اصدارات

مجلة حق ومعرفة (10) – جزيرة الوراق.. قصة استبعاد الفقراء من مراكز المدن إلى الهامش

(حملات المناصرة)

عادت أزمة جزيرة الوراق، إلى الواجهة مع محاولة الاستيلاء عليها من قبل السلطة التنفيذية، برعاية أمنية لصالح المستثمر المستتر، أو بدعوى إنقاذها من الإهمال المعلنة، وبين هذا وذاك تتجدد دعوات التضامن مع السكان الصامدين عبر اكثر من خمس سنوات أمام طوفان التطوير.

تعد جزيرة الوراق واحدة من الجزر الواقعة في قلب النيل، وتتبع إداريًّا محافظة الجيزة، يميزها موقعها الذي يمثل التقاء محافظات القاهرة الكبرى، كما أنها تقع في نطاق حي الوراق الذي يضم وراق العرب والحضر وجزيرة الوراق.

يصل عدد المنازل بالجزيرة ما يوازي 6 آلاف منزل بينما يعمل السكان في وظائف حكومية و مهن بسيطة كالعمل في المحلات التجارية والحرفية الصغيرة، ولكن تعد الزراعة، والصيد التقليدي مهن رئيسية بالجزيرة.

أما وسيلة المرور الوحيدة إلى الجزيرة فهي المعدية، و”التوك توك”، وسيلة النقل الرئيسية داخل الجزيرة التي تفتقد لخدمات الصرف الصحي أو التخطيط العمراني.

أهالي الجزيرة الرافضين للتهجير – المصدر : أرشيف إعلامي

خلفية تاريخية

تعود الأزمة إلى ربع قرن مضى تحديدا في العام 1998، حين قررت الحكومة تسمية الجزيرة كمحمية طبيعية أي تترك على طبيعتها وتخرج منها سكانها، ولكن وبعد عامين قررت الحكومة بشكل مفاجيء تحويل ذلك الوضع لمنفعة عامة، وفي الحالتين لم تتعامل مع فكرة أن الجزيرة مأهولة بالأساس.

حينها تظاهر سكان الجزيرة محتجين على منطق الحكومة، بينما ادعت الحكومة أن الجزيرة “منافع عامة” كونها طرح النهر وظهرت بعد تشييد السد العالي (1960 – 1970)، فيما يؤكد مؤرخون وجود الجزيرتين على خرائط رسمية تعود إلى ما قبل بناء السد بعقود، وأنهما كانتا مأهولتين بالسكان.

ذهب الأهالي إلى المحاكم وبالفعل حصلوا عام 2002، على حكم بتملك أراضي الجزيرة، وفي عام 2010، أعلنت الحكومة، ترسيم الحدود الإدارية لـ5 محافظات، كانت بينها محافظة الجيزة، وضمنها الوراق، ووضعت خطة لتطوير الجزيرة، ولكن قامت الثورة وتوارت معها الأزمة لسنوات قليلة.

الاستيلاء على الأملاك بالقانون

ذهبت السلطة إلى تقنين وضع الاستيلاء على الأراضي عبر مجموعة من القوانين ومنها في فبراير 2018، حين أقر البرلمان قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، وهو القانون الذي منع الطعن على قرارات نزع الملكية للمصلحة العامة ومقدار التعويض، على خلاف ما كان معمولاً به.

حينها نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء السابق شريف إسماعيل، بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق يتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

وفي سبتمبر 2018، وافق مجلس إدارة المجتمعات العمرانية على مذكرة بشأن إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي الجزيرة، تحت مسمى جهاز تنمية جزيرة الوراق الجديدة.

في العام التالي وافقت الحكومة على استصدار قرار جمهوري، بنقل تبعية الجزيرة لهيئة المجتمعات، تمهيدًا للبدء في تنفيذ مخططات تطويرها بالكامل، وذلك بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وفي يوليو 2020، وافق مجلس الوزراء على إعلان منطقة جزيرة الوراق كمنطقة إعادة تخطيط، في إطار الحد من النمو العشوائي غير المخطط.

الوراق.. المستثمر أولا

عادت المواجهات مرة أخرى بين السكان والحكومة عام 2017، حينها قتلت الشرطة أحد أهالي الجزيرة خلال اعتراض الأهالي على محاولة تنفيذ قرار الهدم، وذلك بعد أن أعلنت عن نيتها لجلب المستثمرين إلى المنطقة، والعمل على إقامة مشروعات عقارية فيها.

الحكومة أعادت الكرة وبغطاء أمنى كالعادة عام 2022، إذ ألقت قوات الأمن القبض على 23 من أهالي الجزيرة بسبب محاولاتهم مقاومة عمليات رفع قياسات منازل بها تمهيدًا لنزع ملكيتها، وهدمها لاحقًا.

مواجهات أمنية مع السكان – المصدر : أرشيف صحفي


كانت الهيئة العامة للاستعلامات نشرت صورًا لمخطط تطوير الجزيرة، وأطلقت على المدينة اسما جديدا وهو “مدينة حورس”.

وبحسب الخطة فإن ما تدعى “حورس” هي مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية يضاهي أبرز المراكز التجارية حول العالم”، بتكلفة إجمالية تبلغ 17.5 مليار جنيه، في حين تبلغ الإيرادات السنوية 20.422 مليار جنيه لمدة 25 سنة.

من جهته كشف وزير الإسكان آنذاك عن خطة الدولة لتطوير الجزيرة، معلنًا بدء تنفيذ ما أسماه “سياسة الشراء الرضائي”، معلنا توفير وحدات سكنية بديلة في المدن الجديدة أو التي ستبنى بالجزيرة، إضافة إلى توفير بديل للأراضي الزراعية بمبادلة فدان أرض بالجزيرة بـ19 فدانًا بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، وهو ما رفضه الكثير من الأهالي حيث أنها مدن تبعد كثيرا عن مناطق عيشهم.

حملة تضامن واسعة

بالتوازي تضامنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مع قضية أهالي الجزيرة ورفضت فكرة تهجيرهم لحساب المستثمر، مطلقة عريضة وقع عليها الآلاف من المنظمات والنشطاء المتضامنين مع أهالي جزيرة الوراق، في دعم مطالب العائلات في الجزيرة، حيث تمسك الأهالي بأراضيهم ، وحقهم في تملك منازلهم مرة أخرى بعد تطوير الجزيرة، واستكمال العلاج للمصابين في هجمات قوات الأمن، والتي أسفرت عن بعض العاهات الدائمة، ورفع الحصار المفروض على سكان الجزيرة وعودة حركة المعديات إلى عملها. 

العريضة طالبت الحكومة المصرية برفع الحصار الأمني المفروض على أهالي جزيرة الوراق منذ عام 2017، والذي نتج عنه استحواذ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على ما يقرب من 71% من أراضي الجزيرة بالإكراه.

المتضامنين أيضا أشاروا إلى ما يواجهه سكان جزيرة الوراق من اقتحامات متكررة من قوات الشرطة لإخلاء منازلهم بالقوة، منذ العام 2017 مما أسفر عن مقتل أحد السكان وإصابة العشرات، ولا يزال عدد من الأهالي رهن الحبس بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية.

وأوضحت العريضة أن ممارسات الحكومة في تجريف الأراضي الزراعية في الجزيرة تُعتبر تهديدًا لاستدامة البيئة الطبيعية، مما يقضي على المصادر الحيوية التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية. مشيرين إلى أن مثل هذه السياسات تؤثر أيضًا على حقوق الأفراد في الوصول إلى الموارد الطبيعية وضمان الأمن الغذائي. 

جانب من تظاهرات أهالي الوراق – المصدر : أرشيف صحفي

كما لفتت العريضة إلى أن الحكومة بررت موقفها بضرورة إخلاء الجزيرة لتنفيذ مشروع “مدينة حورس”، الذي يسعى إلى تحويل الجزيرة إلى مركز تجاري عالمي، يتضمن بناء أبراج سكنية وتجارية وفنادق. مايؤدي إلى تناقص الأراضي الزراعية في الجزيرة بشكل كبير. 

وأشارت العريضة إلى أن هذه السياسات الحكومية انتهكت الدستور المصري، الذي يجرم عمليات التهجير القسري، كما خالفت الحكومة المعاهدات والمواثيق الدولية التي تؤكد على ضرورة التفاوض مع الأهالي قبل الشروع في أي مشروع تنموي. وأكدوا أن الحصار الأمني المفروض على الجزيرة انتهك حقوق السكان الأساسية في الحياة والسلامة الشخصية، مما دفعهم إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات مستمرة. 

طالبت العريضة  بضرورة البحث عن جميع البدائل الممكنة للإخلاء بالتشاور مع الأسر لتفادي خطط الإخلاء، بما في ذلك حقوق الطعن القانوني على هذه القرارات حال استمرارها. كما أكدوا على الالتزام الكامل بالمادة 63 من الدستور المصري التي تعتبر التهجير القسري جريمة لا تسقط بالتقادم. 

وأخيرا شددت العريضة على ضرورة توفير سبل الانتصاف القانونية والمساعدة القانونية للمتضررين من قرارات التهجير والإخلاء، وضمان التشاور الحقيقي مع المتضررين.

للمشاركة فى الحملة والتوقيع على عريضة التضامن هنا

1 تعد جزيرة الوراق واحدة من الجزر الواقعة في قلب النيل، وتتبع إداريًّا محافظة الجيزة، يميزها موقعها الذي يمثل التقاء محافظات القاهرة الكبرى، كما أنها تقع في نطاق حي الوراق الذي يضم وراق العرب والحضر وجزيرة الوراق.
2 ذهبت السلطة إلى تقنين وضع الاستيلاء على الأراضي عبر مجموعة من القوانين ومنها في فبراير 2018، حين أقر البرلمان قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، وهو القانون الذي منع الطعن على قرارات نزع الملكية للمصلحة العامة ومقدار التعويض، على خلاف ما كان معمولاً به.
3 كانت الهيئة العامة للاستعلامات نشرت صورًا لمخطط تطوير الجزيرة، وأطلقت على المدينة اسما جديدا وهو “مدينة حورس”.

وبحسب الخطة فإن ما تدعى “حورس” هي مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية

4 تضامنت بعض الجهات مع قضية أهالي الجزيرة ورفضت فكرة تهجيرهم لحساب المستثمر، ما دفع عدد من المنظمات والنشطاء المتضامنين مع أهالي جزيرة الوراق، دعم مطالب العائلات في الجزيرة، حيث تمسك الأهالي بأراضيهم ومنازلهم وحقهم في تملك منازلهم مرة أخرى بعد تطوير الجزيرة، واستكمال العلاج للمصابين في هجمات قوات الأمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى