المفوضية المصرية للحقوق والحريات

مانديلا: طريق طويل إلى الحرية 

رجل أسمر طويل يرتدي بدلة رسمية، يبدو عليه الاحترام، يمشي بين الطرقات كشخص في طريقه لمقر عمله، وإذا بك تفاجأ بمن يدعوه بلفظة “ياولد” للفت انتباهه، يبلغ بك الاندهاش أشده عندما تعلم أنه يعمل كمحامي، يترافع أمام محاكم البيض عن المظلومين من ذوي البشرة السمراء، ومع ذلك يناديه أحدهم بـ “ياولد” لمجرد لون بشرته، كما تتجاهله سيدة في المحكمة تتهم خادمتها السمراء بسرقة ملابسها الداخلية، وتطلب من القاضي تغييره، ليس إلا للون بشرته، ولأنها لا تتحمل الرد على شخص يحمل مثل هذا اللون.

هكذا كانت افتتاحية فيلم “مانديلا: طريق طويل إلى الحرية” المنقول عن السيرة الذاتية للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا.

بوستر فيلم مانديلا: طريق طويل إلى الحرية

من هو نيلسون مانديلا

مانديلا هو القائد الإفريقي والبطل الذي ضحّى بحياته من أجل حقوق شعبه ومبادئه، ولد في 18 يوليو 1918 في جنوب أفريقيا. 

تعلّم في مدارس مختلفة وكان متفوقًا دراسيًا، كما انضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في الأربعينات، لمكافحة نظام الفصل العنصري المستشرِ في جنوب إفريقيا. 

قاد مانديلا حركات احتجاج ضد الحكومة وسياساتها العنصرية مما أدى إلى اعتقاله وسجنه لمدة 27 عامًا.

أما فيلمنا فهو عنوان السيرة الذاتية التي نشرها نيلسون مانديلا بالإنجليزية عام 1994، حيث الرجل الذي كافح طوال عشرات السنين ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ورمز حركة التحرر هناك، والحائز على جائزة نوبل للسلام وأول رئيس أسود البشرة لجنوب أفريقيا.

جدير بالذكر أن الصيغة النهائية للكتاب أعدها الكاتب الأمريكي ريتشارد ستنجل بالاعتماد على نسخة مهربة من السجن عام 1976 حيث كان يقبع مانديلا بالإضافة إلى عدة مقابلات أجراها ستنجل مع مانديلا عام 1992.

يبدأ الفيلم بطفولة مانديلا ولمشهد واحد يتمنى فيه أن تعود حياته كما كانت في قرية “كونو” في ترانسكاي كابن للأسرة المالكة هناك والتي تدعى الخوسا، فوالده كان مستشار الملك.

أن تكون منبوذا في وطنك

لاحقا تتابع المشاهد ويجسد لك الفيلم معنى أن تكون منبوذا، او ضمن جماعة يمارس ضدها أساليب عنصرية حدية، تصل إلى عزل المناطق التي يعيش بها ذوي البشرة السمراء، كما انها المناطق الأكثر فقرا، كما يتضح من شكلها، بينما هم أصحاب الأرض الأصليين، فيما يعرف بالـ “أبارتهيد”.

أما الأقلية البيض التي تكونت من اتحاد المستعمرين البريطانيين و”البوير” الذين ينحدرون من أصول هولندية، فقد أقامت دولتها على تجاهل أصحاب الأرض الأصليين، إذ استند هذا النظام الذي أنشأه الحزب الوطني الذي سيطر على الحياة السياسية في البلاد من العام 1948 حتى 1994، على ثلاث ركائز: قانون تصنيف السكان وقانون الإسكان المنفصل وقانون الأرض، حسبما تذكر المراجع المختلفة.

الزعيم نيلسون مانديلا المصدر: وكالات

كان السكان يصنفون منذ ولادتهم أربع فئات: بيض، سود، خلاسيون وهنود، وفي الحياة اليومية، خصصت حافلات ومطاعم وشبابيك تذاكر وحتى شواطئ للبيض، كما تم حظر الزواج المختلط والعلاقات الجنسية بين الأعراق، وكان السود يحصلون على تعليم و رعاية صحية أقل جودة.

كما أن 87 % من الأرض حجزت للبيض، في حين هجر نحو 3.5 ملايين شخص قسراً، وما زالت مشكلة إعادة توزيع الأراضي قائمة حتى اليوم.

وقد ترى ذلك في تفاصيل الفيلم حيث تم طرد السكان السود، ومنعوا من ركوب الحافلات إلا في مقاعد محددة، أو حتى تناول الطعام في حضور السيد الأبيض، في المطاعم.

أما الأكثر غرابة فكان إلزام السود باستخراج تصريح يمكنهم من التجول في الشوارع والمناطق المسموحة لهم، وهو النظام المعمول به حتى الثمانينات، وهو إجراء يختلف عن الهوية التي يحملها المواطنين البيض، أو جواز السفر على سبيل المثال.

ولكن حتى منتصف الأربعينات، ورغم كل هذا الظلم الفاقع يرفض مانديلا الأنضمام إلى الكونجرس الأفريقي، حيث يعتقد أن تعليم بني جنسه، وارتفاع مستوى معيشتهم، هو الحل، حتى يأتي يوم تقتل فيه الشرطة أحد أصدقاؤه، نتيجة الضرب المبرح، فقط لأنه يمشي ليلا دون ذلك التصريح، أما المذهل في ادعاء السلطة أن وفاة الرجل جاءت نتيجة مرض جنسي.

مانديلا: مولد زعيم

عندها يشعر مانديلا أن الانخراط في تنظيم جماعي ضرورة، لمقاومة هذا الكم من الاجحاف، والظلم الواقع على بني جلدته.

حينها ولد مانديلا الزعيم الذي كان يقود المظاهرات، والاحتجاجات، ضد الأقلية البيضاء، مفندا حججهم في تصنيف البشر، ودأبهم على استعمال العنف المفرط ضد السود  طوال الوقت.

في الوقت نفسه تزوج مانديلا من إبنة عمه إيفلين نتوكو ميس (1944-1957) وقد أنجب منها إبنه الأكبر، ويتضح من الفيلم كيف كانت زوجته رافضه لطريقة تفكيره، وانضمامه للمقاومة، حتى انفصلت عنه.

لاحقا تزداد وحشية السكان البيض، حتى مطلع الستينات حين واجهوا المظاهرات، والاحتجاجات السلمية بإطلاق النار الحي، ففي العام 1960، فتحت الشرطة النار على متظاهرين في شاربفيل ما أسفر عن مقتل 69 من السود، كما حظر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي وفرضت حالة طوارئ.

حينها لجأ مانديلا ورفاقه إلى الكفاح المسلح، والعمل السري، الذي لم يعد له بديلا أمام القوة البيضاء الغاشمة.

اختار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي العمل السري والكفاح المسلح في العام 1964، ولكن سرعان ما حكم على نيلسون مانديلا ورفاقه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتهمة التخريب.

وهي المحاكمة التي واجهها مانديلا بشجاعة ورفض طلب العفو، بينما كان ينتظر حكما بالإعدام، ولكن صيت مانديلا الذي ذاع، جعل من كلماته أقوالا تتردد حتى الآن وذلك حين قال أثناء المحاكمة:

“لقد حاربت ضد هيمنة البيض، وحاربت ضد هيمنة السود. لقد اعتزت بمثل المجتمع الديمقراطي الحر الذي يعيش فيه جميع الأشخاص معًا في وئام وبفرص متساوية. إنه المثل الأعلى الذي أتمنى أن أعيش من أجله واحققه، ولكن إذا لزم فهذا هو المثل الأعلى الذي أنا على استعداد للموت من أجله”.

وأثناء المحاكمة أيضا، تزوج مانديلا من عاملة اجتماعية، تدعى ويني ماديكيزيلا، في 14 يونيو 1958، كما أنجبا ابنتان، هما زيناني وزيندزيسوا.

مشهد من الفيلم جمع مانديلا بزوجته ويني 

الاعتقال 27 عاما

في 11 يونيو 1964، أُدين مانديلا وسبعة متهمين آخرين، وهم والتر سيسولو، وأحمد كاثرادا، وجوفان مبيكي، وريمون مهلابا، ودينيس غولدبرغ، وإلياس موتسواليدي، وأندرو ملانغيني، وحُكم عليهم في اليوم التالي بالسجن مدى الحياة، كما تم إرسال جولدبيرج إلى سجن بريتوريا لأنه كان أبيض اللون، بينما ذهب الآخرون إلى جزيرة روبن المعزولة تماما.

حينها لاقى مانديلا صنوفا من التعذيب على يد سجانيه، وحتى المنع من الاتصال بالعالم الخارجي، والاطمئنان على زوجته، وأبناءه، وحين توفيا والدة مانديلا عام 1968 وابنه الأكبر ثيمبي عام 1968 لم يُسمح له بحضور جنازتيهما، كما كان لا يسمح له باستقبال، او إرسال الخطابات إلا تحت عين السجن، وحذف ما لا يروق لهم فيها.

وهما من المشاهد المؤثرة في تلك الفترة حيث فقد مانديلا الأب إبنه البكري كما قال ولا يستطيع وداعه، وكذلك والدته التي لم يعرف غيرها بعد أن فقد والده في التاسعة من عمره، ولم يكتف سجانه بهذا الحد بل كان يمنعه من التلامس، فالزيارات من خلف الزجاج.

حتى أن ارتداء بنطال طويل كان بمثابة معركة خاضها مع أصدقائه، حيث صمم سجانوه في البداية إجباره على ارتداء بنطال قصير لا يناسب الجو، كما جردوهم من ملابسهمن وحملوهم على العمل الشاق، وتكسير الأحجار، إلا أنهم لاذوا بالمقاومة، حتى أن حصولهم على بنطال طويل كان بمثابة نصر.

فمانديلا الذي قرر السيد الأبيض حجزه لسنوات طويلة لم يكف عن المقاومة، أو محاولة بث روح الشجاعة بالجماهير عبر زوجته ويني، التي طالما كرهت وحقدت على السلطة جراء تكرار القبض عليها، بدون تهم، فضلا عن حرمان زوجها من بناته، اللاتي أصبحن زعماء صغار.

والآن ابنته ذات السنوات القليلة أصبحت تقود الحملات المطالبة بحريته، وبالتزامن مع صعود جيل جديد من الشباب يطالب بالحرية، خصوصا في منتصف السبعينات، بينما يستمر مانديلا في رفض عروض الإفراج المشروط، والأكثر من ذلك أنه بدأ في كتابة سيرته الذاتية، والتي اعتمد عليه هذا الفيلم.

في الوقت نفسه يستعرض الفيلم سريعا انتفاضة العام 1976، إذ نزل آلاف من تلاميذ المدارس إلى شوارع سويتو للتنديد بقانون يقضي بفرض تدريس اللغة الأفريكانية، الخاصة بالمستعمر الأبيض، وبينما بدأت الشرطة في إطلاق النار لكن الاحتجاج استمر وقتل مئات الأشخاص.

في 31 مارس 1982، تم نقل مانديلا الى سجن بولسمور في كيب تاون مع سيسولو ومهلابا وملانجيني، وانضم إليهم كاثرادا في أكتوبر. وعندما عاد إلى السجن في نوفمبر 1985 بعد إجراء عملية جراحية في البروستاتا، احتُجز مانديلا بمفرده. 

حينها زاره وزير العدل كوبي كوتسي في المستشفى، إذ بدأ مانديلا محادثات حول لقاء نهائي بين حكومة الفصل العنصري وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي.

لاحقا وفي عام 1988 نقل مانديلا إلى منزل في سجن فيكتور فيرستر بالقرب من بارل حيث أمضى آخر 14 شهرًا من سجنه.

 تم إطلاق سراح مانديلا وفتحت له أبواب السجن بعد أن رفض إقامة حفل للعفو عنه من قبل الحكومة البيضاء، وذلك يوم الأحد 11 فبراير 1990، بعد تسعة أيام من رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وبعد ما يقرب من أربعة أشهر من إطلاق سراح رفاقه المتبقين في ريفونيا. 

مشهد لمانديلا من الفيلم

السلام وتجاوز الماضي

انغمس مانديلا في المحادثات الرسمية لإنهاء حكم الأقلية البيضاء، وفي عام 1991 انتخب رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ليحل محل صديقه المريض أوليفر تامبو.

 وفي عام 1993 فاز هو والرئيس إف دبليو دي كليرك بجائزة نوبل للسلام، وفي 27 أبريل 1994 قام بالتصويت لأول مرة في حياته.

اختار مانديلا عدم الرد على معذبيه، وقاتلي شعبه، مفضلا السلام، والتعايش جنبا إلى جنب، وتجاوز الماضي، على الأخذ بثأره الشخصي، رغم انتقاد الرفاق له على ذلك حتى زوجته ويني التي لم تكن ترى في هذا الطريق فائدة، وهي التي تتطلع للانتقام ممن ظلمها، ولكن كان لمانديلا رؤى مغايرة، جعلت منه أول رئيس أسود للبلاد ولفترة واحدة باختياره، ولاحقا انفصل الزوجان.

مانديلا: طريق طويل إلى الحرية فيلم عُرض لأول مرة عالميًا في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في 7 سبتمبر 2013. 

عرض الفيلم في دور العرض في 28 نوفمبر 2013 في جنوب إفريقيا، وقبل أسبوع فقط من وفاة مانديلا شخصيا.

بالتوازي أشاد النقاد بدور الممثل البريطاني ذو الأصل الأفريقي إدريس ألبا الذي أجاد تجسيد الشخصية، حتى لكنة مانديلا التي اقترب منها كثيرا، كذلك الممثلة ناعومي هاريس التي قامت بدور ويني الزوجة السابقة للزعيم الأفريقي، وأغلب فريق العمل.

في السياق نفسه بدأ المنتج أنانت سينج العمل في المشروع بعد إجراء مقابلة مع مانديلا عندما كان لا يزال مسجونًا، ولكن بعد نشر السيرة الذاتية لمانديلا، مُنح سينج حقوق تعديل الفيلم، والذي أكمله كاتب السيناريو ويليام نيكلسون بعد 16 عامًا، والفيلم من إخراج جاستن تشادويك .

 

لمشاهدة الفيلم يمكن الاطلاع عليه على موقع “أبل” هنا

1 عنوان الفيلم هو نفسه عنوان السيرة الذاتية التي نشرها نيلسون مانديلا بالإنجليزية عام 1994، عن الرجل الذي كافح طوال عشرات السنين ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ورمز حركة التحرر هناك، والحائز على جائزة نوبل للسلام وأول رئيس أسود البشرة لجنوب أفريقيا.
2 يجسد لك الفيلم معنى أن تكون منبوذا، او ضمن جماعة يمارس ضدها أساليب عنصرية حدية، تصل إلى عزل المناطق التي يعيش بها ذوي البشرة السمراء، كما انها المناطق الأكثر فقرا، كما يتضح من شكلها، بينما هم أصحاب الأرض الأصليين، فيما يعرف بالـ أبارتهيد.
3 اختار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي العمل السري والكفاح المسلح في العام 1964، ولكن سرعان ما حكم على نيلسون مانديلا ورفاقه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتهمة التخريب.
4 لاقى مانديلا صنوفا من التعذيب على يد سجانيه، وحتى المنع من الاتصال بالعالم الخارجي، والاطمئنان على زوجته، وأبناءه، وحين توفيت والدة مانديلا عام 1968 وابنه الأكبر ثيمبي عام 1968 لم يُسمح له بحضور جنازتيهما، كما كان لا يسمح له باستقبال، او إرسال الخطابات إلا تحت عين السجن، وحذف ما لايروق لهم فيها.

Exit mobile version