كفل الدستور حرية تكوين الأحزاب وضمان حق الانضمام إليها وفق ضوابط ينظمها القانون. ويقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام الدستور والقانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسؤوليات الحكم.
وتنص المادة (5) من الدستور المصري المعدل في 2019، على أن “يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور”.
ووفق المادة (74) من الدستور “للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري”. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي”.
ومن الضوابط التي يشترطها القانون في الأحزاب عند التأسيس، بموجب المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977؛ عدم تأسيس أى حزب على أساس ديني أو طبقي أو طائفي، وألا تتعارض مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع المبادئ الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومى المصرى أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي. وكذلك يشترط القانون “عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية، وعلانية مبادئ الحزب وتنظيماته ومصادر تمويله”.
وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تلتزم مصر بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته، حيث تنص المادة (19) منه على أن لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. وتنص المادة (22) على أن لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.
لا يخلو قانون الأحزاب الحالي من الإشكاليات، لعل أبرزها تعارض القانون مع حرية تكوين الأحزاب المنصوص عليها في الدستور؛ إذ أنه بالرغم من إقرار الدستور في مادته الـ74 لحرية تكوين الأحزاب السياسية، وأن يكون تأسيس الأحزاب بإخطار، إلا أن الدستور أحال تنظيم ذلك الإخطار إلى القانون، وعلى هذا نجد أن تلك الإحالة إلى القانون قد فرغت مادة الدستور من مضمونها، حيث أقر القانون في مادته السابعة بوجود لجنة قضائية تختص بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب، وترتب على ذلك أن ذلك الإخطار أصبح طلب للترخيص.
ولذلك فالقانون لم يخرج من نموذج الترخيص، حيث أنه طبقا لهذا القانون لن تقوم الأحزاب بالإخطار بل ستقوم بالترخيص، وذلك بإعطاء لجنة الأحزاب المنصوص على تشكيلها في المادة (8) الأحقية في الاعتراض على إنشاء الحزب خلال 30 يوما، كما وسع القانون من اختصاصات هذه اللجنة في البحث والاستقصاء واللجوء لجهات أخرى لجمع المعلومات دون تحديد هذه الجهات.
كما اشترط القانون في مادته السابعة، أيضًا، نشر أسماء الـ 5000 عضو في صحيفتين يوميتين، مما يكلف مبالغ طائلة لا تستطيع العديد من الأحزاب الجديدة توفيرها، وتعد هذه القيود القانونية تعسفية وتعارض حرية تكوين الأحزاب التي نص عليها الدستور.
أيضا، إلغاء الدعم المادي المقدم للأحزاب من الدولة من أبرز الإشكاليات التي تعرقل ازدهار الحياة الحزبية في مصر، حيث ألغى المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011 الدعم المادي الذي كان يتم تقديمه للأحزاب عن طريق الدولة، إذ نصت المادة (11) من القانون (بعد تعديلها) على أن موارد الحزب تتكون من اشتراكات أعضائه وتبرعات الأشخاص الطبيعيين المصريين وكذلك من حصيلة استثمار أمواله في الأوجه غير التجارية التي يحددها نظامه الداخلي.
ولا يجوز للحزب قبول أي تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبي أو من جهة أجنبية أو دولية أو من شخص اعتباري ولو كان متمتعا بالجنسية المصرية. بينما كانت الأحزاب – في ظل سريان القانون رقم 177 لسنة 2005 – تتلقى دعم مالي من الدولة.
حيث حددت المادة (11) من قانون الأحزاب السياسية مصادر تمويل الأحزاب، وقد ألغى التعديل الدعم المالي السنوي الذي تقدمه الدولة للأحزاب كأحد مواردها، ومن ثم ألغى المادة (18) من هذا القانون، والتي كانت تقدر هذا الدعم المالي السنوي وشروطه، ويتوزع هذا الدعم بواقع مائة ألف جنيه سنويا لكل حزب لمدة عشر سنوات شريطة أن يحصل على مقعد واحد في انتخابات مجلس الشعب أو الشورى لاستحقاق هذا المبلغ بعد هذه المدة، هذا بالإضافة إلى خمسة آلاف جنيه عن كل مقعد يفوز به مرشح الحزب في هذه الانتخابات بحد أقصى خمسمائة ألف جنيه للحزب الواحد، وبطبيعة الحال فإن الحزب لا يحصل على هذا الحد الأقصى إلا إذا كان له مائة مقعد بالانتخاب في مجلسي الشعب والشورى.
وزاد على ذلك، أن تعديل المادة (11) أضاف عبارة تقضى بألا تخصم قيمة تبرعات الأشخاص الطبيعيين المصريين كأحد موارد الحزب من الوعاء الضريبي لهؤلاء الأشخاص، مما يزيد من عزوف هؤلاء الأشخاص عن تقديم التبرعات لهذه الأحزاب أكثر مما هي عليه في الوقت الحاضر.
وفي ضوء هذه التعديلات تحرم الأحزاب السياسية كلية من الدعم السنوي المتواضع الذي كان يقدم إليها من قبل الدولة، كما أنها تحد من تشجيع تقديم التبرعات إليها من قبل الأشخاص الطبيعيين المصريين طالما لا تخصم قيمة هذه التبرعات من وعائهم الضريبي، ومن ثم لن يبقى من مصادر تمويل الأحزاب غير اشتراكات أعضائها وحصيلة استثمار أموالها من مصادر تمويل الأحزاب غير التجارية فقط.
ويرى الكثير من الباحثين أنه لا يوجد مبرر لحرمان الأحزاب السياسية في مصر من الدعم السنوي الزهيد الذي كان يتقرر لها من الدولة، لأن ما ترتب عليه هو أن كثير من الأحزاب بما فيها القائمة منذ سنوات طويلة غير قادرة على استئناف نشاطها لأن مواردها باتت معتمدة على اشتراكات الأعضاء؛ ولذلك أصبحت الأحزاب النشطة في الغالب أحزاب رجال الأعمال.
جدير بالذكر أن قانون نظام الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 خضع منذ صدوره في العام 1977 لتسعة تعديلات متعاقبة، أولها كان القرار بقانون رقم 36 لسنة 1979؛ أما آخر هذه التعديلات فكان بموجب المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011، والذي جاء بعد ثورة 25 يناير وفي أعقاب الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011. وتمت أربعة من هذه التعديلات التسعة بالطريق الاستثنائي في غيبة البرلمان، أي صدرت في صورة قرارات أو مراسيم بقانون من قبل السلطة التنفيذية، أي بنسبة تعادل نحو %44.4 من عددها الإجمالي.
يذكر أن عدد الأحزاب في مصر وصل إلى 104 أحزاب سياسية مسجلة رسميا فى نظام الدولة، ومعتمدة من لجنة الأحزاب حتى العام 2018، لكن معظم هذه الأحزاب موالي للنظام، فيما تواجه الأحزاب المعارضة تضييقات خاصة تلك التي ما زالت قيد التأسيس مثل حزب “العيش والحرية” الذي جرى إعلان بيانه التأسيس؛ ومؤخرا واجه السياسي أحمد الطنطاوي وعدد من أنصاره ملاحقات قضائية وأمنية على خلفية عزمه تأسيس حزب سياسي يحمل – وفق بيانه التأسيسي – اسم “تيار الأمل”.