المذبحة الثانية لمشجعي كرة القدم: متى يرفع الغطاء السياسي عن جرائم الشرطة؟
16 منظمة حقوقية تحذر: نمط جرائم وزارة الداخلية تدفع بالبلاد إلى انتشار العنف المضاد والإرهاب
بيان صحفي مشترك
تحمل المنظمات الموقعة وزارة الداخلية المسئولية عن سقوط ما لا يقل عن عشرين قتيلًا في محيط إستاد الدفاع الجوي أمس الأول أثناء محاولتهم حضور مباراة ناديي الزمالك وإنبي في الدوري العام. وتؤكد المنظمات أن سياسة الإفلات من العقاب التي سادت على مدى الأربعة أعوام الماضية، وغياب الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير لمحاسبة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان، وتخاذل النيابة العامة –بشكل يوحي بالتواطؤ– عن ملاحقة المتورطين من قوات الأمن في تلك الأحداث، تعد من الأسباب الرئيسية وراء استمرار سقوط القتلى والمصابين بشكل شبه يومي.
إن ازدياد وكثرة عدد ضحايا جرائم الشرطة وتكرار جرائم العنف والقتل خارج نطاق القانون خلال العام ونصف العام الماضيين، يثير تساؤلات عدة حول ما إذا كان هناك قرارًا أو غطاءً سياسيًا بإطلاق يد الشرطة للقتل وعدم محاسبتهم عن تلك الجرائم. وتؤكد المنظمات، أن ما تقوم به وزارة الداخلية من جرائم وانتهاكات هو ما يدفع بالبلاد إلى الانهيار، ويجعل أي استقرار سياسي أو اقتصادي أمر مستحيل.
إن استمرار نمط أعمال القتل الجماعي التي يتعرض لها المواطنون علمانيون وإسلاميون وحتى مشجعو كرة القدم، على مدار السنوات الأربع التالية “لثورة 25 يناير 2011″، وفى ظل عهود تبدو ذات طبيعة سياسية مختلفة، ولكن تشترك جميعها في التستر على الجرائم المرتكبة بحق عموم المصريين، وعدم محاسبة الجناة من الشرطة والجيش، بل ومحاكمة وعقاب الضحايا الذين لم يفقدوا حياتهم خلال تلك الأحداث، بأحكام تصل حد السجن مدى الحياة. كما أن استمرار تواطؤ الدولة على تلك الجرائم ومرتكبيها، هو بمثابة تشجيع للجناة على مواصلة أعمال القتل المجاني للمصريين –في حماية مؤسسات الدولة وإعلامها– ويشكل تشجيعًا للمواطنين على تنفيذ القانون بأيديهم في غياب دولة القانون، وتشجيعًا لنوازع الثأر والانتقام السياسي، وهو الأمر الذي يشكل مساهمة من مؤسسات الدولة المتواطئة، في تعزيز فرص تجنيد المزيد من المصريين للمنظمات الإرهابية داخل البلاد وخارجها.
طبقًا لشهود العيان والاطلاع على الصور والمقاطع المصورة، كان بضعة آلاف من جماهير نادي الزمالك تحاول الدخول لملعب المباراة، وتمركزت على منحدر يقود إلى مدخل الإستاد محاطة برجال ومدرعات الشرطة، يتبعه ممر حديدي بدائي ضيق مصنوع من الحديد والأسلاك الشائكة يقود إلى داخل الإستاد.
وطبقًا لشهادات متواترة فقد كان ضباط وجنود الأمن المركزي في حالة غير مسبوقة من التحفز، ووجه الضباط أكثر من تهديد بأن المجندين سيردون بعنف حال حدوث أدني احتكاك، في حين حاول عدد من المشجعين –طبقًا لشهود العيان– تهدئة الوضع والتوضيح للجنود والضباط أن التدافع سببه الازدحام.
وبحسب شهادات شهود العيان ففي حوالي الساعة السادسة ، فوجئ الجماهير بقنبلة غاز مسيل للدموع تُلقى وسط الحشود بعد ، وهو ما أدى إلى تدافع الجماهير؛ هربًا من الاختناق، وهو ما ردت عليه الشرطة فورًا بإطلاق –أكثر كثافة– لقنابل الغاز في وسط الحشود، ما نتج عنه المزيد من التدافع والإصابات، وازداد تدافع الجماهير بحثًا عن مخرج، في حين استمرت قوات الشرطة من الناحيتين في إطلاق قنابل الغاز عليهم، في الوقت ذاته الذي انهال فيه المجندون ضربًا على أي شخص يحاول الهروب. واستمرت مدرعات الشرطة في مطاردة الجماهير التي فرت من خطر الاختناق بالغاز بالمدرعات تطلق عليهم الغاز والخرطوش.
وكان وصف الداخلية لتطورات الأحداث طبقًا للبيان الذي أصدرته قرب الساعة سابعة مساء كالآتي: “رصدت المتابعات الأمنية تردد أعداد كبيرة من مشجعي نادي الزمالك على إستاد الدفاع الجوى لحضور مباراة كرة القدم بين فريقي الزمالك وإنبي مساء اليوم الأحد الموافق 8 الجاري دون حملهم لتذاكر دخول المباراة، وحاولوا اقتحام بوابات الإستاد بالقوة مما دعا القوات إلى الحيلولة دون استمرارهم في التعدي على منشآت الإستاد”. كما عقب المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية على الواقعة وعلى تعامل الشرطة قائلًا “تنظيم مباراة الزمالك وإنبي، مساء الأحد، كان جيدًا ويسير بشكل جيد، من جانب مسئولي اتحاد الكرة والنادي الزمالك، لكن فوجئنا بحوالي 10 آلاف مشجع يحاولون دخول الإستاد بالقوة والعافية”. مضيفًا “القوات اضطرت للتعامل بالغاز لتفرقة المتجمعين حرصًا على السلامة، ولولا حصل ده كان هيحدث أضعاف أضعاف الإصابات” على حد تعبيره.
وأكد شهود العيان أن عدد المشجعين لم يتجاوز العشرة آلاف كما جاء على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، من بينهم أسر بأكملها. ويعد هذا العدد ضئيلًا مقارنةً باعتياد الشرطة على التعامل مع أعداد كانت تتجاوز المائة ألف مشجع في المباريات الكبرى التي كانت تجرى على إستاد القاهرة الدولي، والتي شهد العديد منها اشتباكات بين الجماهير والأمن ولم يحدث أن خلفت أيًا من تلك الاشتباكات هذا العدد الضخم من الضحايا. لذا يصعب وصف ما حدث قبل مباراة أول أمس بأنه “خروج للأمور عن السيطرة” بأي حال من الأحوال قياسًا بتاريخ التجمعات الكروية المصرية.
إن تعامل قوات وزارة الداخلية مع تلك الحادثة يوضح مدى استهتارهم بالحق في الحياة، فعدم اتباع قوات الأمن للحد الأدنى من القواعد المنظمة لاستخدام القوة، وفشلها المتكرر في الالتزام بمبادئ الضرورة والتناسبية والتصعيد التدريجي في استخدام القوة، يدل على عدم الاكتراث بأهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، بل ويكشف عن النمط الانتقامي الذي تتعامل به الشرطة مع أي تجمع جماهيري أيًا كانت طبيعته. حيث لم تلتزم قوات الشرطة بأبسط القواعد في استخدام الغاز في السيطرة على “الشغب”، من عدم إطلاق قنابل الغاز بداخل الحشود أو في الأماكن المغلقة أو عدم توفير مخرج. وعلى عكس الهدف “الأمني” من استخدام قنابل الغاز وهو تفريق الحشود، لم يكن هناك مفر لمن أطلق الغاز باتجاههم وسقطوا قتلي بسبب الاختناق حيث كانت قوات الأمن تحاصرهم وتطارد الذين نجحوا في الفرار منه بالعصيان وبالمزيد من الغاز.
وحاولت المنظمات الموقعة الاتصال بمساعد مدير مصلحة الطب الشرعي للسؤال عن تفاصيل التقرير المبدئي ومما إذا كان التقرير يحتوي على نتائج تحليلات المعمل الكيميائي والتي من شأنها أن توضح نسب غاز (CS) في دماء المتوفيين، ولكنه لم يكن متاحًا للإجابة.
وتتساوى هنا المسئولية الجنائية، سواء كان السبب الرئيسي في الوفاة الاسفكسيا نتيجة للتعرض المفرط للغاز والتسمم الناتج عن استنشاق نسبة كبيرة من الغاز، أو الاختناق والكسور والكدمات الناتجة عن التدافع، فالسبب في الحالتين هو استخدام الغاز بصورة مفرطة وغير ضرورية وبطريقة تبدو متعمدة لإحداث الإصابات والتنكيل بالجماهير.
وتشير المنظمات الموقعة إلى أن تلك الجريمة ليست حادثة منفصلة، وإنما هي تمثل نمط التعامل الأمني مع أي تجمع جماهيري من أي نوع، سياسيًا كان أو رياضيًا، حيث تقوم قوات الأمن بتجاهل كافة القوانين والمعايير المرتبطة بالتعامل مع التجمعات وتجنح لاستخدام العنف بشكل غير مبرر، وتنتهي تلك الأحداث –عادةً– بأعداد من القتلى والمصابين. وهذا هو الحال منذ 2011 يستوي في ذلك مظاهرة قوامها لا يتعدى العشرات يحملون الزهور واللافتات أو عشرة آلاف مشجع حاولوا حضور مباراة كرة قدم.
وتعيد المنظمات تأكيدها على أن مظاهر العنف الشرطي وجرائم أجهزة الأمن، والتي تمر دون حساب، قد وصلت على مدى الأعوام الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، واستمرارها دون ردع ومحاسبة جادة، ينذر بلجوء الضحايا وذويهم إلى إقرار عدالتهم الخاصة وهو ما نعتبره تهديدًا حقيقيًا للسلم الأهلي، واستشراء العنف بكافة أشكاله بين المواطنين بعضهم البعض، وفي مواجهة أجهزة الدولة.
المنظمات الموقعة:
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- الائتلاف المصري لحقوق الطفل
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- مركز هشام مبارك للقانون
- مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت)
- مصريون ضد التمييز الديني
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مؤسسة المرأة الجديدة
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية