عامان وتسعة أشهر أتمهما طالب اللجوء اليمنى عبد الباقى سعيد بالإحتجاز، بعد أن قررت محكمة جنايات إرهاب القاهرة المنعقدة بمحكمة بدر فى 25 أغسطس الماضي تجديد حبسه لمدة 45 يوما أخرى، في القضية رقم 2993 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، والتى يواجه بها تهم تتعلق بالإنضمام لجماعة إرهابية وإزدراء الأديان، لتكون بذلك من أطول فترات الحبس الإحتياطى بالمخالفة لقواعد وضوابط هذا الحق فى الدستور والقانون والمواثيق.
الأمر الذي دفع طالب اللجوء أن يعلن امام هيئة المحكمة إضرابه عن تناول أدوية أمراض القلب التى يعانى منها لعل ذلك الإحتجاج يحرك ساكنا فى حالته، حيث تدهورت الظروف الصحية للسيد/ عبد الباقى بشكل كبير أثناء الاحتجاز منذ القبض عليه في ديسمبر 2021، حين ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله بعد تدوينة له على حسابه بـ”فيسبوك” تحدث فيها عن إيمانه وعقيدته التي يعتنقها منذ 2013، أي قبل القدوم واللجوء إلى مصر.
ثم ظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا في ديسمبر 2021 متهما على ذمة القضية المذكورة، وكان من المقرر ترحيله إلى اليمن بعدما أصدرت له السلطات المصرية بالتعاون مع السفارة اليمنية بالقاهرة وثيقة سفر صالحة لمدة شهر، لكن بعد مشاورات مع الأمم المتحدة تمكن عبد الباقى من تجنب الإعادة القسرية التى كانت تشكل تهديدا على سلامته، حيث كان طالب اللجوء قد سبق اضطهاده، وتم التعدي عليه وحرق منزله بدولة اليمن، ما أدى إلى وفاة زوجته متأثرة بحروقها وإصابة ابنه الأكبر.
تخالف السلطات المصرية بذلك الإحتجاز التعسفى لأكثر من عامين الدستور المصري والإتفاقيات الدولية الملزمة، حيث حظيت الحرية الشخصية بالحماية الدستورية في المادة (54) من الدستور المصري، كما تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لذلك لا يجوز المساس بحرية التنقل إلا بإجراء القبض أو الحبس الاحتياطي، على أن يتم أيٌّ من الإجراءين في إطار ضمانات يرسمها الدستور والقانون، في ظل الحماية الدستورية لجوهر الحرية الشخصية، وأن الأصل في المتهم البراءة، أيضا المواد 6،7،9،14، و18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه مصر في 14 يناير 1982، تقرر حق الفرد في الحرية والأمان على شخصه، حيث تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: “لكل شخص حرم من حريته بالاعتقال أو الاحتجاز الحق في رفع دعوى أمام محكمة لكي تفصل تلك المحكمة دون إبطاء في مشروعية اعتقاله وأن تأمر بإطلاق سراحه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.
مما دفع المقررون الخواص للأمم المتحدة المعنيين بالإحتجاز التعسفى، والإختفاء القسري، وحقوق الإنسان للمهاجرين، وحماية حرية الدين والمعتقد والفكر والتعبير، إلى مخاطبة الحكومة المصرية من اجل الإفراج عن اللاجئ عبد الباقى سعيد ووقف قرار الترحيل المحتمل، حيث سبق واقتادت السلطات المصرية في 23 يونيو 2022، السيد/ عبد الباقى إلى سفارة اليمن لإصدار السفارة وثيقة صالحة لمدة شهر قيل إنها تهدف إلى السماح بترحيل طالب اللجوء، الأمر الذي كان يشكل مخالفة للقانون وتهديدا لحياة طالب اللجوء.
وفيما يخص المخالفة الدستورية للحبس الاحتياطي، كونه إجراءً فيه الكثير من المساس بالحرية الشخصية ويكون سببًا للزج بمتهمين في السجون لسنوات على ذمة قضايا دون أدلة كافية، كما تصدر أوامر الحبس عن جهات غالبًا ما تجمع بين سلطة الاتهام والتحقيق، فقد انتهكت السلطات المصرية نصوص الدستور بالقرار رقم 83 لسنة 2013 بتعديل أحكام قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، الفقرة الثالثة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية ويقضي بأنه في حالة صدور حكم بالإعدام أو بالمؤبد، فإن للمحكمة أن تأمر بحبس المتهم احتياطيًّا لمدة 45 يوًما قابلة للتجديد، دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة الثانية من نفس المادة، والتى لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي بموجبها على ثلاثة أشهر.
وتؤكد المفوضية المصرية أنه بالإضافة إلى الإحتجاز التعسفى، فإن حتى التهم الموجهة إلى طالب اللجوء غير ثابتة وما ينسب إليه يدخل فى إطار الحق فى حرية الرأى والتعبير، وحرية الدين والمعتقد، وأن الحق في حرية الدين أو المعتقد والتعبير السلمي عنهما محمي بموجب القانون الدولي في المادتين 18 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما ينص إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لعام 1981 (في المادة 2): “لا يجوز أن يتعرض أحد للتمييز من قبل أي دولة أو مؤسسة أو مجموعة من الأشخاص أو شخص على أساس الدين أو المعتقد الآخر”
كما تنص المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والموقعة عليها مصر، أنه “لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد لاجئًا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية”
وعلى ما تقدم، فإن المفوضية المصرية للحقوق والحريات تطالب السلطات المصرية بالإفراج الفورى عن اللاجئ عبد الباقى سعيد، وتحمل السلطات المسئولية عن حالته الصحية، وتقديم دليل على صدق نواياها فى تحديد ضوابط للحد من الحبس الإحتياطى، كما تطالب بتمكينه من تلقى مساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى الإنتقال إلى كندا والإلتحاق بأسرته،