اصدارات

سيزا نبراوي التلميذة التي تفوقت على استاذتها هدى شعراوي

شخصية العدد

“سيزا نبراوي” شخصية ضمتها صورة شهيرة للسيدات الأًول اللاتي ناضلن من أجل حقوق المرأة، والتي شملت أيضا كل من السيدة هدى شعراوي، ونبوية موسى، ممثلين عن الوفد المصري في المؤتمر النسائي في جنيف عام 1920.

 

وفد مصر في المؤتمر النسائي في جنيف – أرشيف

رغم ما قدمته سيزا من مجهودات وتضحيات إلا أنها أقل الشخصيات الثلاث السابقات في التذكير بها، وطالما ترافقت سيرتها مع أستاذتها السيدة هدى شعراوي، واقتصاره على تأسيس الاتحاد النسائي المصري، رغم أن ما حققته سيزا، وما نادت به من أفكار تقدم بشكل كبير على معلمتها.

سيزا نبراوي.. النشأة

نعود للتذكير بسيزا التي ولدت في عام 1897 وفي بعض الوثائق 1898، لوالدين مصريين، في إحدى قرى السنطة بمديرية الغربية، إذ كان اسمها عند الميلاد “زينب مراد” ولكن لم تستمر الزيجة طويلا فسرعان ما انفصل أهلها وتبنتها إحدى قريبات أمها وعاشت في الإسكندرية ثم سافرت إلى فرنسا وتعلمت في مدرسة ليسيه دو فرساي حتى سن السابعة عشر.

يرجع لقب النبراوي إلى السيدة عديلة النبراوي والدتها بالتبني التي منحتها الاسم واللقب، وكانت بمثابة ام حقيقية لها حتى اضطرت إلى التخلص من حياتها نتيجة سوء المعاملة المستمر من الزوج، الذي تسبب اضطراب علاقته بالابنة بعد رحيل الأم المفاجيء لأول مرة على عائلة والدها الحقيقي، ولكنها تفاجىء بالقيود على الشكل والملبس، وحتى الحركة، فتختار عدم الرضا بالأحوال، وتقوم بالإضراب عن الطعام.

حينها بدأت علاقة سيزا نبراوي بالعمل العام بعد أن أقنعتها هدى شعراوي صديقة الوالدة عديلة بذلك، في محاولة من الأخيرة لإخراجها من العزلة التي فرضتها على نفسها، عقب عودتها من الخارج، أما عن تلك الفترة وبزوغ روح المناضل في بطلتنا مبكرا تقول:

«عندما عدت من الخارج حيث عشت حتى بلغت الثامنة عشرة من عمري، كنت متحررة متحمسة، ولهذا رفضت لبس البرقع وأصررت على لبس القبعة، وبحكم الصداقة التي كانت بين والدتي وبين هدى شعراوي، أخذت تهدئ من ثورتي وتقنعني بأن الظروف غير مواتية للحصول على حقوق المرأة مرة واحدة، وأن المطالبة بها في هدوء يجنبنا ثورة الرجال الذين كانوا كل شيء في ذلك الوقت.»

سيزا المناضلة ..

يختزل الكثيرون نشاط سيزا في تأسيس أول اتحاد مصري نسائي إلى جانب معلمتها هدى شعراوي، وصورها التي تجمعها بها، إلا أن البحث الدقيق عنها، حمل الكثير من المفاجآت التي لم يتضمنها مؤشر البحث جوجل.

جدير بالذكر أن سيزا ساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري الذي تم تدشينه رسميًا في مارس من العام 1923، وترأسته هدى شعراوي بينما اختيرت هي لتتولى منصب السكرتيرة العامة للاتحاد، وهو أول جمعية ذات توجهات نسوية واضحة في مصر.

وكانت مطالبه تتمثل في رفع سن الزواج القانوني للفتيات إلى 16 عاما، ومنع تعدد الزوجات، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة إجراءات من شأنها تحقيق المساواة بين الذكور والإناث في جميع مراحل التعليم.

كما شاركت في العام نفسه في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي، الذي انعقد في روما في شهر مايو، إلى جانب كل من هدى شعراوي ونبوية موسى، تلك المناسبة التي توثقها صورتهم الشهيرة.

رغم صغر سنها بالنظر إلى بقية العضوات، اختيرت لرئاسة تحرير مجلة l’ Egyptienne التي أصدرها الاتحاد في العام 1925 باللغة الفرنسية، وكان الهدف منها هو توثيق نشاط الاتحاد النسائي بالتوازي مع نشر مطالبه النسوية والتعريف بأهميتها ودواعي العمل من أجل تحقيقها، ثم عاودت الصدور لاحقا باللغة العربية.


سيزا إلى جانب معلمتها هدى شعراوي – أرشيف

في البداية توجهنا إلى أستاذة الأدب الإنجليزية والنسوية دكتورة هالة فهمي، وهي أحد المهتمات بتاريخ الحركة النسائية في مصر، والتي صدقت على القول بأن النبراوي من الشخصيات الثرية التي ظلمت، حيث لم يتم توثيق الكثير من خطواتها النضالية المهمة لمصر أيضا.

ترجع هالة الأمر إلى أن سيزا التي بدأت حياتها إلى جانب هدى شعراوي وحزب الوفد الليبرالي المحافظ، ذهبت بعيدا بأفكارها عن العدالة الاجتماعية، وانفصلت عن الحزب، وقوته النسبية، كما أنها لم تكن مثل أغلب أبناء جيلها حيث لم تبادر إلى كتابة مذكراتها، والتي كانت مصدر من مصادر التوثيق لكثير من أحداث التاريخ، وكذلك للتعريف بالشخص ذاته.

اعتبرت كمال أن سيزا اختارت الاشتراكية حتى وإن لم تنضم إلى تنظيم اشتراكي معروف، ولكنها كانت المحرك لخطواتها، فهي تهتم بتعليم الفتيات، والفقراء خصوصا، تؤيد السياسات الاقتصادية التي تعادي أبناء طبقتها من الأثرياء، وهو ما يفسر عدم وقوف حزب الوفد خلفها، وانفصالها عن طريق شعراوي، رغم أنها أول من وضعها على الطريق.

لاحقا وبحسب الكاتبة النسوية أمينة شفيق كانت الناشطة ورائدة الفن التشكيلي الراحلة إنجي افلاطون الرفيقة الأهم للنبراوي، وأول من دعمها في رؤيتها الاجتماعية المختلفة للقضايا النسوية عن زميلاتها من ليبراليات حزب الوفد الليبراليين، ومد في عمرها النضالي حيث استمرت في كفاحها حتى فيما بعد حركة يوليو 1923، ولم تنتهي نضالاتها.

كما تذكر شفيق أن سيزا وخلافا لكل أبناء طبقتها كانت من أوائل السيدات اللاتي أرسلن خطاب تأييد لجمال عبدالناصر لخطوته في تأميم أملاك الأثرياء الإقطاعيين، ووافقت على ذلك، رغم أن الأمر يضر بها وبعائلتها، إلا أنها كانت ترى ميزان العدالة الاجتماعية، والحقوق الاقتصادية في مصر مختل، ويجب إعادته إلى صوابه.

في كتابه موسوعة “نساء ورجال” يورد الكاتب لمعي المطيعي سيرة سيزا كأحد البطلات الملهمات في تاريخ مصر فيقول:

“زينب محمد مراد التي عرفت في تاريخ مصر الحديث باسم سيزا نبراوي هي المرأة التي اشتركت في تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية عام ١٩١٩ ضد سلطات الإحتلال الإنجليزي، وهاتفة لثورة ١٩١٩م وبحياة سعد زغلول ومترحمة على أرواح الشهداء، هذه المرأة عرفتها الحركة الوطنية عام ١٩٥١ تطالب بتكوين اللجنة المقاومة التي اندفعت تضرب جنود الاحتلال بحد السلاح حتى يخرجوا من بلادها، في الوقت نفسه عرفت “حركة السلام” التي نشطت في تلك الفترة برئاسة الصحفي المحامي المعروف يوسف حلمي ومعه الزميل الوطني صاحب التاريخ الكفاحي سعد كامل، والذي أشرف على مجلة “الكاتب” لسان حال حركة السلام، هذه المرأة المصرية سيزا نبراوي، كانت موضع تقدير مناضلي تلك السنوات وهم يرونها ويستمعون إليها، غالبية كلماتها بالفرنسية ممزوجة بكلمات عربية في لكنة فرنسية هذه السيدة عادت إليها الأضواء، وهي تعيد تكوين لجنة المقاومة داعية للوقوف في وجه العدوان الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام ١٩٥٦م”

 

سيزا تشير إلى صورة معلمتها هدى شعراوي – أرشيف

من كلمات الخبير في كتابة السير الذاتية التاريخية لمعي المطيعي نتعرف على مناضلة من طراز خاص حيث جسدت سيزا أهم مباديء الحركة النسوية، ومنذ وقت مبكر، حيث التقاطعية والاهتمام بقضايا الوطن والتحرر، وحتى السلام العالمي كانت إحدى الاهتمامات المبكرة للنبراوي، التي لم تنفصل يوما عن مصريتها، وكونها جزء من منطقة محتلة، يتم استغلالها ونهب ثرواتها.

ومن مواقفها الوطنية المهمة أيضا ووفقا لكتاب المطيعي “نراها عام ١٩٥١م بعد أن ألغى مصطفى النحاس باشا معاهدة ١٩٣٦، ترى سيزا نبراوى وقد دعت إلى الكفاح المسلح في منطقة القناة، واشتركت على رأس مظاهرة طالبت بمصادرة أموال الإنجليز. ومقاطعة البضائع الإنجليزية، كما  أنها  أثناء العدوان الثلاثي الفرنسي الإنجليزي، الإسرائيلي عام ١٩٥٦ على مصر، أعادت تكوين لجنة المقاومة التي كانت قد دعت إليها عام ١٩٥١”.

أيضا عضويتها في حركة السلام أنتجت زخما وتركيزا على القضايا العالمية، حيث كانت سيزا من أوائل النساء اللاتي شاركن في مطلع الثلاثينيات حملة لنزع السلاح، ونددت في عام 1935 باستخدام إيطاليا للغازات السامة ضد الحبشة، ولا حقا رفض القنبلة الذرية أثناء انعقاد مؤتمر انترلوكين عام 1946 ، كذلك المطالبة بتحرير الجزائر، وكذلك حملة قوية لمنع تنفيذ حكم الإعدام على المناضلة جميلة بوحريد، وغيرها من قضايا الحقوق والحريات حول العالم، لا في مصر فقط.

أما موقفها من القضية الفلسطينية فكان موقف واضح غير مهادن، ومنذ اللحظة الأولى نادت بحق الأرض، ورفضت مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض التي ضللت بها الحركة الصهيونية شعوب الغرب.

شاركت سيزا فى تأسيس الاتحاد النسائي المصري، والاتحاد النسائي العربي سنة 1944 الذي ضم ممثلات للأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر ووضع الدفاع عن حق العرب في فلسطين هدفًا أساسياً له.

كما لعبت سيزا دورًا محوريًا في تأسيس الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، والذي انطلق الاتحاد من العاصمة الفرنسية باريس، قبل أن ينتقل إلى العاصمة الألمانية برلين، وشارك في تدشينه منظمات نسوية من 41 دولة، واختيرت سيزا وكيلة له إلا أنها استقالت من منصبها في وقت لاحق، احتجاجًا على موقفه غير الداعم للقضية الفلسطينية.

سيزا وحق الانتخاب..

حق الانتخاب التي ناضل من أجلها جل الحركة النسوية، وكانوا يعتبرونه الخطوة الكبرى نحو اكتساب حقوقهن، توجن به أخيرا خلال عهد جمال عبد الناصر، حيث كانت سيزا من أوائل المترشحات، وقد كان الحدث لافتا أيضا على مستوى التيارات النسائية في رأي هالة كمال حيث لم تدعم بعض السيدات سيزا في ترشحها، وبشهادة صديقتها المقربة إنجي أفلاطون.

في قصة حق الانتخاب يذكر أن دستور 1956 كان أقره أخيرا، وبعد الحصول على هذا الحق، أقدمت ثماني سيدات على الترشح إلى الانتخابات التي أجريت في العام 1957، وفازت منهن سيدتين هما راوية عطية وأمينة شكري.

ترشحت حينها سيزا عن دائرة مصر القديمة في محافظة القاهرة في مواجهة الإذاعي أحمد سعيد، وقد تحدثت عن قصة ترشحها إلى الدكتور رفعت السعيد، التي أوردها لاحقًا في كتاب «مصر والمرأة في مواجهة التأسلم»، وقالت «اتصل بي عدد من اليساريين وطلبوا مني أن اترشح في دائرة مصر القديمة وكان لي نشاط اجتماعي واسع في هذه المنطقة. وكانت الانتخابات مهزلة. أولًا الاتحاد الاشتراكي امتلك الحق في الاعتراض علي أي مرشح، واتصلوا بي وقالوا لا يجوز أن تترشحي ضد إرادة عبد الناصر وأجبت إجابة طائشة وقلت ولماذا يقف عبد الناصر ضد إرادتي في الترشح. أنا امرأة وأريد أن أثير قضايا المرأة وأن أثبت حقها في مجرد الترشح. لم يعترضوا على ترشحي ولكن حاولوا تلقيني درسًا قاسيًا، فقد حاربوني حربًا قاسية.»

انتهت الانتخابات إلى خسارة سيزا وفوز المرشح المنافس، إلا أنه بحسب رواية للفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون أوردتها في مذكراتها المنشورة بعنوان «من الطفولة إلى السجن»، فإن سيزا كانت الفائزة الفعلية في الانتخابات، لكن عمليات التزوير التي جرت على مرأى ومسمع من الجميع هي التي حالت دون دخولها إلى البرلمان، وفي وصفها لما حدث قالت «ترشحت سيزا فى دائرة مصر القديمة، حيث واجهت المذيع الأشهر أحمد سعيد، الذى كان صوته صارخًا دائمًا فى صوت العرب، فقد مُنِع مندوبو سيزا نبراوى وأغلبهم من اليساريين من دخول اللجان أو الحضور فى عمليات التصويت والفرز وتم التزوير علنًا لصالح أحمد سعيد.»

غيب الموت السيدة سيزا النبراوي عام 1985، في منزلها، وقد نعاها الاتحاد النسائي العالمي في رسالة خاصة، نظرا لما قدمته من جهود وطنية، وإنسانية، كما خلد ذكراها واطلق مسماها على العديد من مدارس الفتيات خصوصا، اعترافا بنضالها في سبيل بناء الحركة النسائية، والإنسانية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى