بيانات صحفية

#بيان .. مصر: سجل الحكومة المصرية الحقوقي تحت مجهر الأمم المتحدة

الدول تدعو إلى إصلاحات جذرية والمجتمع المدني المصري يندد بالقمع الوحشي

 

انتهت مساء الثلاثاء 28 يناير الجاري، فعاليات المراجعة الشاملة الرابعة للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة في جنيف، ضمن الدورة الـ 48 لآلية الاستعراض الأممية، والمنعقدة بعد أسبوع واحد من تحذيرات المجتمع المدني المصري من موجة قمع جديدة ضد المجتمع المدني وتكثيف الحملة الأمنية ضد الحقوق الأساسية في البلاد، وتحذيرات من مواصلة السلطات المصرية تجاهل ضمان المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة وإساءة استخدام السلطة، وتضاعف قمعها الوحشي في محاولة لإسكات أي نقد لأفعالها، ومصادرة أي فرصة لمنافسة سياسية أو اقتصادية حقيقية.

في جلسة الاستعراض، وكالمعتاد، واصلت الحكومة المصرية حالة الإنكار المتعمد لكافة الانتهاكات الحقوقية المشار لها في التقارير الأممية وتقارير المنظمات المصرية والدولية، مكتفية بالترويج لمبادرات “رنانة” مثل الاستراتيجية الوطنية والحوار الوطني ولجنة العفو، وتزيف الحقائق بإصلاحات وهمية لا تطبيق لها على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال، وفيما يخص مقترح قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي نال انتقاد ورفض واسع بسبب تعدي نصوصه الفج على ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق المتهم والدفاع ومخالفته للدستور والالتزامات الدولية؛ ادعى ممثل الحكومة أن مقترح القانون يضمن تحقيق العدالة، مكتفيًا بالإشارة لبعض المواد المتعلقة بالتعويض عن الحبس الخاطئ، وحماية الشهود وتنظيم مراقبة المكالمات الهاتفية. بينما لم يتطرق للصلاحيات الواسعة التي منحها القانون للنيابة العامة في تعطيل كل هذه الإجراءات وغيرها، دون أي ضوابط، فضلاً عن منحها الحق في الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في مراقبة المراسلات والتفتيش، ومباشرة التحقيق مع المتهم في غياب محاميه، وحرمان المحامي من الحديث خلال التحقيق إلا بإذن عضو النيابة. علاوة على ما يمنحه القانون من حصانة لرجال النيابة والتفتيش القضائي وتكريسه لممارسات التعذيب وضمان إفلات المسئولين عنه من المحاسبة.

وبالمثل ادعى ممثل النيابة العامة في الوفد الحكومي، أن الحوار الوطني ولجنة العفو كانا سببًا في الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، لكنه لم يشر إلى أضعاف المفرج عنهم الذين تم احتجازهم بتهم مختلقة مكررة، وآخرين تم تدويرهم على قضايا جديدة بمجرد إخلاء سبيلهم أو انقضاء حكمهم. ناهيك عن المحتجزين احتياطيًا لمدد تتجاوز الحد القانوني للحبس الاحتياطي، رغم الادعاءات بـ ” مراجعة كل ملفات المحبوسين الاحتياطي.” بل أن بعضهم، وبدل من التعويض عن حبسهم المطول، تمت إحالتهم مؤخرًا لمحاكم الإرهاب. كما روج ممثل النيابة العامة للسجون الجديدة كإنجاز يحسب للحكومة، متغافلا سوء المعاملة والتنكيل بالمحتجزين في هذه السجون إلى حد دفع ببعضهم لمحاولة الانتحار أو الإضراب عن الطعام. ورغم مزاعم ممثل النيابة بـ “التفتيش الدوري لمرافق الاحتجاز والاستماع لشكاوى المحتجزين وذويهم”، إلا أن تعمد النيابة تجاهل التحقيق في دعاوى الإخفاء القسري والتعذيب والحبس الانفرادي غير المبرر، وفقًا لشهادات وثقتها منظمات حقوقية، يبرهن كذب ادعائه.

وعلى صعيد المشاركة السياسية، اعتبر الوفد الحكومي أن قانون الأحزاب الذي يكفل حق التأسيس بالأخطار مؤشر على حرية المشاركة السياسية، متجاهلاً قيادات حزبية وسياسيين يقبون في السجون لمجرد انخراطهم في العمل الحزبي أو السياسي، ناهيك عن الاحتفاء بنزاهة الانتخابات الرئاسية، تم الزج خلالها بمنافسي الرئيس في السجون ومنع مؤيديهم من مجرد تحرير التوكيلات! وفيما احتفى الوفد الحكومي بزيادة عدد الصحف والمحطات والمواقع الإخبارية، لم يشر إلى مئات المواقع الصحفية المستقلة المحجوبة في مصر لمجرد انها تعارض النظام، أو عشرات الصحفيين المحتجزين بسبب عملهم.

كان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قد أعد ورقة عمل، خلال فترة الاستعداد للاستعراض، تجمع توصيات المجتمع المدني المدرجة في مختلف تقاريره المقدمة للأمم المتحدة، والمتعلقة بخمسة محاور أساسية أعتبر المركز أن على الحكومة المصرية منحها الأولوية لمعالجة أزمات حقوق الإنسان ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية. وتشمل هذه المحاور؛ السماح بالمشاركة السياسية بما في ذلك الانتخابات الحرة والنزيهة؛ ضمان استقلال القضاء والمحاكمات العادلة؛ إنهاء التعذيب والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي؛ ووقف القمع الوحشي للمجتمع المدني وحرية التعبير؛ ووضع حد للتمييز والعنف الحكومي ضد المرأة والأقليات.

وفي ندوة نظمتها مجموعة من المنظمات الحقوقية قبل ساعة واحدة من بدء جلسة الاستعراض، تولى مجموعة من الحقوقيين المصريين الرد على ادعاءات الحكومة المصرية وتقريرها الوطني، مسلطين الضوء على تفشي التعذيب في السجون، وممارسات التنكيل المستمرة بالمحتجزين، وتوظيف قوانين الإرهاب للزج بالصحفيين والسياسيين والمدافعين في السجون. واستضافت الندوة أيضًا الأم المصرية ليلى سويف، المضربة عن الطعام منذ 120 يومًا احتجاجًا على تمديد حبس أبنها علاء عبد الفتاح رغم انتهاء مدة عقوبته في سبتمبر 2024. وذلك على خلاف ما ادعى ممثل الحكومة المصرية في كلمته بأن مدة عقوبة علاء تنتهي في 2027. إذ تتعمد السلطات عدم احتساب فترة حبسه الاحتياطي من ضمن مدة العقوبة بالمخالفة للقانون، فضلاً عن تعرضه لمحاكمة غير عادلة أمام محكمة استثنائية، إمعانًا في التنكيل به. كما شاركت بالندوة ابنة الحقوقية هدى عبد المنعم، جهاد خالد، والتي سلطت الضوء على (تدوير) أمها على أكثر من قضية لضمان تمديد حبسها بعد انقضاء مدة العقوبة الجائرة الصادرة بحقها. ومن المشاركين في اللقاء أيضا، زوجة السياسي أحمد الطنطاوي، الإعلامية رشا قنديل، التي قدمت شهادتها حول الممارسات الانتقامية بحق زوجها وحملته ومؤيديه، لمجرد تجرؤه على منافسة الرئيس في الانتخابات الرئاسية.

المنظمات الحقوقية كانت قد قدمت أيضًا عدة تقارير لألية الاستعراض الأممية خلال فترة الإعداد للاستعراض، فندت فيها ادعاءات الوفد الحكومي، ودحضت معظم الأكاذيب الواردة في التقرير الوطني المقدم للأمم المتحدة. مسلطة الضوء على مدى تخاذل الحكومة المصرية عن تنفيذ ما قبلته من توصيات في جلسة الاستعراض الثالثة في 2019. وذلك من خلال تقارير فردية، وأخرى جماعية توثق لانتهاكات متنوعة على مدى السنوات الخمس الماضية، تنقل صورة عامة حول حالة حقوق الإنسان، إضافة لتقرير نصف المدة الذي قدمته المنظمات في نهاية 2022، في منتصف فترة الاستعراض. وقد تضمنت هذه التقارير توصيات محددة طالبت المنظمات الحكومة بتنفيذها إذا كانت ترغب فعلاً في التغيير.

ومن الجدير بالذكر، أن العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المشاركة في جلسة الاستعراض أمس الأول قد تنبت بالفعل، عددًا من هذه التوصيات وقدمتها للحكومة المصرية. فثمة 20 دولة على الأقل أوصت بتعليق عقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها، وأخرين طالبوا بانضمام مصر للبروتكول الاختياري لمناهضة التعذيب (حوالي 10 دول) والتحقيق في جرائم التعذيب المرتكبة في السجون وتقديم الجناة للمحاسبة، وتوقيع اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري (أكثر من 15 دولة). كما أوصت دول منها بلجيكا والنمسا وأستراليا بضمان المحاكمة العادلة. فضلاً عن أكثر من 12 الدول أوصت بإنهاء الحبس الاحتياطي المطول وممارسات التدوير والإفراج عن المعتقلين تعسفًا. كما تبنت العديد من الدول توصيات بإصلاحات قانونية، منها مراجعة قوانين الإرهاب، وقانون العقوبات، والقوانين المنظمة لحرية الصحافة والإعلام والجرائم الإلكترونية، وقوانين تنظيم العمل الأهلي، والقوانين المتعلقة بمكافحة التمييز ضد المرأة.

المنظمات الموقعة أدناه تؤكد أن وضع حقوق الإنسان في مصر الآن أسوأ من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، وأن الحكومة المصرية تمتلك القدرة والسلطة للاستجابة لهذه التوصيات واتخاذ تدابير فعالة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكن العقبة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية.

المنظمات الموقعة:

  • مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  • جمعية عنخ
  • لجنة العدالة
  • المفوضية المصرية للحقوق والحريات
  • الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
  • المنبر المصري لحقوق الإنسان
  • ايجيبت وايد
  • مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
  • مركز النديم
  • مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى