالدتها، لتشتري ملابس العيد، كعادة المصريين في هذا الوقت من العام، وفي المحطة حيث كانت تنظر الأتوبيس العام رقم 17 المتجه لبولاق الدكرور.
كانت شاهيناز آخر الصف الصاعد إلى سلم الأتوبيس، فقد حرصت والدتها على أن تكون شقيقاتها الصغيرات قبلها، لكن عند الصعود شعرت بيد تعبث بجسدها من الخلف بواسطة أحدهم، إذ حاولت الإفلات منه وذهبت للصعود من السلم الآخر في نهاية الأتوبيس، لكن الجاني تتبعها وجذبها من ملابسها فسقطت شاهيناز على ظهرها في الشارع في واحد من أكثر ميادين مصر ازدحاما.
حادث فتاة العتبة في الصحف المصرية – المصدر : أرشيف صحفي
فوجئت الفتاة اليافعة، بأربعة أشخاص، اثنين منهما يثبتونها من ذراعيها، وآخرين عند قدميها، مزق الجناة ملابس الفتاة في وسط الشارع، وأصبحت عارية تماما من ملابسها السفلية، بينما تعبث يد الجاني بجسدها وتطال جزءها السفلي، بينما تستمر شاهيناز في إطلاق الاستغاثات لطلب النجدة، حينها شعرت والدتها باختفائها وذهبت للبحث عنها، وما إن شاهدت ابنتها حتى ظلت تصرخ هي الأخرى طالبة النجدة.
في أعقاب الاستغاثات المتتالية، تزاحم الناس، وانتشرت الفوضى بالميدان الواسع، مما دفع أحد رجال الأمن القريبين للمكان وكان حينها أمين شرطة يدعى صلاح الدين حلمي، للذهاب لمكان التجمع فإذا به يسارع لاستخدام سلاحه ويضرب طلقتين في الهواء، ما جعل الناس تنفض من حول الضحية، التي تمكنت من الإمساك باثنين من الجناة، قبض عليهما أمين الشرطة، ثم تركهما عهدة مع المارة وذهب للقبض على الاثنين اللذين فرا هاربين، وهو ما دفع وزير الداخلية آنذاك اللواء محمد عبد الحليم موسى منحه مكافأة مالية قدرها 1000 جنيه لضبط الجناة.
تقرير الطب الشرعي أكد وقوع الجريمة، حيث أثبت حدوث فض جزئي لغشاء بكارة شاهيناز، وكانت ملابسها ملطخة بالدماء، بعدئذ بدأت الفتاة في ملازمة المنزل، كما تركت وظيفتها في مكتب المحاماة خوفا من الوصم الاجتماعي.
بعض الفنانات المعروفات حينها تحركن لدعم ورفع الوصم عن الفتاة، فقمن بزيارتها في منزلها، وكان منهم الفنانيتين القديرتين أمينة رزق ونادية لطفي، كما أصرتا على خروج الفتاة للشارع وتقديمها باعتبارها ضحية شجاعة استطاعت صد المغتصبين، وهو ما أثر كثيرا في نفسية الفتاة التي تحولت قضيتها إلى قضية رأي عام، حينها عنونت الصحف تلك الزيارة بـ “مظاهرة حب لشاهيناز”.
التغطية الإعلامية لحادث فتاة العتبة – المصدر : أرشيف صحفي
جرت تحقيقات النيابة، بإشراف المستشار هاني خليل، المحامي العام لنيابات وسط القاهرة الكلية، وتم اتهام شخصين هما جمال البدري الذي شل حركة ساقيها وهي مطروحة أرضا، والآخر هو جمال أبوالمجد الذي اغتصبها بوضع يده في مكان حساس من جسدها، بينما الآخران اللذان أمسكا ساعدها لم ترى ملامحهما جيدا.
أما مفاجأة القضية فكانت براءة جميع المتهمين بعد عام كامل كانت فيه القضية تنظر أمام المحاكم.
كان الحادث ضخما وثقيلا لدرجة أن بعض المفكرين استقوا من خلاله رؤيتهم للمجتمع المصري خلال عهد مبارك، فعلى سبيل المثال اعتبر المفكر جلال أمين في كتابه “مصر والمصريون فى عهد مبارك”، الصادر عام 2008، أن حادثة الاعتداء على «فتاة ميدان العتبة»، من قبل أربعة أشخاص، دليلا على غياب الأخلاق، حيث لم يتصدى لهم إلا أمين الشرطة الذي كان مارا بطريق الصدفة، لافتا إلى أن بداية الدولة الرخوة جاء مع بداية تطبيق سياسة الانفتاح، في أوائل عهد «السادات» وزادت رخاوتها أثناء عهد مبارك، وعلى الأخص خلال العشرين سنة الأخيرة.
لم تقتصر وقائع التحرش على الأشخاص العاديين، وامتدت إلى رجال الامن، الذين ارتكبوا انتهاكات جنسية كوسيلة لقمع المعارضة من الجنسين، فمن ناحية تفضي تلك الحوادث إلى ثني السيدات عن المشاركة في العمل العام، كما تشعر الرجال المنخرطين في السياسة بالعجز، وربما الوصم.
قبل الثورة وإبان عهد مبارك تكررت تلك الحوادث ولكن كان أشهرها عام 2005 وواقعة الصحفية الراحلة نوال علي وثلاث من زميلاتها، حين قام رجال الحزب وطني بتمزيق ملابسها، والتحرش بزميلاتها على سلالم نقابة الصحفيين فيما سمي بالأريعاء الأسود، وذلك وعلى خلفية الاحتجاجات على التعديلات الدستورية التي قام بها مبارك بغرض تسهيل الطريق لنجله في الصعود إلى سدة الحكم.
واقعة التحرش بالصحفية نوال علي- المصدر: أرشيف صحفي
بعد الثورة، ظهرت حالات للتحرش الجماعي بشكل فج، حتى أصبح الموضوع مادة للمعاهد الدراسية والصحافة العالمية، خصوصا بعد تكرر وقائع الانتهاكات الجنسية للنساء في ميدان التحرير والتي استُخدمت لغرض سياسي وأمني فج.
نستذكر معا واقعة “ست البنات” التي ترجع إلى حكم المجلس العسكري، تحديدًا يوم 18 ديسمبر 2011 وسط أحداث «مجلس الوزراء»، بعد أن التقطت عدسات الصحفيين مجموعة من المجندين – من الشرطة العسكرية قاموا التعدي على فتاة بضربها بسحلها على الأرض وتعرية الجزء العلوي من جسدها بشارع مجلس الشعب.
وبالأرقام وبحسب دراسة مهمة للأمم المتحدة، كانت نتائج تلك الدراسة صادمة حقا، إذ كشفت عن أن 99.3% من النساء المصريات يتعرضن لصورة من صور التحرش، تبدو تلك النتائج مبالغة للوهلة الأولى، لكن المركز المصري لحقوق المرأة وفي دراسة أقدم أشارت إلى أن نسب التحرش في مصر بلغت 83%، وهي أيضا نسبة كبيرة.
صورة للواقعة الشهيرة المعروفة بست البنات – المصدر: الأرشيف الصحفي