يتذكرونهم عند إشراقة كل شمس، وفي رائحة الوسادة التي تتكئ على أسٍرتهم الباردة، وقمصانهم التي لا تزال موضبة على ثنيتها في الخزانة منذ أعوام، يحلمون كل ليلة بلقائهم، وعلى الرغم من مرور سنوات على فقدانهم إلا أنهم مازالوا ينتظرونهم، ويتخيلون لحظة لقائهم الأسطورية ويتأهبون لها دون جدوى، ويهرعون إلى كل سجين أعيدت له الحرية يتقصون أخبارهم ولكنهم يرجعون بالخيبة .. وما زالوا يبحثون …
تعاني اسر المختفين قسريا من طول فترة غياب ذويهم وخصوصا الضحايا الذين تعرضوا للاختفاء القسري أثناء فترة الأحداث الدامية التي حدثت عقب 3 يوليو 2013.
وثقت حملة أوقفوا الاختفاء القسري تعرض أكثر من 20 شخص للاختفاء القسري والفقد خلال عام 2013 ولم يظهروا حتى الان ومنذ ذلك الحين تغير الكثير والكثير في حياة ذوي الضحايا وتنوعت معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
وتسلط حملة أوقفوا الاختفاء القسري الضوء على جزء من معاناة أهالي المختفين قسريا في رحلة البحث عن ذويهم.
حنان بدر الدين عبد الحفيظ عثمان تعرض زوجها للاختفاء القسري من محيط مدينة نصر أثناء أحداث المنصة يوليو 2013، حيث خرج خالد من المستشفى الميداني متأثراً بإصابته في عربة إسعاف، عرفت زوجته ذلك عن طريق أطباء المستشفى الميداني، فتوجهت إلى المستشفيات المحيطة بميدان رابعة العدوية، ومستشفيات أخرى بالقاهرة بما فيها مستشفى القبة العسكري ومستشفى سجن طره. انتقلت أيضاً للبحث عنه في المشارح، وقامت بعمل تحليل DNA ولكن لم تتطابق نتيجة التحليل مع الجثث التي تواجدت بالمشرحة بعد أحداث المنصة أو عقب فض اعتصام رابعة العدوية.
اتجهت زوجة خالد للبحث عنه في السجون ومعسكرات الأمن المركزي ولكن الرد دائما كان بأن الاسم غير مدرج بالكشوف.
كانت حنان بدر الدين تسلك كل السبل القانونية كما ذكر سابقاً، وقامت أيضاً باتخاذ طرق أخرى سلمية للتوصل إلى أي معلومة قد تعرف من خلالها مصير زوجها المفقود إلا أن رحلة البحث والكتابة عن خالد توقفت عندما تم القبض عليها داخل سجن القناطر في 7 مايو 2017 من أمام بوابة سجن القناطر وكان سبب تواجدها هناك هو علمها بأن أحد الأشخاص كان مختفيا لمدة عام وظهر وحاولت أن تعرض عليه صور واسم زوجها لعله يدلها على معلومة تستطيع البحث بها عنه.
لم تتوقف معاناة حنان بدر الدين على القبض وتوقف البحث عن زوجها ولكنها تعرضت لوعكة صحية منذ دخولها السجن حيث تعاني من حمى البحر المتوسط ولم تتلقى العلاج اللازم لها كما أنها تعاني من استمرار حبسها احتياطا لأكثر من عام وحتى الآن الا أنها دخلت في إضراب عن الطعام في 6 أغسطس الحالي وحتى البث في أمر حبسها احتياطيا في القضية رقم 5163 لسنة 2017 .
إبراهيم عبد المنعم متولي حجازي تعرض ابنة للاختفاء القسري حيث ألقي القبض عليه بواسطة قوات تابعة للقوات المسلحة بتاريخ 8 يوليو 2013 من شارع الطيران بمدينة نصر بالقاهرة، بالقرب من دار الحرس الجمهوري في الساعة الثامنة صباحا.
قام والده بالبحث عنه ضمن المقبوض عليهم في قضايا أحداث الحرس الجمهوري وتبين عدم وجوده ضمنهم. كما قام بالبحث عنه في المستشفيات ضمن الجرحى، والقتلى، لكن دون جدوى وكذلك لم يتم التعرف عليه ضمن الجثث المجهولة بالمستشفيات أو في مشرحة زينهم.
سعى إبراهيم متولي للبحث عن ابنة المختفي عن طريق مجموعات عرفت باسم رابطة اسر المختفين قسريا حيث كانت تتجمع أهالي المختفين بشكل يومي للبحث عن ذويهم في أماكن مختلفة من أجل الحصول على معلومات عنهم.
ألقت عناصر أمن المطار القبض عليه في 10 سبتمبر 2017 خلال إنهاء إجراءات سفره إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حيث كان قد أعد ملفا كاملا عن قضية “الإخفاء القسري” في مصر لعرضه على مجموعة عمل دولية تناقش القضية. تم اقتياده إلى مقر الأمن الوطني بالعباسية وتم حرمناه من الاتصال بالعالم الخارجي مثل ذويه أو محاميه منذ 10 سبتمبر التاسعة صباحا وحتى ان تم التحقيق رسميا من قبل نيابة أمن الدولة يوم 12 سبتمبر الرابعة عصرا. تم تجريده من جميع ملابسة، تم كهربته في أماكن متفرقة في الجسد (مفاصل اليد – الصدر – الخصيتين). تم سكب مياه باردة على جسده وإعادة كهربته مرة أخري وتم تصويره بدون ملابس.
وانتقل بعد ذلك إلى سجن طرة شديد الحراسة بعد أن اتهمته نيابة أمن الدولة بتولي قيادة جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، التواصل مع جهات خارجية، نشر أخبار كاذبة في القضية رقم 900 لسنة 2017.
ثم تعرض في سجن طرة لجملة من الانتهاكات عن طريق الحبس في غرفة مليئة بالقاذورات، بها حمام غير صالح للاستخدام الآدمي، تم فصل التيار الكهربائي عن الغرفة، غلق الشباك الموجود بالغرفة مما ادى الى غلق منفذ الضوء الوحيد وتم غمر الغرفة بالمياه، وايضا عدم سماح السجن بدخول أي أدوات نظافة شخصية أو حتى دخول ملابس داخلية حيث انه حضر” أول تجديد 20 سبتمبر إلى النيابة بملابس السجن المتسخة وكان لا يرتدي ملابس داخلية”. وتم منعه من التريض بشكل نهائي حتى انه اتهم إدارة السجن في جلسة 9 أكتوبر بالقتل البطيء.
لم تكن حنان بدر الدين ولا إبراهيم متولي هم الوحيدين الذين تضرروا من اختفاء ذويهم والبحث عنهم فهناك من مات قبل أن يعرف مصير أبنائه، وهناك اسر تعرضت لضغوطات اقتصادية واجتماعية حيث أن الشخص المختفي هو العائل الوحيد وغيرهم الكثير والكثير من قصص معاناة أهالي المختفين وذويهم.
ويعتبر الاختفاء القسري جريمة لا تسقط بالتقادم طبقا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 والتي عرفت الاختفاء القسري على أنه”الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”
ولكن المشرع المصري لم يعتمد نصا صريحا لتجريم الاختفاء القسري على الرغم من تجريمه للانتهاكات الناتجة عن الاختفاء القسري كحظر التعذيب وضرورة حماية الأشخاص قانونيا عن طريق التواصل مع ذويهم ومحاميهم ، غير أن بعض التشريعات التي صدرت مؤخرا مثل القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن قانون مكافحة الإرهاب والتي جاءت المادة 8 و 40 و 41 و42 منه بقواعد تقنن الاختفاء القسري وتعطى القائمين على إنفاذ القوانين – رجال الشرطة والقوات المسلحة وغيرهم من الموظفين الممنوحين صفة الضبطية القضائية بقانون او بقرار من وزير العدل – سلطات بالمخالفة للدستور وتعفيهم من العقاب وتقنن الاستعمال غير المشروع للقوة.
وبالتزامن مع اليوم الدولي لمساندة ضحايا الاختفاء القسري تدعوكم حملة أوقفوا الاختفاء القسري للتدوين يوم الخميس 30 أغسطس عن ضحايا الاختفاء القسري ومعاناة ذويهم في رحلة البحث عنهم على الهاش تاج #سنوات_من_المعاناة #أوقفوا_الاختفاء_القسري
وتطالب حملة أوقفوا الاختفاء القسري
أولا: سرعة الإفراج عن الأستاذ إبراهيم متولي والدكتورة حنان بدر الدين.
ثانيا: سرعة الإفصاح عن طريق ذويهم وعن كل المختفين قسريا منذ 2013 وحتى الآن.
ثالثا: التحقيق الفوري والعادل في البلاغات المقدمة من أهالي المختفين قسريا ومحاميهم الذين ما زالوا قيد الاختفاء القسري.