اصدارات

ماذا بعد إقرار البرلمان المصري موافقته على تعديلات قانون حماية المُنشآت العامة وقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات ومشروع قانون إجراءات مواجهة الأوبئة؟

(س) و(ج)

القاهرة- 25 نوفمبر 2021

عقب إعلان رئيس الجمهورية قراره بإنهاء حالة الطوارئ، وبالتزامن مع هذا الإعلان، فقد تقدم مجلس الوزراء بمشروع لتعديل بعض القوانين، أقر البرلمان المصري في جلسة 31 أكتوبر 2021 موافقته على مسودة مشروع قانون بتعديل قانون تأمين وحماية المُنشآت العامة والحيوية، وقانون مُكافحة الإرهاب وقانون العقوبات. كذلك أقر مجلس النواب موافقته على مشروع قانون “إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية” وذلك في جلسة 16 نوفمبر للعام الجاري. وقد شملت التعديلات بعض المواد التي ستؤثر سلباً على حريات المواطنين وتُصبح سيفاً مسلطاً على رقابهم بعد أن اعتقد البعض أنه وبإنهاء حالة الطوارئ وما يستتبعها من إلغاء العمل بقانون الطوارئ وتقييد اختصاص محاكم أمن الدولة العُليا – طوارئ – الاستثنائية أنه وأخيراً سينال المواطنون حقهم في الالتجاء إلى قاضيهم الطبيعي أمام القضاء العادي؛ بدأ شبح المحاكمات الاستثنائية في البزوغ مرة أخرى بهذه التعديلات والتي نقلت الاختصاص في الكثير من الجرائم إلى القضاء العسكري ومُحاكمة المدنيين أمامه.

وفيما يلي (س) و(ج) بأهم الأسئلة التي تُثيرها مسودة مشاريع التعديلات وتأثيرها على حالة حقوق الإنسان في مصر.

.

1-ماهي المواد القانونية التي شملتها مسودة مشروع تعديل قانون تأمين وحماية المُنشآت العامة والحيوية؟

شملت المسودة تعديل المادة الثالثة من قانون تأمين وحماية المُنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014 والخاصة بمدة سريان العمل بالقانون، حيث كانت المُدة في بداية العمل به عامين ومن ثم تم مد العمل بالقانون لمدة خمس سنوات أخرى بموجب القانون رقم 65 لسنة 2016 ثم جاء هذا التعديل الأخير باستمرار العمل بالقانون بصورة طبيعية دون وضع مُدة مُحددة لسريانه وذلك طبقاً لما تزعمه مسودة مشروع القانون لضمان سرعة تحقيق العدالة الناجزة.

ويُذكر أن قانون تأمين وحماية المُنشآت العامة والحيوية كان قد صدر بتاريخ 27 أكتوبر 2014  وقد جعل القوات المُسلحة مُكلفة إلى جانب هيئة الشُرطة بتأمين كافة المُنشآت والمرافق العامة بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والمُمتلكات العامة، كالجامعات والمدارس والمباني الحكومية وما شابه، واعتبار كل هذه المُنشآت من قبل المُنشآت العسكرية  الأمر الذي أصبحت بموجبه الجرائم التي تقع على هذه المُنشآت تدخل في اختصاص القضاء العسكري، بما في ذلك الأعمال المشروعة دستوريا التي تم تجريمها أو تقييدها بشكل تعسفي أو في القوانين الوطنية، مثل الاضراب عن العمل أو التجمهر أو التظاهر وهي من حقوق الإنسان.

.

2-ما تأثير هذه التعديلات على الواقع المصري؟

لهذه التعديلات تأثيراً خطيراً ينال من تحقيق العدالة في مصر وذلك فيما يتضمنه من إحالة كافة القضايا المُتعلقة بالجرائم التي تُمثل اعتداءً على هذه المُنشآت وسحبها من ولاية النيابة العامة إلى ولاية النيابة العسكرية ومُحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري – إذا كانت القوات المُسلحة تقوم بتأمين هذه المُنشأة أو المرفق العام تأميناً فعلياً – وما يحتويه ذلك من إخلال بضمانات المُحاكمة العادلة والمُنصفة والإخلال بحق المُتهم في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وهي الحقوق المكفولة بموجب أحكام الدستور المصري.

وبموجب هذه التعديلات فإن أي مواطن يُمكن أن يجد نفسه مُتهماً أمام المحاكم العسكرية في نزاع عادي يحدث بشكل يومي ومُتكرر في أي من المرافق العامة كالمصالح الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة وكذلك محطات السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري التي يتم تأمينها من قبل القوات المُسلحة وبالتالي يتم حرمانه من أن يُحاكم أمام قاضيه الطبيعي.

.

3-ماهي مساوئ القضاء العسكري والتي تجعل من مُحاكمة المدنيين أمامه مُخالفة دستورية؟

يفتقر القضاء العسكري إلى عنصر الاستقلال الذي يعد من أهم الضمانات التي يجب أن تتوافر في الجهات القضائية لتحقيق الحق في محاكمة عادلة، وذلك نظراً لتبعيته إلى السلطة التنفيذية مُمثلة في وزارة الدفاع ورئيس الجمهورية والذي يقوم بتعيين قضاة المحاكم العسكرية مما يُخل بعنصري بالحياد والنزاهة التي تُعد من أهم ركائز القضاء العادل المُستقل.

كذلك فإنه لا يمكن الادعاء المدني أمام المحاكم العسكرية وفقاً لنص المادة 49 من قانون القضاء العسكري، وما يُشكله ذلك من انتهاك حقاً من حقوق المجني عليهم، ذلك بخلاف السلطة التقديرية لقضاة المحكمة العسكرية في منع إعطاء الخصوم صوراً رسمية من أوراق القضايا والذي يُخل بحقوق الدفاع المكفولة أمام القضاء العادي، وكذلك السلطة التقديرية للقاضِ العسكري في جعل المُحاكمة سرية ومنع النشر بخصوصها، ومنع الأفراد من الحضور فيها مُخالفة لمبدأ علانية الجلسات المكفول بموجب الدستور، وعدم اعتبار الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية.

ويعد القضاء العسكري قضاءً خاصاً بمُحاكمة أفراد القوات المُسلحة وأفرادها وضباطها ومن في حكمهم  وأفراد المُخابرات العامة أثناء تأدية وظيفتهم، وقضاءً استثنائياً في حالة مُحاكمة المدنيين أمامه واختصاصه بقضايا مُتعلقة بجرائم القانون العام، وقد حظر الدستور المصري إنشاء المحاكم الاستثنائية بموجب نص المادة 97 ومُحاكمة الأشخاص إلا أمام قاضيهم الطبيعي، وقد كانت المادة 204 من الدستور تحظر كذلك مُحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري قبل التعديلات التي أجريت على الدستور عام 2019 إلا أنها بعد التعديل استثنت الجرائم التي تُمثل اعتداءً على المُنشآت العسكرية التابعة للقوات المُسلحة وما في حكمها بصفة عامة بعد أن كانت تسمح بذلك فقط في حالة الاعتداء المُباشر مما يفتح مجالاً للتوسع في مُحاكمة المدنيين، وقد كان الدستور قبل هذه التعديات قاصداً حماية المدنيين من أخطار القضاء العسكري وضمان مُحاكمتهم أمام القضاء العادي وما يستتبعه ذلك من تحقيق المساواة أمام القانون والمحاكم حتى لا يخضع المُتقاضون لإجراءات مُتباينة على اختلاف الأزمنة والمحاكم وسائر الضمانات التي  تحقق الحد الأدنى من معايير المُحاكمة العادلة.

والجدير بالذكر أنه سبق وأن توقعت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مثل هذا التعديل التشريعي الذي يُعرض المدنيين إلى خطر مُحاكمتهم أمام القضاء العسكري في الدراسة التي أصدرتها بعنوان “دستوريًا بشأن التعديلات اللا دستورية” وهي دراسة قانونية تم إصدارها تعقيباً على التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2019 والتي تضمنت تعديل المادة 204 وذكرت الدراسة أن التعديل المذكور الغرض منه هو التمهيد لتوسيع اختصاص القضاء العسكري وإصدار تشريعات تتضمن وضع مؤسسات الدولة المدنية تحت حماية القوات المسلحة وبالتالي إحالة أية مشكلة عادية بين المدنيين إلى القضاء العسكري، وهو التعديل الدستوري الذي يحول دون الطعن على التعديل التشريعي الأخير بعدم الدستورية حال الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا كما أنه يقوض سلطة المحكمة الدستورية العليا في الحكم بعدم اختصاص القضاء العسكري في دعاوي تنازع الاختصاص أو تنازع الأحكام كما كان يحدث في السابق.

كذلك فإن تعديل قانون حماية المُنشآت لم يكن القانون الأول الذي يزج بالقوات المُسلحة في معاونة هيئة الشرطة لتأمين وحماية المُنشآت والمؤسسات التي ترتبط بالحياة اليومية للمدنيين ومن ثم تجعل الجرائم الواقعة عليها حتى وإن لم تتسم بالخطورة الفعلية من اختصاص القضاء العسكري.

فمنذ ثورة يناير 2011 ويتم إقحام القوات المُسلحة في دور لا يدخل في اختصاصها الأصيل والذي يختلف عن الدور الذي تقوم به هيئة الشرطة في منع وقوع الجرائم والكشف عنها وضبط الجناة والتي تختلف عن مهام القوات المُسلحة واختصاصها بالدفاع عن سلامة البلاد وحفظ أمنها من أي اعتداء خارجي، وبالتالي فإن القوات الشرطية هيئة نظامية مدنية متخصصة في التعامل مع المواطنين بخلاف القوات المُسلحة التي يتم تدريبها في مناورات عسكرية ويكون تعاملها أكثر حدة وعنفاً لا يتناسب أبداً مع اقحامهم في مواجهة المدنيين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي فإن الزج بقوات مُدربة على قتل الأعداء واقحامهم في التعامل اليومي مع مدنيين يُمثل إخلالاً فادحاً للدستور الذي حدد مهام القوات المُسلحة، وكذلك يُمثل خطورة على حياة المدنيين والذي يؤدي بدوره إلى ارتكاب مزيداً من الانتهاكات الحقوقية وتعديات على القانون والدستور والمواثيق الدولية.

.

4-ما هي التعديلات التي شملتها مسودة مشروع تعديل قانون مكافحة الإرهاب؟

اشتملت التعديلات التي أجريت على قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 تعديل المواد 36 و53 وكذلك أضيفت المادة 32 مكرر.

وتنص المادة 36 على حظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المُحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بعد الحصول على إذن من رئيس المحكمة وقد جاء التعديل بتغليظ عقوبة المُخالفين لأحكام المادة بالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه بعدما كانت لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه.

أما بالنسبة للتعديل على نص المادة 53 والتي تتعلق بالتدابير والإجراءات التي يتخذها رئيس الجمهورية في حالة قيام خطر من أخطار الإرهاب والتي لا تختلف في مضمونها عن آثار إعلان حالة الطوارئ ولكن دون إعلانها بشكل صريح، فقد جاء التعديل بالإضافة وإلزام رئيس الجمهورية بتحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة للتدابير المُتخذة لمواجهة ذلك الخطر من أخطار الإرهاب.

أما عن المادة 32 مكرر والتي أضيفت بموجب هذا التعديل فقد أعطت رئيس الجمهورية صلاحيات قضائية تتلخص في إعطاؤه الحق في تقرير العقوبات والنص عليها في قرار اتخاذه التدابير في حالة قيام خطر من أخطار الإرهاب على ألا تزيد العقوبة السالبة للحرية على السجن المُشدد وألا تزيد الغرامة على مائة ألف جنيه وجاء النص الجديد كالتالي: “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من خالف اى من التدابير الصادرة وفقا لأحكام المادة (۵۳) من هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذا لتلك التدابير بالعقوبات المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية المشار إليه بشرط ألا تزيد العقوبة المقيدة للحرية على السجن المشدد و ألا تزيد الغرامة على مائة ألف جنيه وإذا لم ينص قرار رئيس الجمهورية المشار إليه على عقوبات حال مخالفة أي من التدابير الواردة به وكذا القرارات الصادرة تنفيذا لتلك التدابير، فيعاقب على مخالفة أي منها بالسجن وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.

.

5-ما تأثير هذه التعديلات على الواقع المصري؟

يحوي قانون مكافحة الإرهاب العديد من المُخالفات التي تحمل شبهة عدم الدستورية، وقد جاءت هذه التعديلات لتُغلط من العقوبات الواردة بالقانون والتي تتسم أصلاً بالغِلظة والشدة في جرائم لا تتسم بالخطورة الشديدة على الأمن العام ناهيك عن أن تعريف “العمل الإرهابي” الفضفاض يجرم أعمال من قبيل المعارضة السلمية وممارسة بعض الحقوق والحريات المكفولة دستوريا، وذلك بإضافة مزيد من الترهيب والتهديد للمواطنين بالتضافر مع بقية نصوص قانون الإرهاب، ذلك بخلاف إضافة صلاحيات فوق الصلاحيات الواسعة المُخولة لرئيس الجمهورية والتي تُخل بمبدأ الفصل ما بين السُلطات.

ولا شك أن التعديلات في مُجملها تُرسخ ما سبق وأكدناه في الورقة الصادرة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات منذ أيام قليلة والمعنونة بـ” ماذا بعد إلغاء حالة الطوارئ؟” والتي ناقشنا فيها آثار هذا الإلغاء وانتهينا إلى أن الإنهاء جاء صورياً فقط بهدف تحسين صورة مصر في ملف حقوق الإنسان أمام المُجتمع الدولي، وأخذت السُلطة باليد اليُسرى – بهذا التعديل – ما أعطته للمواطنين باليد اليُمنى – إلغاء حالة الطوارئ – إذ أنها أوقفت العمل بقانون الطوارئ وأنهت اختصاص محاكم أمن الدولة العُليا ” طوارئ ” واستبدلتها بالمحاكم العسكرية والتي تفتقر إلى تحقيق العدالة والنزاهة والاستقلال وتُخل بحقوق الدفاع، وأبقت السُلطة بذلك على القضاء الاستثنائي.

.

6-ما هي التعديلات التي شملتها مسودة مشروع تعديل قانون العقوبات؟

وقع التعديل على المادة 80 (أ) التي تتبع الباب الأول “الجنايات المُضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج” من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، والتي تنص على عقوبات جرائم إفشاء أسرار الدولة سواء بأن قام بالتراسل لمعرفة هذه الأسرار أو أذاعها وكانت العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد عن 500 جنيه، أما بعد التعديل فقد أضيف بند (4) والذي شمل كل من قام بجمع الاستبيانات أو الإحصائيات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة ومهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع، كما غلظ التعديل عقوبة الغرامة على هذه الجرائم وأصبحت لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، كذلك فقد غلظ العقوبة إذا كانت الجريمة في زمن الحرب، أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، أو كان الجاني من ضباط القوات المسلحة أو أحد أفرادها أو من العاملين المدنيين لديها كانت العقوبة السجن، ذلك بخلاف تقرير العقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب هذه الجرائم.

.

7-ما تأثير هذا التعديل المقترح على الواقع المصري؟

يُشكل هذا التعديل توسعاً كبيراً في دائرة التجريم إذ بعد أن كانت المادة تُفرد عقوبات لجريمة إفشاء الأسرار العسكرية المُتعلقة بالدفاع عن الدولة باتت تضم كذلك كافة المعلومات والبيانات والإحصاءات المُتعلقة بالقوات المُسلحة بصفة عامة دون الحصول على إذن كتابي من وزارة الدفاع، وهو ما سُيعرقل مهام الصحافة وكذلك عمل الباحثين والمنظمات الغير حكومية أثناء نشر أي معلومات أو بيانات مُتعلقة بعمل القوات المُسلحة  ولا تحتوي في حقيقتها على سر من أسرار الدفاع عن الدولة، خاصة بعد انخراط القوات المسلحة في العمل العام والانشطة الاقتصادية والتجاري،  وبالتالي فقد خرج المُشرع عن المفهوم الضيق لأسرار الدولة إلى ألفاظاً عامة تشمل كافة المعلومات التي تتعلق بأفراد القوات المُسلحة وضباطها، وهو ما يُقصد به تكميم الأفواه ووضع القوات المُسلحة فوق أي نقد أو تقييم لأدائها في تيسير أمور الدولة  وهو مالا يتصور عقلاً لا سيما بعد أن أصبحت القوات المُسلحة تتدخل في كافة شئون البلاد في خضم التعديلات الأخيرة التي أجريت على قانون تأمين وحماية المُنشآت العامة والحيوية، كذلك فإن التعديل يُخل بمبدأ التناسب ما بين الجريمة والعقوبة لا سيما بعد أن جاء التعديل بالمُعاقبة على الشروع في الجريمة بذات العقوبة المُقررة للجريمة التامة، ولا يُعد ذلك غريباً على نهج المُشرع في السنوات الأخيرة إذ أن قانون مُكافحة الإرهاب هو الآخر يُقرر نفس عقوبة الجريمة التامة للشروع في جرائم لا تُشكل خطورة إجرامية على المُجتمع بالإضافة إلى التوسع في دائرة التجريم في بقية نصوص القانون وإلحاق وصف جريمة إرهابية على كل سلوك لا يتضمن جريمة حقيقية تُمثل خطورة وغيرها من الألفاظ الفضفاضة التي يمكن أن تنطبق على الخصوم السياسيين للدولة والتخلص منهم بموجب قوانين تنتقص من الحقوق والحريات المكفولة دستورياً والمحظور المساس بها.

.

8-ما هو قانون إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية الجديد؟

أقر مجلس النواب في 16 نوفمبر 2021 على مشروع قانون “إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية” القانون المُقدم من مجلس الوزراء، وقد صرح بعض النواب بأن هذا القانون يجد أهميته تداركاً لحالة التخبط التي شهدتها مصر في مواجهة فيروس كورونا المُستجد العامين الماضيين لا سيما في مواجهة الشائعات، بالإضافة إلى أن إلغاء مد حالة الطوارئ قد عجل من صدور مثل هذا القانون.

ويُعطي القانون لرئيس مجلس الوزراء سلطة إصدار قراراً باتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة أخطار تفشي الأمراض والأوبئة بما يحفظ الصحة والسلامة العامة، منها وضع قيود على حرية الأشخاص في التنقل، وتعطيل العمل والدراسة كلياً أو جزئياً، وغيرها من التدابير الأخرى على أن تكون مدة سريان هذا القرار لا تجاوز السنة.

وقد غلظ القانون من العقوبات التي توقع على المُخالفين لأحكام القانون أو كل من نشر أو أذاع أخباراً كاذبة تؤدي إلى تكدير السلم العام والتي تصل إلى الحبس والغرامة عشرين ألف جنيه،  إذ تنص المادة 5 على أن “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أيٍ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذاً لهذا القرار، ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حرض على مخالفة أيِ من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقًا لنص المادة (1) من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذاً لهذا القرار، كما يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة، كل من أذاع أو نشر أو روج عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.

والجدير بالذكر أن المادة السابقة لقيت بعض الانتقادات من قبل بعض النواب لمُخالفتها أحكام الدستور فيما يتعلق بتطبيق عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر بالنسبة للصحافيين الأمر الذي أدى إلى تعديل المادة بإضافة فقرة تتضمن نص المادة 29 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 والتي تنص على أن “لا يجوز توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد”.

.

9-ما تأثير قانون “إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية” الجديد على الواقع المصري؟

لا شك أن إصدار القانون يُشكل مزيداً من التضييق على المراكز البحثية ومنظمات المُجتمع المدني وكذلك المشتغلون بالصحافة وفي الرعاية الطبية، وذلك لما تُشكله المادة الخاصة بالعقوبات للمُخالفين لأحكام التدابير التي يتخذها مجلس الوزراء في حالة تفشي الأوبئة والجوائح الصحية لا سيما الفقرة الاخيرة من المادة الخامسة والتي تُفرض عقوبة الحبس والغرامة عشر آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من أذاع أو نشر أو روج أخباراً أو بيانات مرتبطة بالحالة الوبائية ومن شأنها تكدير السلم العام و إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وبالطبع فإن ألفاظاً مثل السلم العام والمصلحة العامة تُمثل من العمومية والرحابة ما يمكن أن يلتصق بأي بيانات أو معلومات  قد يتم نشرها من صفيين أو المراكز البحثية أو من العاملين في القطاع الصحي أو حتى من الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي ولا توافق عليها السُلطة فيُصبح نشر أخبار كاذبة اتهاماً جاهزا للنيل من كل من تسول له نفسه نقد أداء الحكومة في التعامل مع الوباء أو الجائحة المُنتشرة.

وقد انتقدت السوابق القضائية للمحاكم العُليا المصرية أن تُصاغ النصوص العقابية بطريقة عامة فضفاضة بما يجعلها عُرضة للتطبيق بناء على هوى الُسلطة إذ قضت المحكمة الدستورية العُليا في حكم سابق لها بأنه: “إذا كان الأصل في النصوص العقابية، هو أن تُصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها مُحكماً، فقد صار من المحتم أن يكون تميعها محظوراً، ذلك أن عموم عباراتها واتساع قوالبها، قد يصرفها إلى غير الأغراض المقصودة منها، وهى تحض دوماً على عرقلة حقوق كفلها الدستور، أو تتخذ ذريعة للإخلال بها، وفى مقدمتها حرية التعبير، وحرية التنقل، والحق في تكامل الشخصية، وفى أن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشرع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى