مجلّد أسود يحتوي عبارات أليمة ، طالت صفاحاته و لزالت تطول امتلأ بالألم و الحرقة و الدموع و الفراق
فهرس الكتاب طويل و طويل دونته إسرائيل ختمه القادة العرب و سجله التاريخ كتب عنوانه بالخط العريض حداد الوطن
وصمة عار و عيب على كل من ساهم في كتابته و لو من بعيد تحتوي أسطره صرخة أم و حرقة كبدها ، بين الكلمة و التي تاليها سقطت أحلام و قصف شباب و غابت ابتسامة ، بين السطر و الذي يليه غلقت أبواب و محقت تطلعات ، بين النقطة والرجوع للسطر لوعة أم ودعت فلذة كبدها فكم من ضهر انقسم و كم من قلب انكسر و كم من روح تعطشت للقاء فقيدها
أي ضوء هذا يزيدنا ضلمة
و أي حياة هذه تزيدنا موت
كم من ابن تيتم و كم من أم أنهكت و كم من بيت هدم
كم من عمر قصف و حلم اندثر و تعب راح سدا و بريق أمل انطفأ كم من حياة اغتيلت و كم من روح عبرت ..
أعيش في عالم ، المراة أغتصبت عذبت و انقتلت
أعيش في زمن ، الطفولة فيه شردت غرقت و دفنت
أعيش في عالم الشاب فيه كالملح ذاب وحلق قبل الآوان
تصادفك الموت لحضات بعد ان كنت تتخبط في بطن أمك لهفتك للحياة تدوم قصيرا فيصدمك واقع الموت
أعيش في عالم مات فيه الجنين و الصغير والشاب و الطبيب و العامل و الطالب والعجوز و كل من أراد الحياة
ألم يقل الشابي اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ؟
قُتِل وقُتِل وقُتِل ، و لن أقول مات فالموت قدر فهل قدر فتاة في عمر الورود أن تموت في مجاري مياه ؟ وهل قدر جنين لم يرتشف من الحياة قطرة أن ينتهي عمره قبل أن يبدأ ؟ هل قدر شاب تبرق عيناه أملا للمستقبل أن يموت قصفا ؟ هل قدر فتيات أن يسقط عمرهن في دموس مظلم ؟ هل قدر جميلة الجميلات أن يسلب عمرها في لمح البصر ؟ هل قدر ملاك الرحمة أن ترحل روحه إلى السماء و يسقط جسده أرضا فيغرد كالعصفور الحزين و هو ينزف ؟
أي قدر أنهكنا و أرهقنا هذا ؟ قدر نديناه فلم يلبينا أو قدر نسي ذكرنا بين البشر ؟
لم أعد أشتم رائحة التراب الفضيلة رائحة الخضراء فرائحة الموت تعم الأرجاء رائحة مخيفة تفقدني رغبتي في الحياة ، شعور مضلم داخلي يعتري كل جسدي أخذ بصيص الأمل الذي كان يملأ روحي ألم ، فراق ، فقدان دموع و شوق ، لم تعد تصادفني هاته الكلمات في القصائد و الكتب و الروايات بل أصبحت قهوتي كل صباح أسمعها في ومضة الأخبار أتقيأها بين اليوم و الآخر
ما السبيل للعيش في عالم لم تدركه دناسة البشر بعد ؟
من ينعتني على أرض أستطيع العيش فيها دون الخوف من مستقبل مضلم أو مصير مجهول أرض عفيفة لا تفتك فيها الأعمار و لا الأرواح و لا الأحلام تحتضنني كما تحتضنني أمي أحبها كما أحب فلسطين فحب الوطن عزيز أفتخر و أتغنى به أحيا فيه ولا أفنى، أعيش و لا أتعايش، أعتاده ولا أتعود عليه أغني فيه الحياة وليس الرثاء أقيم الأعراس لا العزاء و الفرح لا الفناء ففي وطني حتى و لو طالت الأعمار نعيش موت الوجدان و الإنسانية بكافة أصنافه و تضاريسه ؟ فهل من عالم يضخ فينا حب الحياة و يتقي الله في شعوبه ؟