قضية مقتل نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة
توطئة ورسالة
تؤكد كلا من المفوضية المصرية للحقوق والحريات وحملتها “أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر” أن مطلبهما الأساسي هو مناهضة تطبيق عقوبة الإعدام لكل المدانين\ات بشكل عام ومطلق، وفي ذات الوقت تؤكد الحملة على كامل دعمها لحق الضحايا وذويهم في جبر الأضرار المعنوية والأدبية بالإضافة إلي تلقي التعويضات المادية الملائمة. وتؤكد المفوضية المصرية على استمرارية عملها ودعمها المطلق لمكافحة العنف ضد المرأة بكل أشكاله، خصوصاً وأن ظاهرة العنف ضد السيدات في زيادة مطردة في الآونة الأخيرة، فمأساة نيرة أشرف ليست الأولى بل سبقتها ولحقتها بعض الجرائم ضد السيدات، مثل قضية مقتل الاعلامية شيماء جمال، والضحية سلمى بهجت المعروفة إعلامياً قضيتها بـ ” فتاة الزقازيق “، وقضية وفاة وداد زكريا بالدقهلية التي توفيت بعد أن حرقها شقيقها عمداً بسبب خلافات على الميراث، ألا أن الدائرة السابعة بمحكمة جنايات المنصورة قد خففت الحكم عليه من الإعدام للسجن المؤبد بعد تنازل الأم عن الدعوى المدنية.
ملخص الوقائع
تعود أحداث القضية إلي صباح يوم الإثنين 20 يونيو2022 حيث تتبع وركب المنفذ بحقه المواطن محمد عادل محمد إسماعيل نفس الحافلة التي كانت تقل زميلته في الجامعة والمجني عليها نيرة أشرف أحمد عبد القادر من مسقط رأسهما بالمحلة الكبرى متجهين رفقة زملاء آخرين لهما إلي جامعة المنصورة لأداء امتحانات نهاية العام الجامعي، ولحق عادل بالمجني عليها بعد ترجل جميع من كانوا في الحافلة، ووقفوها أمام بوابة توشكى بجامعة المنصورة وأخرج آلة حادة من طيات ملابسه وطعن بها نيرة من الخلف فسقطت أرضاً، ثم أكمل طعناته في جسدها قاصداً التخلص منها. تعالت صرخات المجني عليها أمام بوابة جامعة المنصورة، وأسرع أحد أفراد الأمن إليها محاولاً إنقاذها برفقة أحد طلاب الجامعة، وحاولا إبعاد عادل عنها إلا أنه قد قرر إزهاق روح نيرة والتأكد من وفاتها، فهددهم بالآلة الحادة. وعاد محمد إلى نيرة من جديد ثم أمسك رأسها بيده اليسرى ونحر عنقها، ومن ثم تمكن أفراد أمن الجامعة من الإمساك به وضبطه بعد تنفيذ مخططه وفقاً لاعترافه وإزهاق روحها.
النيابة العامة
توفت المجني عليها نيرة أشرف وذهبت روحها الشابة إلي بارئها وهي متأثرة بقطع في الرئة اليسرى وإصابة ذبحية بخلفية العنق، وخلع بين الفقرتين الثالثة والرابعة بالعمود الفقري، وهو ما أدى إلى هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية وفقاً لتقارير الطب الشرعي، بعد القبض على محمد عادل باشرت نيابة المنصورة الكلية التحقيقات معه في حضور محاميه الموكل، وبمواجهته خلال تحقيقات النيابة اعترف بأنه من ظهر في مقاطع فيديو الجريمة حيث أظهر محتوى كاميرات المراقبة بمكان الجريمة كافة تفاصيل الواقعة المسرودة بملخص الوقائع. اعترف محمد عادل بارتكابه الجريمة في تحقيقات النيابة حيث سرد إنه تَعرف على المجني عليها نَيرة أشرف أحمد عبد القادر كزميلة له في كلية الآداب جامعة المنصورة في غضون العام الجامعي 2020 وأمَدها بالأبحاث العلمية ونشأت بينهما علاقة عاطفية إلا أنها سرعان ما تنصلت منها، فحاول مِرارًا وتكرارًا أن يَستعيدها ويُقربها منه من خلال مُراسلتها عبر تطبيقات التراسل الاجتماعي، إلا أنها حظرته من الاتصال بها؛ فتقدم لخطبتها فرفضته هي وأهلها وحصلت خلافات بينهما حررت على إثرها محاضر ضده بقسم شرطة ثان المحلة الكبرى.
وتابع محمد في اعترافه، وعقدت جلسة عرفية تَـعهدت فيها بعدم مضايقة نيرة وقمت بالتوقيع على إيصال أمانة سلم ليد عائلة نيرة ومسحت كافة الصور والمحادثات كما طلب مني في الجلسة العرفية، وأضاف أنه تظاهَر بامتثاله لما انتهت إليه هذه الجلسة واعترف بأنه طيلة الفترة التي سبقت شهر رمضان الماضي كان يحاول التواصل مع نيرة لإنهاء ما بينهما ويعودا لبعضهما، ولكنها كانت تَـرفض وحَظرت اتصالاته، وأكد المتهم أنه ساير عائلة نيرة حتى يتمكن منها وقت أداء الامتحانات وينفذ مخططه بقتلها، وفي هذا المنحى أضاف محمد أنه منذ شهر رمضان الماضي قرر التخلص من المجني عليها ليضع حدًا لما بينهما، وأخذ قراره فيما بينه وبين نفسه أن ينتقم لنفسه منها ويُنهي حياتها، ولما شاهدها في الجامعة خلال امتحانات العام الجامعي المذكور، حاول التحدث معها فاستعانت بضابط الأمن، مما أثار حفيظته وصمَّمَ على الانتقام منها وبعد أداء الامتحان الأول.
وفي بداية يونيو 2022 اشترى محمد سكينًا جديدًا واختار هذا النوع من السلاح لكونه طباخًا وله دراية ومَهارة في استخدام السكاكين لكنه أرجأ التنفيذ خلال أداء الامتحان الثاني تَحسُبًا من أن يكون برفقتها أحد من أهلها. واسترط محمد في اعترافه إنه عقد العزم على أنْ يكون التنفيذ خلال انعقاد الامتحان الثالث في 11/6/2022 فتوجه إلى الجامعة مُحرزًا السكين المذكور لهذا الغرض، ولكن الفرصة لم تُواته لعدم تمكنه من رؤيتها، وخلال أداء الامتحان الرابع أحرز ذات السكين مَرة أخرى ليُنفذ جريمته، ولكنه لم يتمكن من رُؤيتها في هذه المرة أيضًا. فصمَّم على أن يكون التنفيذ خلال انعقاد الامتحان الخامس في يوم 20/6/2022 وقال محمد نصاً عن هذا اليوم تحديداً “…نزلت النهاردة ومعايا السكينة ولقيتها قاعدة هي وزمايلها، ولما شوفتها قلت دي فرصة إني أنا أريح نفسي وأخلَص منها وهي نازلة من الباص، وأول ما نزلنا هي كانت سابقاني بشوية، وأنا نزلت وكان كل اللي في دماغي إن أنا أروح أخلص عليها، ومَشيت وراها، وأول ما قرَّبت منها طلَّعت السكينة من الجراب اللي أنا كنت حاططها فيه وشَفيت غليلي منها.”
النيابة العامة أحالت قاتل نيرة لمحكمة جنايات المنصورة بتهمتي القتل العمدي مع سبق الإصرار وحيازة سلاح أبيض في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وحدث ذلك بتاريخ بتاريخ 22\6\2022 أي النيابة العامة انتهت من التحقيق قبل مرور 48 ساعة من وقوع الجريمة، اسمتعت النيابة العامة إلي شهادات أربعة من صديقاتها المتوفية إلي رحمة الله نيرة واللاتي رافقن المجني عليها في رحلة وصولها من ميدان الشون بالمحلة إلي جامعة المنصورة، كما استمعت النيابة إلي أقوال 14 من الشهود ممن عاصروا الواقعة وهم أفراد أمن وطلبة بمحيط مكان الواقعة ومواطنين تصادف وجودهم وقت الحادث وقد أجمعت تلك الشهادات على التوصيف الوارد بالفقرة الأول من تحليل القضية، كما استمعت النيابة لأقوال سائق الحافلة والأم والأب وصاحب مكتب سركيس للرحلات وموظف بالمكتب، واللذان قدما فيديو يوضح عدم ركوب المنفذ بحقه اكثر من حافلة كانت تحتوي على أماكن شاغرة إلا أنه صعد الحافلة التي صعدت إليها المجني عليها مباشرة، كما وفي شهادته أمام جهات التحقيق قال رئيس مباحث قسم أول المنصورة “…بأنَّ تحرياته السرية دلته على وجود علاقة عاطفية بين المتهم والمجني عليها منذ العام 2020 وعلى إثر قيامها بإنهاء هذه العلاقة حصلت بينهما خلافات تعَرض لها المتهم على إثرها، فحررت ضده المحاضر أرقام 108، 109 لسنة 2021 جنح اقتصادية قسم ثان المحلة الكبرى، 1953 لسنة 2022 إداري قسم أول المحلة الكبرى، فعقد المتهم العزم وبَيَّتَ النية على الانتقام منها بقتلها ثأرًا لكرامته..” ، وتطابقت باقي أقواله مع التوصيف الوارد بالفقرة الأول من تحليل القضية، كما ثبت في تحقيقات النيابة العامة أن الإصابات الكدمية الظاهرة على محمد عادل نتيجة ضرب أفراد أمن الجامعة ومن عاصروا الواقعة من شهود ومارة.
المحاكمة
استمعت محكمة جنايات المنصورة في أولى جلسات المحاكمة الموضوعية بتاريخ 26 يونيو 2022 لأقوال المتوفي إلي رحمه الله محمد عادل، الذي كشف الكثير عن تفاصيل العلاقة التي كانت تجمعه بالضحية في نظرت محكمة جنايات المنصورة أولى جلسات المحاكمة ، وفي هذه الجلسة بدأ المتهم حديثه بنفي تهمة التطرف عنه، وأن لاعلاقة له بالتطرف الفكري أو الديني، وتابع المتهم إنه ارتبط عاطفياً بنيرة وحدث بينهما أول خلاف وكانت هي من بدأت، وتابع: “كانت تقولي إنها عايزة تسيب شغل الموديل وتشتغل في مجالات تانية، وأنا وهي كنا بنحب بعض ومكانش فارق معايا بتشتغل ايه”. ، وقررت هيئة المحكمة التأجيل لاطلاع هيئة الدفاع على أوراق القضية واستعداد كل من النيابة العامة والدفاع بالترافع في جلسة 28 يونيو 2022، كما حظرت هيئة المحكمة النشر بالقضية ماعدا جلسة النطق بالحكم، وبناء علىهذا القرار أصبح لدى الدفاع مهلة غير كافية بالمرة وهي يوم واحد للتحضير والترافع عن متهم في قضية قتل من الدرجة الأولى.
طلب دفاع محمد عادل تعديل القيد والوصف من قتل عمد مع سبق الإصرار إلي ضرب أفضى إلي موت وهو ما رفضته هيئة المحكمة بحجة صحة اعتراف المتهم التفصيلي في أدق تفاصيله والفيديوهات المصورة وشهادة الشهود وباقي أدلة الإثبات الأخرى، كما طلب دفاع المنفذ بحقه مناقشة أربعة شهود ولكنه قبل مرافعته الختامية سمحت له المحكمة بمناقشة والد المجني عليها في جلسة سرية ولم يتمسك بباقي الشهود الذي طلب مناقشاتهم مسبقاً، وطلب تفريغ محتوى هاتف عادل المحمول إن وجد. وطلب محامو الدفاع عَـرض المنفذ بحقه على مختصو الطب النفسي والعقلي لبيان مدى سلامة حالته العقلية واتزانه النفسي ساعة ارتكابه الجريمة، فرفضت جنايات المنصورة هذا الطلب بقولها “…أن المحكمة استبان لها سلامة حالته العقلية والنفسية وسلامة إدراكه واختياره، قبل ووقت ارتكابه جريمة قتل المجني عليها وفي أعقابه.”
وأضافت محكمة الجنايات في حيثيات حكمها “لما كان ذلك ولئن كان من المُقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما أثاره المتهم أن تُجري تحقيقًا من شأنه بلوغ كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تَعيين خبير للبَت في هذه الحالة إثباتًا ونفيًا، فإن لم تَفعل كان عليها أن تُورد في القليل أسبابًا سائغة تَبني عليها قضاءها برفض هذا الطلب، إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم مَسئوليته عن الجُـرم الذي وقع منه”. وملامح سلامة قاتل نيرة أشرف من أي مرض نفسي أو عقلي من وجهة نظر المحكمة هي، اختياره لأداة الجريمة سكينًا جديدًا حادًا وليس سلاحًا آخر، ومحمد كان مُدركًا أنَّ الحافلة ليست المكان المناسب باحتمال عدم تحقق هدفه وهو قتل المجني عليها إذا ما تَدخل الركاب وحالوا دون ذلك، هَدد المتهم من عاصروا الواقعة وقت حدوثها بالسكين حتى لا يُخلِّصوا المجني عليه منه ثم عاد إليها بعد تَهويشهم وذبَحها من عُنقها، اختياره للامتحان الثالث لكي يشرع في تنفيذ الجريمة حتى لا يكون أحد من عائلتها برفقتها في بداية الامتحانات، وما ثبت بكاميرات المراقبة أن محمد أنتظر نيرة في موقف الحافلات ثم تبعها للحافلة التي استقلتها، صور المحادثات التي توضح تهديدات محمد لنيرة إضافة إلي الجلسة العرفية والمحاضر الرسمية التي حررت ضد المتهم بعدم تعرضه للمجني عليه في أوقات سابقة على الواقعة، فضلاً إلي اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة العامة في حضور مدافع عنه وتمثيله الجريمة حُرًا مُختارًا في مُعاينة تصويرية حضرها محاميه، كما أن محمد عادل كان يُجيب على أسئلة النيابة العامة بدقةٍ بالغة وعبارات واضحة، وبكلام مُتناسق مُترابط لا هَذَيانَ فيه ولا تَهاتُر. والتمس دفاع المنفذ بحقه القضاء ببرائته تأسيساً على انتفاء القصد الجنائي ونية القتل وانتفاء ظرف سبق الإصرار وتناقض أقوال الشهود وقصور التحقيقات وانتفاء ركني جريمة القتل العمد وعدم وجود سوابق للمتهم وطلب المحام أن تستخدم المحكمة سلطتها بالرأفة لظروف عادل.
وبعد نظر جلستين في المحاكمة الموضوعية في خلال 3 أيام وبعد انتهاء مرافعتي النيابة العامة والمحامي والمدعي بالحق المدني بالجلسة الثانية، أحالت هيئة المحكمة أوراق المتهم إلي فضيلة مفتي الديار المصرية لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدام قاتل نيرة بعد مرور 7 أيام على وقوع الجريمة ، وأعطت المحكمة 7 أيام مهلة لفضيلة المفتي لإعداد الرأي الشرعي والذي توافق مع إجماع الآراء القانونية بأنه لا توجد أي شبهة لدرء القصاص، وأصدرت محكمة جنايات حكمها في 6 يوليو 2022 بالإعدام شنقاً للمتهم بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار بعد مرور 15 يوم على ارتكاب المتهم للجريمة.
استندت المحكمة في حكمها بالإدانة على اعتراف المتهم في تحقيقات النيابة بارتكابه الواقعة وإصراره عليه أمام قاضي المعارضات وبجلسة المحاكمة ومن أقوال شهود الواقعة 26 شاهد، والضابط مجري التحريات، ومن تقرير الصفة التشريحية والمعمل البيولوجي وفحص هاتف المجني عليها وصور المحادثات بينها وبين المتهم ومن معاينة النيابة لمحل الواقعة ومشاهداتها لمقاطع مصورة من ألات المراقبة بمسرح الجريمة والتقطت كاميرات المراقبة وقعة الطعن والذبح بتفاصيلها وبمواجهة المتهم بهذه المقاطع، اعترف إنه الشخص الذي يظهر، ومحاكاة المتهم لارتكابه الجريمة وصورة المحضر التي حررتها المجني عليه ضد المتهم بعدم التعرض وصورة المحادثة المرسلة من المتهم إلي الشاهدة الرابعة للسؤال عن موعد وصول المجني عليها للجامعة قبل ارتكابه للجريمة .
وبعد شهرين من الحكم محكمة النقض حددت جلسة 26 يناير 2023 لنظر طعن المتهم أمام دائرة الخميس “د” بمحكمة النقض، إلا أن تلك الجلسة أًجلت إدراياً لجسلة 9 فبراير 2023 وبها أيدت النقض حكم الإعدام على محمد عادل بأن قبلت الطعن شكلاً ورفضته في الموضوع من جلسة واحدة.
التأثير الإعلامي والمحاكمة العاجلة
ونخلص من محاكمة محمد عادل قاتل نيرة أشرف أنها كانت محاكمة عاجلة حدثت تحت متابعة مكثفة من مختلف المنابر الاعلامية وكافة منصات التواصل الاجتماعي وحظت المحاكمة باهتمام الرأي العام المصري وأعربت قطعات عريضة من المجتمع عن غضبها من بشاعة الجريمة وجسامتها كون المنفذ بحقه والضحية في أوائل العشرينات من عمرهما، وكل ما سبق قد أثر في عقيدة المحكمة التي أصدرت الحكم ويظهر هذا بجلاء من سرعة المحاكمة فقد استغرقت المحاكمة الموضوعية الفعلية ثلاثة أيام كما استغرقت تحقيقات النيابة العامة أقل من 48 ساعة، فلم يناقش الدفاع أي من شهود الإثبات حيث تعللت محكمة الجنايات بعدم تمسك الدفاع بهذا الطلب في جلسة المحاكمة الثانية واكتفائه بمناقشة والد المجني عليها في جلسة سرية وبعدها أصدرت المحكمة قرارها بحظر النشر في القضية، كما لم تستجيب المحكمة لطلب الدفاع بعرض محمد عادل على الطب النفسي بحجة أن المادة 338 من قانون الإجراءات الجنائية لا تلزمها بذلك كون الأمر في حدود السلطة التقديرية لقاضي محكمة الموضوع -وغير معقب عليه من قضاء النقض في ذلك- بعد سماع أقوال النيابة العامة والمدافع عن المتهم، فكان حرياً بهيئة المحكمة أن تستجيب لهذا الطلب و أن تصدر قرار بإيداع عادل تحت تصرف المجلس الإقليمي للصحة النفسية ولو أسبوع من الخمسة وأربعون يوماً المنصوص عليهم كحد أقصى بموجب قانون الإجراءات الجنائية. وإن كان صدر هذا القرار، فهذا لن يضير العدالة بشئ فالأصل بالمحاكمات الجنائية أن يأخذ كل أطراف الدعوى وقتهم الكافي للاستعداد للخصومة الجنائية لعل تظهر شبهة تدرء القصاص أو ظرف يخفف أو يشدد العقوبة في حق المتهم أو أن يقبل ولي الدم الدية وفقاً للشرع الحنيف أو يعفو، وهذه الفرضية الاخيرة لا يوجد لها أثر قانوني كون عقوبة القتل العمد من حق المجتمع متمثلاً في النيابة العامة وأن أهلية المجني عليها سواء قبلوا الدية أو رفضوها فهم لا يملكون سوى التنازل عن حقهم في الإدعاء المدني أمام محكمة الجنايات وعدم تحريك دعوى تعويض مدنية ضد المتهم أو خلفه العام، ولكن محكمة جنايات المنصورة لم تضع الاعتبارات السابقة في حكمها وهي ضرورية لسلامة الإجراءات في المحاكمة ولكي يتحقق مبدأ الحق في المحاكمة العادلة في غضون فترة زمنية معقولة وكي يحظى المتهم بدفاع لائق وخصوصاً إذا كانت القضية بحجم مقتل نيرة أشرف بل أن هيئة المحكمة تأثرت بالرأي العام في سرعة إنهاء محاكمة القاتل بل أن المحكمة طلبت عرض تنفيذ حكم الإعدام على الهواء إعمالاً لمبدأ “العقاب بالحق مشهود” فقد ناجى حكم الجنايات المشرع بإدخال هذا التعديل وكأننا في العصور الوسطى، وهو ما يبرز تبني محكمة الجنايات وجهة نظر معينة تجاه المنفذ بحقه، فطلب كهذه يتعارض مع الحق في الخصوصية ويتنافى مع احترام مشاعر عائلة المنفذ بحقه. كما أن النيابة العامة ومحكمة الجنايات لم تحققا فيما ورد من أن تحريات المباحث أكدت وجود علاقة عاطفية بين المتهم والمجني عليها، كما أن النيابة ومن بعدها المحكمة قد أهملا بعدم تحريز هاتف المتهم وتفريغ محتواه والتعلل بأنه فقد أثناء الواقعة!! ألم يكن لهيئة المحكمة الوقت الكافي لإصدار قرارها لوزارة الداخلية بتتبع هاتف المتهم المحمول والعثور عليه مثلما يفعل آلاف المصريين على مدار السنة ويقومون بتحرير محاضر فقد هواتفهم المحمولة ومن ثم النيابة والداخلية يباشرا الإجراءات وتقوم جهة البحث ببذل عنايتها الفنية مستخدمة وسائل الرصد والتعقب الحديثة للوصول لمكان تواجد هاتف المتهم الشخصي لعل وعسى أن يوجد به ما يخفف العقاب عنه وأن يثبت صحة كلامه بأن كانت هناك ثمة علاقة عاطفية بينه وبين الضحية.
بالبحث والتحليل القانونيين نرى أن المحاكمة الموضوعية قد تأثرت بضغط الرأي العام واتضح أثر ذلك على سرعة إنهاء المحاكمة الموضوعية بشكل عاجل وغير كاف ومستوف حيث دامت المحاكمة لمدة ثلاثة أيام فقط، وعدم عرض المتهم على الطب النفسي كطلب دفاعه هو أمر كان على هيئة المحكمة أن تحققه لعله ينتج أثراً لصالح المتهم، كما أن عدم تتبع هاتف الجاني أضعف روايته بأن كانت ثمة علاقة عاطفية بينه وبين المجني عليها، كما لم تستمع المحكمة لشهادة أيا من شهود الإثبات، ولا نجادل هنا بشأن ثمة مبررات لتلك الجريمة الشنيعة أو أن عادل يستحق الرأفة، بل أن مقطع النزاع يتعلق بإعمال ضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة وتمكين الدفاع من أن يقوم برسم خطة دفاعه كما يحلو له وأن تمكن المحكمة الدفاع بأن يقوم بدوره على أكمل وجه وأن تزلل له العقبات لا أن تكون خصماً له وتثبت في حكمها أن الدفاع طلب سماع شهود ثم اكتفى بمناقشة والد المجني عليها ولم يجدد طلبه قبل بدء مرافعته، لذا كنا نأمل في أن تعيد محكمة النقض هذه القضية لنظر موضوعها من جديد أمام هيئة مغايرة في محكمة الجنايات، فحتى وإن كانت التهمة ثابتة بما لا يدع مجال للشك بارتكابها فأن سلامة الإجراءات وتصحيحها وتحقيق ضمانات الدفاع أولى بالإتباع تحقيقاً لسيادة القانون وانتصاراً للشرعية الإجرائية واتساقاً مع معايير المحاكمات المنصفة.
والجدير بالذكر، أن قضية نيرة أشرف ليست الأولى التي تنتهى فيها التحقيقات و المحاكمة خلال أيام، بل تكرر هذا الأمر -وذلك على سبيل المثال وليس الحصر- في عدة قضايا في غضون العامين السابقين منها، قضية مقتل الكاهن أرسانيوس بالأسكندرية فقد أحالت النيابة العامة المتهم بعد مرور 11 يوم على ارتكابه الواقعة وتمت محاكمته في جلستين على مدار 5 أيام، ومثال آخر على المحاكمات العاجلة التي تجرى تحت ضغط اعلامي مكثف ومتابعة مجتمعية هو قضية حادثة الإسماعيلية، حيث ذبح مدمن متعاطي لمخدر الميثامفيتامين “الشابو” المجني عليه ” أحمد محمد صديق “، فقد أحالت النيابة المتهم للمحاكمة بعد ثلاثة أيام من وقوع الجريمة على الرغم من ثبوت إنه متعاطي لمخدر الميثامفيتامين “الشابو” وقت ارتكابه للجرم، أما محاكمة قاتل ضحية الإسماعيلية استمرت لمدة ستة أيام من خلال ثلاث جلسات. وللاطلاع على تحليل قانوني شامل للقضيتين السابقتين بالإضافة إلي قضية مقتل نيرة برجاء الاطلاع على تقرير ” أحكام إعدام عاجلة ” التي أطلقته المفوضية المصرية العام الماضي بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة تطبيق عقوبة الإعدام، وقد ناقش التقرير ظاهرة المحاكمات الجنائية العاجلة التي تحدث في قضايا ذات تأثير اجتماعي ومتابعة اعلامية مكثفة ومدى تأثير كل ذلك على أداء وجودة مرفق العدالة الجنائية وأن تصبح المحاكمات العاجلة هي السمة الأساسية لتلك القضايا الحساسة.
شاب القصور بعضاً من إجراءات المحاكمة سواء في مرحلة الجنايات أو النقض في قضية مقتل نيرة، فالمحاكمة بمرحلتيها قد تأثرت بضغط الرأي العام واتضح أثر ذلك على سرعة إنهاء المحاكمة الموضوعية بشكل عاجل وغير كاف ومستوف حيث دامت المحاكمة لمدة ثلاثة أيام فقط، كما أن محكمة النقض أيدت العقوبة وأصبح الحكم باتاً من جلسة واحدة، فلم يتمكن المحامون من تقديم دفاع فعال سواء في تحقيقات النيابة العامة أو في مرحلتي التقاضي. وللأسف لم يتم تفعيل القيد الدستوري الخاص بتشكيل دوائر استئناف أحكام الجنايات على الرغم من مرور ما يزيد عن التسع سنوات منذ إقرار دستور 2014 والذي أعطى السلطة التشريعية 10 أعوام -منذ تاريخ إقرار الدستور- كملهة لتشكيل هذه الدرجة من التقاضي في المحاكمات الجنائية. فنحن هنا، كـ “حملة أوقفوا عقوبة الإعدام بمصر” لا نجادل بشأن وجود ثمة مبررات لتلك الجريمة الشنيعة أو أن المتهم يستحق الرأفة، بل أن مقطع النزاع يتعلق بإعمال ضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة وتمكين الدفاع من أن يقوم برسم خطة دفاعه كما يحلو له وأن تمكن المحكمة الدفاع بأن يقوم بدوره على أكمل وجه وأن تزلل له العقبات “، كما أن محكمة النقض قد سايرت محكمة الجنايات في عقيدتها وأيدت العقوبة من جلسة واحدة، فحتى وإن كانت التهمة ثابتة بما لا يدع مجال للشك بارتكابها فأن سلامة الإجراءات وتصحيحها وتحقيق ضمانات الدفاع أولى بالإتباع تحقيقاً لسيادة القانون وانتصاراً للشرعية الإجرائية واتساقاً مع معايير المحاكمات المنصفة.
وفقاً لقناة “صدى البلد” الفضائية فقد نقلت تصريحات نسبتها إلي” خال محمد عادل ” أن عائلته كانت في زيارة له ليلة تنفيذ الحكم ولم يتم إخبارهم بموعد تنفيذ الإعدام، وأن العائلة قد تفاجئت صباح الأمس بتلقي إتصال هاتفي لاستلام جثمان نجلهم من مرشحة مستشفى المنصورة الدولي، وتنفيذ حكم الإعدام دون إخطار الأهل أو المحامي بات عرفاً متبعاً من قبل وزارة الداخلية بقيامهم بتنفيذ أحكام الإعدامات دون إعلام ذوي المدانين بميعاد التنفيذ وعدم السماح لهم بمقابلتهم قبل التنفيذ طبقاً للمادة 472 من قانون الإجراءات الجنائية والتي نصت على أن أقارب المحكوم عليه بالإعدام لهم الحق في أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم، على أن يكون ذلك بعيداً عن محل التنفيذ، وإذا كانت ديانة المحكوم عليه تفرض عليه الاعتراف أو غيره من الفروض الدينية قبل الموت، وجب إجراء التسهيلات اللازمة لتمكين أحد رجال الدين من مقابلته، كما أن إلزامية حضور المحاميين نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 474 من القانون ذاته على إلزامية أعطاء الأذن للمدافع عن المحكوم بحضور التنفيذ. فعدم إخبار أهلية المحكوم عليهم بموعد تنفيذ حكم الإعدام فهو أمر ينال من كرامية وآدمية المنفذ عليهم تلك العقوبة ومن جهة أخرى يحدث أضراراً نفسية جسمية بحق عائلات المنفذ عليهم أحكام الإعدام.