المفوضية المصرية تعرب عن قلقها من التوسع في إحالة قضايا سياسية للمحاكمة وسط مخاوف من استمرار الاحتجاز بأحكام بدلا من الحبس الاحتياطي
مطالب بالإفراج الفوري عن المحبوسين السياسيين وسجناء الرأي والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وإسقاط كافة الاتهامات الموجهة لهم
نخشى من الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة بعدم السماح بمساحة للسجناء بالحديث عن انتهاكات سنوات حبس
المفوضية تصدر تحليلها للقضايا وتوزيعها بحسب السنة وفترة الحبس الاحتياطي قبل الإحالة وتوزيعها بين محاكم جنايات الإرهاب والمحاكم المختلفة
تعرب المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن قلقها من التوسع في إحالة القضايا ذات الطابع السياسي إلى المحاكم، بدلا من اتخاذ خطوات جادة نحو الإفراج عن السجناء كخطوة لإنهاء ملف الحبس الاحتياطي الممتد دون مبرر قانوني، ما يعد انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان، ويتعارض مع المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حماية الأفراد من الاحتجاز التعسفي وتكفل حقهم في محاكمة عادلة تلتزم بالمعايير القانونية الدولية.
وترى المفوضية أن قرارات الإحالة للمحاكمة شكل من أشكال استهداف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين. وتطالب المفوضية المصرية بالإفراج الفوري عن المحبوسين السياسيين وسجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان المحالين للمحاكمة، وإسقاط كافة الاتهامات الموجهة لهم، خاصة وأن بعضهم أحيلوا للمحاكمة في قضايا جرى تدويرهم عليها من داخل الحبس. وأيضا التأكيد على ضمان المحاكمات العادلة والمنصفة لكل المتهمين المحالين للمحاكمة.
إن تصعيد الإحالات إلى المحاكم، وخاصة إلى دوائر الإرهاب، يثير مخاوف بشأن ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، ويظهر تجاهلا مستمرا لدعوات الإفراج عن المحتجزين السياسيين، وخاصة أولئك الذين تجاوزت فترات حبسهم الاحتياطي المدد القانونية المنصوص عليها، الأمر الذي يثير المخاوف من أن تكون الإحالة للمحاكمة خطوة جديدة لاستمرار حبس سجناء الرأي والسياسيين ولكن بشكل مختلف بصدور أحكام ضدهم بدلا من حبسهم احتياطيا، الأمر الذي يدفعنا للتأكيد على ضرورة أن تكون المحاكمات منصفة وعادلة وبها مساحة واسعة للاستماع لما تعرض له السجناء من انتهاكات طوال سنوات حبسهم الاحتياطي.
ورصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قرارات إحالة القضايا التي تولت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في معظمها خلال العام 2024 والأسابيع الأولى من 2025، والتي بلغ عددها 130 قضية، 95 منها تمت إحالتها خلال 2024، و35 قضية أحيلت منذ بداية العام الحالي.
وشمل التحليل مراجعة بيانات الإحالة للقضايا الممتدة من عام 2017 وحتى 2024، بهدف إبراز الاتجاهات الرئيسية في الإحالات القضائية وتسليط الضوء على الآليات القانونية المرتبطة بها، مع التأكيد على أهمية ضمان محاكمات عادلة تحترم حقوق الإنسان وتراعي المعايير القانونية. فيما تأتي قرارات الإحالة وسط مطالب متكررة بغلق ملف الحبس الاحتياطي المطول، والإفراج عن المحتجزين على خلفية قضايا سياسية وقضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير. إلا أن السلطات ردت على هذه المطالب بمواصلة تكثيف الإحالات للمحاكم.
وكشف رصد المفوضية المصرية عن تفاوت ملحوظ بين بدء التحقيقات في القضية وإحالتها للمحاكمة، حيث تم إحالة 43 قضية للمحاكمة بعد فترة تراوحت بين يوم وعامين من بدء التحقيق فيها، و78 قضية أحيلت للمحاكمة بعد فترة تحقيق استمرت من 3 إلى 5 سنوات، وأخيرا 9 قضايا أحيلت بعد أكثر من 5 سنوات من فتحها.
ولعل هذه الفترات تشير إلى واحد من أبرز الانتهاكات القانونية التي يتعرض لها السجناء، وهي الحبس مدة أكثر من الفترة القانونية المنصوص عليها بعامين كحد أقصى. كما يشير هذا التفاوت إلى بطء في الإجراءات القضائية، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على العدالة، سواء من حيث طول أمد التقاضي أو من حيث ضمان حقوق المحبوسين.
فيما جاء توزيع القضايا حسب درجة المحكمة على النحو التالي، تم إحالة 129 قضايا إلى محاكم الجنايات، وقضية واحدة فقط تمت إحالتها إلى محاكم الجنح الاقتصادية، ما يعكس توجها نحو تصنيف معظم القضايا ضمن قضايا الجنايات ذات الطبيعة الخطيرة، مما يتطلب تسليط الضوء على طبيعة الاتهامات ومدى توافقها مع هذا التصنيف.
وبحسب توزيع القضايا بحسب سنة القضية، جاءت على النحو التالي، 4 قضايا لعام 2017، 5 قضايا لعام 2018، 10 قضايا لعام 2019، 23 قضية لعام 2020، 45 قضية لعام 2021، 34 قضية لعام 2022، و5 قضايا لعام 2023، و4 قضايا لعام 2024، ما يشير إلى زيادة ملحوظة وكبيرة في القضايا في الفترة بين 2020 و2022.
وبحسب إحصائيات المفوضية المصرية، تضمنت القضايا المحالة للمحاكمة عددًا كبيرًا من الحقوقيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يواجهون اتهامات تتعلق بالانضمام أو مشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. ولا يزال معظمهم رهن الحبس الاحتياطي، بينما حصل البعض على إخلاء سبيل بعد سنوات طويلة من الاحتجاز. وتشمل قائمة القضايا، قضية الباحث بالمفوضية المصرية إبراهيم عز الدين، الذي أحيلت للمحاكمة بعد الإفراج عنه، وكذلك المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، المحتجز منذ عدة سنوات. بالإضافة إلى المترجمة مروة عرفة، والصحفي كريم إبراهيم، والمصور التلفزيوني كريم سالم، والمصور الصحفي حمدي الزعيم.
في هذا الصدد، قال الباحث بالمفوضية المصرية إبراهيم عز الدين، والذي أحيلت قضيته إلى المحكمة: إحالتي إلى المحاكمة في مصر تأتي كدليل إضافي على أن النظام الحاكم لم يكتفِ بما تعرضت له من انتهاكات، سواء عبر سلب ثلاث سنوات من حياتي داخل السجون المصرية أو من خلال التعذيب الذي تعرضت له، بل يواصل سياساته القمعية عبر استخدام القضاء كأداة لتصفية أي صوت معارض، هذه المحاكمة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تكميم الأفواه وإرهاب النشطاء والمدافعين عن الحقوق، حتى أولئك الذين يكرّسون جهودهم للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمصريين.
ويتابع عز الدين: ما يحدث اليوم هو استكمال لمنظومة قمعية لا تتسامح مع أي رأي مخالف، حتى لو كان في إطار المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وضمان حياة كريمة للمواطنين. فبدلًا من الاستماع إلى الأصوات المطالبة بالإصلاح والعدالة الاجتماعية، يرد النظام بالمحاكمات والتضييق والسجن، مما يرسّخ قناعة راسخة بأن الإصلاح السياسي ليس ضمن أجندته، بل على العكس، يواصل ترسيخ قبضته الأمنية على كافة مناحي الحياة. وإن هذه الممارسات لا تعكس فقط انعدام أي نية للإصلاح، بل تؤكد أن النظام يسير في اتجاه أكثر استبدادًا، حيث لم يعد يكتفي بإسكات الأصوات المعارضة، بل يسعى إلى محوها تمامًا، في محاولة يائسة لإحكام السيطرة على المجتمع وتجريد المواطنين من أي أمل في التغيير أو العدالة.
يذكر أن جميع القضايا التي تم تحديد جلسات لها ستنظر أمام دائرتين فقط من دوائر الإرهاب، مع تولي دائرة واحدة مراجعة الأحكام الصادرة. هذا التكدس المتوقع يثير مخاوف جدية بشأن قدرة هذه الدوائر على التعامل مع العدد المتزايد من القضايا، مما قد يؤدي إلى تأخير إضافي في المحاكمات ويخل بضمانات المحاكمة العادلة.
تعكس هذه الإحصائيات التزايد الملحوظ في الإحالات القضائية وتوسع نطاق القضايا المحالة إلى دوائر الإرهاب، مما يثير القلق بشأن مدى جدية السلطة في تعاملها مع المطالب الحقوقية والسياسية الخاصة بإنهاء ملف المحبوسين السياسيين والإفراج عن السجناء، إلى جانب تساؤلات عديدة حول ضمانات المحاكمة العادلة في التعامل مع المتهمين في هذه القضايا.
وتجدد المفوضية المصرية مطالبتها للسلطات المصرية باتخاذ خطوات عاجلة لغلق ملف الحبس الاحتياطي والإفراج عن جميع المحتجزين السياسيين. كما تؤكد أن ضمان العدالة وسيادة القانون يتطلبان وضع حد لهذه الانتهاكات، وفتح المجال أمام ممارسة الحقوق السياسية والمدنية دون قيود أو ملاحقة بما كفله الدستور والقانون، ومراجعة القوانين والإجراءات المتعلقة بمحاكم الإرهاب بما يضمن التزامها بضمانات المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان.