المفوضية المصرية للحقوق والحريات تطلق دراسة قانونية عن التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء
22 أبريل 2019
أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات دراسة قانونية بعنوان “دستوريًا بشأن التعديلات اللا دستورية”،قدمت فيها تحليلًا قانونيًا مفصلًا عن التعديلات الدستورية المعروضة للاستفتاء، ومدى تعارضها مع المبادئ الدستورية الأخرى، ومخالفتها المباشرة لنص المادة 226 من الدستور المصري المنظمة لشروط تعديله تحديدا فيما يخص تعديل المادة 140 والنص الانتقالي الذي تم اضافته المعنيين بعدد فترات الرئاسة المسموح بها دستوريا. وقد عرضت الدراسة مناقشة مُعمقة لعددٍ من الآراء القانونية المتباينة بشأن مدي جواز الطعن على أي من إجراءات عملية تعديل الدستور أمام المحاكم، من خلال دراسة أحكام المحاكم العليا في ذات الصدد.
وقد اعتمدت الدراسة في منهجيتها على التحليل والنقد القانوني المسند للطلب المقدم من أعضاء مجلس النواب بالتعديلات المقترحة باستخدام البحث القانوني المتكامل في دساتير والتشريعات والأحكام القضائية العليا الصادرة من المحكمة الدستورية العليا ومحاكم مجلس الدولة ومحكمة النقض المصرية. وتقوم منهجية التحليل المتبعة على استخلاص الإشكاليات المثارة حول عملية تعديل الدستور ومدى دستورية الإجراءات والقرارات الصادرة من مجلس النواب بشأنه من خلال طرح كافة الأسانيد القانونية المسندة لوجهة نظرنا في الرد على تلك الإشكاليات.
خلصت الدراسة إلى أن التعديلات المقترحة تهدر العديد من المبادئ الدستورية المستقر عليها، وفي مقدمتها مبادئ الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات. كما أكدت على بطلان عملية تعديل الدستور وكافة الإجراءات والقرارات المتعلقة بها، وذلك لمخالفتها الصريحة والضمنية لنص المادة 226 من الدستور المصري والتي حددت ثمانية شروط أساسية يجب توافرها في طلب تعديل الدستور، وهو ما افتقر إليه طلب التعديل المقدم من أعضاء مجلس النواب. ولكن نوهت أيضًا إلى أن هذا البطلان سيفتقد لأثره القانوني بمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء، في حالة الموافقة على التعديلات، وهو ما يوضح رغبة الحكومة المصرية في تمرير التعديلات بالتعجل في دعوة الناخبين للتصويت على التعديلات الدستورية بمجرد تمريرها بالبرلمان.
وقد شددت الدراسة على خطورة التعديلات المتعلقة بنصوص السلطة القضائية والتوسع في إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية، حيث تمنح التعديلات لرئيس الجمهورية سلطة اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية والتحكم في أمور ترقياتهم وندبهم، وأيضًا تمنح رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية وسلطة تعيين النائب العام، مما يشكل تغولًا كاملًا على القضاء وإهدارًا لاستقلالية السلطة القضائية، وهي السلطة المنوط بها انصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو مخالفة السلطات الأخرى للقانون والدستور. وكذلك أوضحت الدراسة خطورة التوسع الشديد الذي تقترحه التعديلات الدستورية في إمكانية إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لحقوق المواطنين في الخضوع لمحاكمات عادلة وحيادية، وكذلك تشكل انتهاكا لالتزامات مصر الدولية في ذات الشأن وفقًا للمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
كذلك أشارت الدراسة لخطورة توسع دور القوات المسلحة في العملية السياسية وجعلها مؤسسة عليا حامية للدستور ومفسره لمبادئه، مما يعطيها سلطة وصلاحية تتجاوز سلطة وصلاحية المحكمة الدستورية العليا، مما يعصف بكل الأعراف والمبادئ الدستورية المستقر عليها، وينّصب من المؤسسة العسكرية قابضًا على مقاليد الحكم في البلاد للأبد، ويشكل تهديدًا مباشرًا لمبدأ التوازن بين السلطات كأساس للحكم في الدولة.
أيضًا، أوضحت الدراسة أن التعتيم الذي أحاط بعملية التعديلات الدستورية ككل، بداية من طرح طلب التعديلات داخل المجلس، مرورا عملية مناقشتها، وحتي تمريرها داخل مجلس الشعب، بالإضافة إلى المناخ السياسي شديد السوء الذي لا يُسمح فيه بأي شكلٍ من أشكال المعارضة السلمية، قد شكلا انتهاكا صارخًا لحق المواطنين في المشاركة في الشؤون العامة واتخاذ القرار وكذلك حرية الرأي والتعبير اللازمتان في مجال الاستفتاءات الدستورية، وذلك باعتبار الدستور هو عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين السلطات الحكم في الدولة والشعب، ويجب أن يعرض على جموع المواطنين ويتاح لهم كافة السبل في الفهم والتفاعل مع هذه النصوص الدستورية الجديدة والتي ستنظم العلاقة بينهم وبين سلطات الحكم في الدولة المختلفة، وكذلك تنظم العلاقة بين مؤسسات الدولة وبعضها البعض.
واقترحت الدراسة من ذلك مدخلًا للطعن على علمية التعديلات الدستورية أمام المحاكم العليا، حيث استبعدت المداخل القانونية الأخرى التي يمكن الاستناد إليها للطعن قضائيًا على عملية التعديلات الدستورية، كالاستناد للمادة 157 من الدستور للطعن على قرار دعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات، والتي أوضحت الدراسة عدم جدوى الاستناد عليها وذلك لمخالفتها للمبادئ القانونية الراسخة بقضاء المحاكم العليا.
وفي المجمل ألقت الدراسة الضوء على خطورة التعديلات الدستورية التي تضرب بمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عرض الحائط وتشكل مخالفة صريحة لالتزامات مصر الدولية بشأن تعزيز وتوطيد الديمقراطية وفقًا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 55/96 لعام 2001، والذي ناشد الدول الأعضاء بتعزيز الديمقراطية وتوطيدها بكافة السبل والتي من بينها إشراك الأفراد إلى أقصى حد في عملية صنع القرارات وفي إقامة مؤسسات عامة وفًعالة، بما في ذلك إنشاء جهاز قضائي مستقل.
لقراءة الدراسة القانونية