المفوضية المصرية للحقوق والحريات
بيان صحفي
المختفون قسرياً يواجهون شبح الإعدام التعسفي في أماكن الاحتجاز السرية نتيجة تجاهل السلطات لظاهرة الاختفاء القسري
إعدام تعسفي أو قتل خارج إطار القانون وتعذيب واختفاء قسري في قضية “محاولة اغتيال مساعد النائب العام”
16-3-2017
حذرت اليوم المفوضية المصرية للحقوق والحريات من تزايد حالات قتل أشخاص كانوا قد تعرضوا للاختفاء القسري وظهورهم جثثاً هامدة بعضها عليها آثار تعذيب وتصوير الجهات الأمنية لمقتلهم على أنه كان نتيجة اشتباكات مسلحة.
جاء ذلك عقب إعلان وزارة الداخلية – في بيانين في 6 ديسمبر 2016 و8 مارس 2017 – قتل أربعة أشخاص كانوا مطلوبين على ذمة قضية “محاولة اغتيال مساعد النائب العام “وهي القضية رقم 724 ل سنة2016 حصر أمن دولة عليا المحالة للقضاء العسكري برقم 64 لسنة 2017 جنايات شمال القاهرة العسكرية.
وتخشى المفوضية المصرية للحقوق والحريات من تكرار أو انتشار ظاهرة الإعدام التعسفي لمختفين قسريا أو قتلهم خارج إطار القانون نتيجة عدم تصدي السلطات القضائية لظاهرة الاختفاء القسري واستمرار السلطات الأمنية في إنكار هذه الجريمة، مما يعزز من ضرورة اجراء تحقيقات وافية ومستقلة ونزيهة في كافة البلاغات المتعلقة باختفاء أشخاص قسريا وضحايا التعذيب والموت في أماكن الاحتجاز.
إذ تدين المفوضية المصرية للحقوق والحريات انتهاج الأجهزة الأمنية وبخاصة جهاز الأمن الوطني لجريمة “الإعدام التعسفي “والتي تهدر حق المختفين قسرياً في الحياة. بحيث تجاوزت انتهاكات تلك الأجهزة اختطاف واحتجاز وتعذيب الأشخاص داخل مقار أمنية غير قانونية أو السرية، لأنها أماكن غير مخصصة للاحتجاز؛ حيث يُعزل فيها الشخص عن ذويه، ومحاميه.
فبـ 6 ديسمبر 2016 نشرت وزارة الداخلية عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بياناً أمنياً قالت فيه أن جهاز الأمن الوطني قد داهم إحدى العقارات بقرية بنى شعران، التابعة لمركز منفلوط على الطريق الصحراوي الغربي لمحافظة أسيوط، وهو العقار الذي يتخذه بعض قيادات الجناح المسلح للتنظيم الإرهابي – حسب ما ورد في بيان وزارة الداخلية-مقراً لاختبائهم وعقد لقاءاتهم التنظيمية والاعداد والتخطيط للعمل المسلح. وأضاف البيان أنه بعد استئذان نيابة أمن الدولة العليا تم استهداف الوكر المشار اليه في يوم 6 ديسمبر 2016؛ “وخلال عملية المداهمة فوجئت القوات بإطلاق أعيرة نارية كثيفة تجاههما، مما دفع القوات للتعامل مع مصدرها، مما أسفر عن مصرع ثلاث أشخاص، وهم: محمد سيد حسين زكي، علاء رجب احمد عويس، عبد الرحمن جمال محمد عبد الرحمن. ليعود بيان الوزارة ليضيف أنه بعد تفتيش الوكر تم العثور على 3 بنادق آلية عيار 7,62×39مم، وعدد جراب خاص بخزينة البندقية الآلية، عدد 7خزينة آلية وكمية من الذخيرة من ذات العيار؛ بالإضافة إلى العديد من الأوراق التنظيمية المتعلقة بالجماعة الإرهابية ونشاط عناصرها في مجال العمل المسلح ورصد بعض من رجال الشرطة والقوات المسلحة”.
على الجانب الآخر، ومن خلال عمل المفوضية المصرية للحقوق والحريات على رصد وتوثيق الحالات التي تتعرض للاختفاء القسري ترجح المفوضية أن هؤلاء الأشخاص، الوارد أسماؤهم ببيان وزارة الداخلية، كانوا بحوزة رجال معنيين بتنفيذ القانون (الأمن الوطني)، قبل إعلان قتلهم. وكانت عائلاتهم قد تقدمت بطلبات عدة للمسؤولين بوزارة الداخلية والنائب العام والمجلس القومي لحقوق الانسان، ولكن حالت تلك الإجراءات بأن تضيع حياتهم هباءً منثورا.
وقد وثقت حالة محمد سيد حسين زكي – القتيل الأول في بيان الداخلية – والذي يعمل باحث في احدى مراكز البحوث الزراعية، متزوج ولديه طفلين. وتبين أن محمد قد تم القاء القبض عليه في 9 أكتوبر 2016 من شارع العريش بالجيزة، أثناء شراءه طعام مع زوجته، وعقب مروره إلى الجهة الأخرى من الشارع قامت سيارة أجرة ميكروباص بها أشخاص يرتدون الزي المدني باختطافه واصطحابه إلى مكان مجهول. ومن ثم، قامت أسرته بالبحث عنه في أقسام الشرطة بالجيزة وفي محل اقامته ببني سويف. لم يكن اسم محمد مُدرجاً بالكشوف لدى أي من الجهات الأمنية. ولم تعرف أسرته أي معلومة بشأنه خلال تلك الفترة إلى أن علمت بوفاته عن طريق بيان وزارة الداخلية.
وفي شهادتها للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، قالت والدته: “أننا وقعنا على تقرير الطب الشرعي وكان مثبت به أن سبب الوفاة هو هبوط حاد في الدورة الدموية. كما أقر عم الضحية بوجود إصابات متفرقة بالجسد أثناء الغُسل، حيث قال: “هناك علامة إصابة بالرأس، كما كانت الأسنان العليا مكسورة، ونعتقد أنها كُسرت بآله حادة، بجانب وجود كدمات واحمرار بيده اليسرى وقدميه، وعلى ظهره كدمات زرقاء وحمراء “وهذه الرواية ترجح بأنه تعرض للتعذيب في حوزة الأجهزة الامنية بإحدى المقرات التابعة لهم.
كما وثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حالة الطالب عبد الرحمن جمال محمد احمد، وهو طالب بكلية العلوم الفرقة الثانية قسم بيولوجي، ويعمل بمعمل تحاليل بمدينة السادس من أكتوبر. كان عبد الرحمن قد أُلقي القبض عليه بتاريخ 25 أغسطس 2016 عن طريق قوة أمنية مكونة من أفراد يرتدون الزي المدني، أثناء ذهابه للعمل، وتم اصطحابه لمكان غير معلوم لذويه ومحاميه. وكانت أسرته قد تقدمت بتليغرافات للنائب العام ووزارة الداخلية وبلاغ حمل رقم 11779 لعام 2016 عرائض النائب العام، وشكوى للمجلس القومي حملت رقم 1288 بتاريخ 6 سبتمبر 2016. ورغم اتخاذ الاسرة لتلك الإجراءات إلا إنها فوجئت ببيان وزارة الداخلية الذي حمل في طياته خبر مصرع عبد الرحمن في تبادل لإطلاق النار.
كذلك رصدت المفوضية حالة علاء رجب أحمد عويس، وتبين لديها خلال الاطلاع على الإجراءات التي تقدمت بها أسرته بأنه كان قد أُلقي القبض عليه، ب تاريخ 13 أغسطس 2016، وتوصلت الاسرة لمعرفة مصيره عن طريق بيان وزارة الداخلية المنشور في ديسمبر 2016، وتوصلت المفوضية من خلال أحد الأشخاص الناجين من الاختفاء القسري، عقب ظهوره على ذمة قضية ــ تحفظت المفوضية على الإشارة لاسم الشخص ــ؛ لمعلومة تفيد بأن علاء كان معه في مقر الامن الوطني بالعباسية، وذلك عن طريق أحد المحامين الذين حضروا معه التحقيق في النيابة.
وفي 8 مارس 2017 نشرت وزارة الداخلية بياناً آخر قالت فيه أن الأمن الوطني قد تمكن من تحديد مكان اختباء حسن محمد جلال مصطفى، المطلوب ضبطه وإحضاره في القضية رقم 724/2016 حصر أمن دولة عليا، ليتكرر نفس سيناريو البيان السابق وتعلن الوزارة لاحقاً عن مقتل حسن في تبادل لإطلاق نار بأبو صوير بمحافظة الإسماعيلية.
هذا وقد طالعت المفوضية المصرية للحقوق الحريات التليغراف المقدم من أسرة الضحية إلى النائب العام ووزارة الداخلية بتاريخ 1يناير 2017، والذي أفاد بانه قد تم القاء القبض عليه أمام أثناء ذهابه إلى الجامعة، في الرابع من ديسمبر لعام 2016، حيث يدرس بكلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر فرع الزقازيق، ومقيم بكفر العايد التابع لمركز ههيا بمحافظة الشرقية. وتوصلت أسرته لمعلومة – عن طريق أحد الأشخاص الناجين من الاختفاء القسري ـــ تفيد بأنه كان محتجزاً لدى الأمن الوطني بالزقازيق، وذلك قبل إطلاق وزارة الداخلية لبيانها المشار إليه في الثامن من مارس الماضي. من خلال عمل المفوضية المصرية للحقوق والحريات على رصد وتوثيق حالات الاختفاء القسري فقد رصدت 30 حالة اختفاء قسري ظهروا على ذمة تلك القضية واحتجزوا فترات اختفائهم بمقار الامن الوطني المختلفة من أبرزها مقر الامن الوطني بالزقازيق، وأبيس بالإسكندرية، والامن الوطني بسوهاج، ولاظوغلي بالقاهرة، وعقب التحقيق معهم انتقلوا إلى سجن طره شديد الحراسة 2، لم تتمكن عائلاتهم من زياراتهم حتى الآن.
وعقب نشر بيانات وزارة الداخلية أعربت 5 أسر من عائلات المختفين عن فزعها حيال هذا الأمر وتوجهت في اليوم التالي إلى المجلس القومي لحقوق الانسان بالجيزة، وتقدمت بشكاوى وتليغرافات إلى النائب العام ووزارة الداخلية. واضطلاعا بدورها، فقد قامت المفوضية بإجراء مقابلات معهم للتوثيق، كما قامت على كافة الإجراءات المقدمة عقب تعرض ذوي تلك العائلات للاعتقال. وتبين للمفوضية بأن الأسماء المذكورة أدناه قد تم القاء القبض عليها في الثلث الأخير من شهر ديسمبر لعام 2016 من قبل أفراد تابعين للأمن الوطني يرتدون الزي الرسمي والمدني. وكانت عائلاتهم توصلت لمعلومات تفيد بإخفائهم بمقر الأمن الوطني بالزقازيق بمحافظة الشرقية وهم:
– محمد جمعة محمد يوسف، مواليد 21 ديسمبر 1996، قرية المهدية بمحافظة الشرقية، طالب بكلية الاعلام جامعة الأزهر. تم القبض عليه من منزله عصر يوم 26 ديسمبر 2016 وتم اصطحابه لمكان غير معلوم.
– عمر محمد عبد الواحد عبد المجيد، مواليد 7 سبتمبر 1998، قرية المهدية بمحافظة الشرقية، طالب بالمعهد التكنولوجي العالي بالعاشر من رمضان. تم القبض عليه يوم 26ديسمبر 2016 بالقرب من سكنه الجامعي بالعاشر من رمضان، وتم اصطحابه لمكان غير معلوم.
– عبد الوهاب محمود محمد محمد، مواليد 22سبتمبر 1998، قرية المهدية بمحافظة الشرقية، طالب بمعهد فني تمريض بالزقازيق. تم القبض عليه من منزله بتاريخ 28 ديسمبر 2016 عن طريق اقتحام منزله على أيدي قوات تابعين للشرطة يرتدون زي رسمي ومدني، ملثمين ويحملون أسلحة نارية، وبعد تفتيش المنزل تم اصطحابه لمكان غير معلوم.
– سيد محمد محمد إبراهيم، مواليد 11 مارس 1988، قرية صبيح بمحافظة الشرقية، صاحب شركة استصلاح أراضي، متزوج ولديه أربعة أبناء. تم القبض عليه من منزل والدته، بتاريخ 30 ديسمبر 2016، بقرية صبيح بمحافظة الشرقية، عن طريق أفراد أمن يرتدون الزي الرسمي والمدني، مسلحين وبعضهم ملثم، وعقب تفتيش المنزل تم اصطحابه لمكان غير معلوم.
– أحمد محمد احمد محمد عطية، مواليد 13 يونيو 1991، حاصل على ليسانس أصول دين بجامعة الازهر، متزوج ولديه بنت عمرها 10شهور، تم القبض عليه بتاريخ 27 ديسمبر 2016، وهو مقيم بمنزل عائلي مكون من ثلاث طوابق. قامت قوات هائلة العدد، بزي مدني ورسمي مسلحون بأسلحة رشاشة، باقتحام البيت في الواحدة والنصف صباحاً، وقاموا بتفتيشه كاملاً. تم القاء القبض على أحمد، وتم اصطحابه لمكان غير معلوم.
إلى هنا، تحذر المفوضية المصرية للحقوق والحريات من تعرض هؤلاء الأشخاص لخطر الإعدام التعسفي أو قتل خارج إطار القانون، وتهيب بالمجلس القومي لحقوق الانسان والمؤسسات الحقوقية والصحف بالتدخل العاجل في توثيق تلك الانتهاكات وتقديم الدعم اللازم للضحايا قبل أن يُصبح الإعدام التعسفي منهجاً للأجهزة الأمنية، فغياب المساءلة وإعطاء الضوء الأخضر للأمن الوطني للعبث في حياة الأمنيين يؤدي إلى ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.
فبالنظر إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان بعد الإعدام التعسفي (أو القتل خارج إطار القانون) الصورة الوحيدة لانتهاك الحق في الحياة في حالة الاختفاء القسري. فالإعدام التعسفي هو قتل شخص على يد وكيل للدولة أو أي شخص آخر يعمل تحت سلطة الحكومة أو بتواطؤها معهم أو تغاضيها عن أفعالهم أو قبولها إما بدون أي عملية قضائية أو بدون عملية قضائية مناسبة. وحالات الإعدام المنبثقة عن حكم بالإعدام صادر عن محكمة هي أيضا حالات إعدام تعسفي إذا لم تُحترم ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادتين 14و15من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وتمثل حالات الإعدام التعسفي في كثير من الأحيان أعمال قتل ترتكب في ظروف مشبوهة، وتتسم بوقوع الوفاة حال وجود الشخص في قبضة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (كأن يكون مثلا محتجزا من قبل الشرطة) أو الموظفين العموميين أو الأشخاص الآخرين العاملين بصفة رسمية مما يلقى بظلال الشك في ارتكاب هذه الجريمة حتى لو سلمنا بصحة ما تم وصفه أعلاه في البيانين المنشورين من قبل الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية.
وتوصي المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالآتي:
– فتح تحقيق مستقل وعاجل بشأن تلك الحالات المشار إليها في البيان، والاطلاع على كافة الوثائق المقدمة من قبل الأهالي، والاطلاع على تقارير الطب الشرعي وإحالة المسؤولين عن عملية الاعتقال للمساءلة.
– النظر في الإجراءات التي اتخذها ذوي المختفين قسرياً من بلاغات وشكاوى تثبت إخفاء ذويهم من قبل الأجهزة الأمنية والبت فيها على وجه السرعة والرد على أسر المختفين قسريا بخطاب رسمي يتضمن نتيجة البحث والتحقيق في اختفاء ذويهم.
– تشكيل مكتب تابع للنائب العام برئاسة محامي عام يختص بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري بصلاحيات التفتيش على أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.
-السماح للمجلس القومي لحقوق الانسان بزيارات مفاجئة لأماكن الاحتجاز والسماح للمنظمات الحقوقية بالقيام بزيارات للسجون وأماكن الاحتجاز للتأكد من تطبيق القانون وتمتع المحتجزين بحقوقهم.