Site icon المفوضية المصرية للحقوق والحريات

ماذا بعد إلغاء مد حالة الطوارئ؟

أعلن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مساء 25 أكتوبر 2021 عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “Facebook” إلغاء تمديد حالة الطوارئ وذلك بعد استمرار إصداره قرارات بإعلانها وتمديدها على مستوى الجمهورية منذ أبريل 2017.

إن إلغاء حالة الطوارئ من الخطوات السبع التي طالبت بها عدة منظمات مصرية، ومنها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في مايو 2021 تحت عنوان #اول_سبع_خطوات، لتحقيق الحد الأدنى للشروع في المضي قدما في طريق معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر.

وعليه فإن خطوة إلغاء حالة الطوارئ وحدها لا تكفي لإحداث تحسن ملموس في سجل حقوق الإنسان في مصر إن لم يتبعها قرارات أخرى كثيرة مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والحقوقيين والصحفيين والمعارضين السلميين ووقف جملة من الممارسات القمعية الأخرى.

إذن، فما هي النتائج المترتبة على إنهاء حالة الطوارئ، أي وقف العمل بالقانون رقم 162 لسنة 1958 المُسمى بقانون الطوارئ، مع الأخذ في الاعتبار استمرار سريان حزمة من القوانين الأخرى المقيدة للحقوق والحريات في مصر؟
.

أولا: ماذا يعني إلغاء حالة الطوارئ؟

1) إنهاء اختصاص نيابات أمن الدولة العُليا “طوارئ” بنظر القضايا في الجرائم التي تُخالف أحكام قانون الطوارئ، ونقل الاختصاص للنيابات العادية. ولكن لا يؤثر ذلك على اختصاصات وسلطات نيابة أمن الدولة العليا الممنوحة لها بقوانين وقرارات أخرى ومنها قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015.

2) إنهاء إمكانية إحالة القضايا في الجرائم التي تُخالف أحكام قانون الطوارئ إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ”. وتعتبر محاكم أمن الدولة العُليا محاكم استثنائية ومن أبرز عيوبها عدم قابلية الطعن على الأحكام الصادرة منها بأي طريقة من طرق الطعن وهو ما يُخالف المادة 96 من الدستور، واعتبار الأحكام الصادرة منها نهائية بمجرد تصديق رئيس الجمهورية عليها.

3) إلغاء بعض التدابير الاستثنائية الممنوح حق تطبيقها لرئيس الجمهورية وفقا للمادة 3 من قانون الطوارئ والتي تنوعت بين وضع القيود على حرية وحركة الأشخاص، وأخرى مرتبطة بالسياسات المالية والضريبية، وأخيرا التعديلات التي أجرها رئيس الجمهورية في 2020 والمتعلقة بأحقية الرئيس في إصدار قرارات تأسيس المستشفيات الميدانية أو عمل المستشفيات في أوقات الطوارئ.

4) الرجوع إلى قواعد المشروعية وغل يد رئيس الجمهورية والصلاحيات الواسعة الممنوحة له وفقاً للمادة الثالثة من قانون الطوارئ ومنها على سبيل المثال لا الحصر إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، وتكليف الأشخاص بتأدية ما يطلبه من أعمال والاستيلاء على المنقولات والعقارات حسب الأحكام المنصوص عليها في قانون التعبئة العامة، وسحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر والأمر بتسليمها.

5) لم يعد لرئيس الجمهورية سلطة حفظ الدعوى في قضايا الطوارئ قبل تقديمها إلى محاكم الطوارئ والأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة “طوارئ”، وإمكانية تخفيف العقوبة المحكوم بها عند عرض الحكم عليه أو أن يبدلها بعقوبة أقل أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أياً كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية أو أن يوقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها، وإلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى. وكذلك كان لرئيس الجمهورية بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغي الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها، وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادرة فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها.

.
ثانيا: ما تأثير إلغاء حالة الطوارئ على القضايا المُحالة إلى محاكم أمن الدولة، والقضايا التي لم تتم إحالتها بعد؟

وفقاً للمواد 19، 20 من قانون الطوارئ فإن بعد انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة العُليا “طوارئ” مُختصة بنظر القضايا التي تمت إحالتها إليها وفقاً للإجراءات المُتبعة أمامها، أما الجرائم التي مازالت في مرحلة التحقيق ولم يتم إحالة المُتهمون فيها إلى محاكم أمن الدولة العُليا “طوارئ” فتحال إلى النيابات العادية ويتم نظرها وفقاً للقواعد العامة، وبالتالي وبعد هذا الإلغاء لحالة الطوارئ فإن محاكم أمن الدولة العُليا “طوارئ” ستظل هي صاحبة الاختصاص في كافة القضايا المنظورة أمامها مما يعني عدم قابلية الطعن على أحكامها بأي طريقة من طرق الطعن حتى بعد إنهاءها، وبقاء كافة السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية بالنسبة للتصديق على الأحكام الصادرة منها، وهو ما يُخالف معايير المُحاكمة العادلة والمُنصفة المكفولة بموجب نصوص الدستور.
.

ثالثا: هل يملك رئيس الجمهورية إحالة القضايا التي تم إحالتها لمحاكم أمن الدولة “طوارئ” إلى القضاء العادي؟

وفقاً للقواعد العامة في قانون الإجراءات الجنائية ومبدأ الفصل ما بين السُلطات فإنه متى أحيلت أوراق الدعوى إلى المحكمة لا يجوز التدخل بأي شكل من الأشكال فيها، وتصبح للسُلطة القضائية وحدها اليد العُليا بالتصرف فيها، وإلا اعتبر ذلك تدخلاً في عمل من أعمالها المحظور دستورياً، وبالتالي كان على رئيس الجمهورية تحقيقاً لضمانات المُحاكمة العادلة وإنفاذاً لمبدأ المساواة أمام جهات التقاضي وقبل إعلان إلغاء حالة الطوارئ، استغلال صلاحياته بموجب قانون الطوارئ نفسه، وإحالة كافة القضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة العُليا إلى القضاء العادي وفقاً لمفهوم المُخالفة في نص المادة 9 من قانون الطوارئ والتي كانت تُجيز لرئيس الجمهورية أن يُحيل إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام.

.
رابعا: هل إلغاء حالة الطوارئ يُمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أفضل للعدالة وتطبيق حقيقي لمعايير حقوق الإنسان؟

على الرغم من أن إلغاء حالة الطوارئ وما يستتبعه من إنهاء العمل بقانون الطوارئ ومحاكم أمن الدولة العُليا “طوارئ” – بالنسبة للقضايا التي لم يتم إحالتها إليها بعد والقضايا الجديدة – لا شك أنه خطوة إيجابية، وتدعم دائماً المفوضية المصرية للحقوق والحريات أي خطوة تساهم ولو جزئيا في تدعيم ركائز حقوق الإنسان في مصر، إلا أن روح حالة الطوارئ بما تحتويه من تقييد للحريات ومُخالفات للدستور لاتزال قابعة وتهدد الحياه الآمنة للمواطنين في ظل استمرار العمل بحزمة من القوانين الاستثنائية التي تقيد من حريات الافراد وتدعم السلطة في انتهاك حقوق الانسان كقانون مكافحة الارهاب وقانون جرائم تقنية المعلومات وقانون التظاهر، وتعديلات قانون العقوبات وقانون التظاهر وقانون تنظيم الجامعات وقانون تنظيم الازهر وقانون الفصل بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية وقانون الاجراءات الجنائية فيما يخص الحبس المطول. فعلى سبيل المثال فإن المادة 53 من قانون مُكافحة الإرهاب لسنة 2015 تجيز لرئيس الجمهورية متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية اتخاذ التدابير المُناسبة لمواجهتها كإخلاء بعض المناطق أو حظر التجوال فيها أو عزلها لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد مدد غير مُحددة.

وذلك كله دون النص صراحة في المادة 53 على إعلان حالة الطوارئ مما يخول رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات الممنوحة له في قانون الطوارئ وذلك دون أن يتم إعلان حالة الطوارئ.

كذلك فإن نصوص قانون مكافحة الإرهاب تمنح للسلطة التنفيذية سلطات استثنائية شبيهة بالسلطات الموجودة في قانون الطوارئ. فالمادة 41 التي تُجيز الاعتقال التعسُفي، والتحفظ على المُشتبه فيهم بارتكاب جرائم إرهابية دون إبلاغ ذويهم أو السماح لهم بالاستعانة بمُحام حفاظاً على مصلحة التحقيق، بل وعدم المُساءلة الجنائية لمأموري الضبط في حالة قتل المُشتبه فيهم والمتهمون في قضايا إرهابية خارج إطار القانون بموجب المادة 8، والمادة 46 التي تُجيز مراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة، وغيرها من المواد التي أعادت إنتاج بعض النصوص الغير دستورية التي سبق وحكمت المحكمة الدستورية العُليا بعدم دستوريتها في قانون الطوارئ وقانون العقوبات.
.

خلفية عن حالة الطوارئ:

حالة الطوارئ هي مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها الدولة وتُشكل خروجاً على القواعد العامة وتتضمن صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والتي تجعله المُهيمن على كافة سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية. يتم إعلانها كلما تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الدولة أو في منطقة منها للخطر سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تُهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات في الداخل كالعصيان المُسلح أو كوارث عامة أو انتشار الأوبئة.

وحتى قرار أمس بإنهاء حالة الطوارئ، استمرت حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية ما جاوز الأربع سنوات، وهو الأمر الذي كان يواجه شبهة عدم الدستورية لأن الدستور المصري المعمول به والصادر عام 2014 طبقاً لنص المادة 154 يضع حداً أقصى لفترة إعلان حالة الطوارئ ثلاثة أشهر فقط يجوز تمديدها مرة واحدة لمدة مُماثلة أي أنه وفقاً للمادة فإن الحد الأقصى لإعلان حالة الطوارئ هو ستة أشهر فقط، وقد كان يتم التحايل على المادة بترك فاصل زمني قصير بين انتهاء مدة تمديد لحالة الطوارئ وإصدار قرار جديد بإعلانها. تنص المادة 154 دستور 2014 على: “يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه. وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وإذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.”

Exit mobile version