يواجه المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان في مصر مخاطر عدة بسبب نضالهم الديمقراطي المشروع لمزيد من الحرية والتداول السلمي للسلطة في البلاد؛ ولعل أبرز هذه المخاطر هو الإخفاء القسري والتعذيب والسجن.
نسلط الضوء هنا على واحد من أبرز القادة الحزبيين الشباب، وهو المدافع عن حقوق الإنسان والسياسي المعارض محمد القصاص، نائب رئيس حزب “مصر القوية”، الذي يقبع في السجن منذ فبراير 2018، إبان الحملة الأمنية التي شنتها السلطات المصرية قبيل الانتخابات الرئاسية ونالت العديد من المعارضين.
النشاط السياسي لـ”القصاص”
ولد محمد علي إبراهيم القصاص، وشهرته محمد القصاص، في 3 مارس من العام 1974. بدأ العمل السياسي من المرحلة الجامعية، حينما كان طالبا في كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، حيث انخرط في العمل السياسي والنشاط الطلابي داخل أسوار الجامعة. وكان القصاص في ذلك الوقت منتميا لجماعة الإخوان المسلمين.
وبعد التخرج من الجامعة، واصل العمل السياسي تحت جناح الإخوان بالإضافة إلى عدة حركات أخرى، أبرزها حركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، والتي كانت تسعى لإنهاء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ومن يومها، شارك القصاص في ثورة 25 يناير 2011 جنبا إلى جنب مع شباب الحركات والأحزاب الاحتجاجية الليبرالية واليسارية، كشباب 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين. وكان عضوا في “ائتلاف شباب الثورة” الذي تكون في اليوم الأول للثورة وضم ممثلين لشباب التيارات السياسية الوطنية الأساسية في البلاد، وتجاوز كل الأطر الحزبية والتنظيمية من أجل هدف واحد؛ هو إسقاط نظام مبارك الديكتاتوري.
وبعد نجاح ثورة يناير 2011، ومع تراجع جماعة الإخوان المسلمين عن قرارها بعدم الدفع بمرشح لانتخابات الرئاسة 2012، قرر القصاص الخروج من الجماعة، وشارك في ديسمبر 2013 مع عدد من شباب الثورة في تأسيس حزب “التيار المصري” الذي كان مناهضا للإخوان. لكن هذا الحزب الوليد اندمج في العام 2014 مع حزب “مصر القوية” الذي كان قد تأسس في يوليو 2012. وفي سبتمبر من العام 2016، أصدر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس الحزب، قرارًا بتعيين القصاص نائبًا لرئيس الحزب.
بداية المعاناة
محمد القصاص في مؤتمر للحملة المصرية الشعبية لمقاطعة إسرائيل
بداية رحلة القصاص مع الحبس كانت في 10 فبراير 2018، حيث ألقي القبض عليه أثناء عودته من زفاف أحد أصدقائه واقتياده وقتها لجهة غير معلومة، تزامنًا مع حملة اعتقالات موسعة شنتها قوات الأمن ضد أعضاء وقيادات حزب “مصر القوية”، الذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2018 وفاز بها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. ظهر القصاص سريعا في نيابة أمن الدولة العليا، التي وجهت له اتهامات وفق قانون الإرهاب في القضية رقم 977 لسنة 2018 حصر أمن دولة، والتي كانت تعرف وقتها إعلاميا باسم “قضية مكملين 2”. وتمثلت الاتهامات في بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها على خلاف أحكام القانون.
وفي 9 فبراير 2020، أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارها بإخلاء سبيل القصاص بضمان محل إقامته، بالتزامن مع إكماله سنتين من الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون، ولكن أثناء إنهاء إجراءات إخلاء السبيل فوجئ محاميه بأنه جرى تدوير القصاص وحبسه على ذمة القضية رقم 1781 لسنة 2019.
وبنفس الاتهامات التي حبس بسببها القصاص عامين، قررت النيابة مساء 12 فبراير 2020 حبسه 15 يوما، على ذمة القضية رقم 1781 لسنة 2019 حصر أمن دولة، أي أن جميع التهم الموجهة إليه وقعت أثناء فترة احتجازه. وفي 5 أغسطس 2020 على إخلاء سبيل على ذمة القضية 1781 لسنة 2019، ولم تستأنف النيابة على القرار، لكنه جرى تدويره على قضية جديدة حملت رقم 786 لسنة 2020 على نفس ذات التهم السابقة.
وفي 29 يوليو، 2021، قالت إيمان البديني، زوجة القصاص، إن نيابة أمن الدولة حققت مع زوجها على ذمة قضية جديدة حملت رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، وهي القضية الرابعة التي يجري إدراج القصاص على ذمتها، وقررت فيها النيابة حبسه 15 يوما احتياطيا. ولفتت البديني آنذاك أن القصاص يبدأ حبسها على ذمة القضية الجديدة فور إطلاق سراحه في 786 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا في أغسطس من العام 2021 إحالة القضية رقم 440 لسنة 2018 المتهم فيها القصاص بجانب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والطالب معاذ الشرقاوي لمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ.
وبعد بضع جلسات انعقدت كلها بعد إعلان انتهاء حالة الطوارئ في أكتوبر 2021، أصدرت الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، في 29 مايو 2022، حكمها على عبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد القصاص و23 آخرين في اتهامهم بنشر أخبار كاذبة في القضية رقم 1059 لسنة 2021، والمقيدة برقم 440 لسنة 2018 (حصر أمن الدولة العليا طوارئ)2018. وتراوحت الأحكام من المؤبد إلى السجن المشدد لمدة عشر سنوات، حيث حكمت المحكمة حضوريًا بالسجن المشدد 15 عامًا على كل من رئيس حزب مصر القوية عبدالمنعم أبو الفتوح، وبالسجن المشدد 10 سنوات على كل من نائب رئيس مصر القوية محمد القصاص، ونائب رئيس اتحاد طلاب طنطا السابق وعضو اتحاد طلاب مصر معاذ الشرقاوي.
ظروف الحبس
محمد القصاص من ميدان التحرير خلال احدى تظاهرات ما بعد ثورة 25 يناير
يعاني نائب رئيس حزب “مصر القوية” من اضطراب ضغط الدم والسكر وهي أمراض مزمنة تحتاج لرعاية طبية مستمرة، يتقاعس سجن طرة عن تقديمها، بحسب بيان – صدر في يونيو 2019 – وقعت عليه عدة منظمات حقوقية، بينها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وطالب بضرورة الإفراج عن القصاص.
وفي تصريحات لها في يوليو 2021، قالت إيمان البديني، زوجة القصاص، إن طول فترة حبس زوجها التي كانت تترواح آنذاك ثلاث سنوات وخمسة أشهر تقريباً “محبوس انفرادي وممنوع من التريض وممنوع من الكتب أو الجرائد أو الراديو في سجن شديد الحراسة ٢”.
وجرى لاحقا نقل القصاص إلى مجمع سجون بدر، حيث تتم الزيارة فيه داخل كابينة زجاجية، وهو ما يرفضه نائب رئيس حزب “مصر القوية”، بسبب إصابة زوجته بأمراض صدرية تصعب من إتمام بالزيارة داخل الكابينة. وتقول زوجة القصاص، التي أرسلت ثلاث تلغرافات إلى وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون ومأمور سجن بدر 1، للمطالبة بتغيير نظام زيارتها لزوجها في محبسه، إن إدارة سجن بدر رفضت تغيير نظام الزيارة رغم أنها سلمتهم التماس مرفق به تقرير طبي عن حالتها وإصابتها باختناق في الأماكن المغلقة.
زوجة القصاص ترسل 3 تلغرافات للمطالبة بتغيير نظام الزيارة لتصبح مباشرة بدلا من الكابينة
وكانت زوجة القصاص قد تعرضت في أكتوبر 2022 لفقدان الوعي وجرى وضعها على جهاز تنفس بسبب كون الزيارة داخل سجن بدر تتم داخل كابينة زجاجية غير جيدة التهوية فيما تعاني من الربو. وبعد استشارات طبية، قالت البديني إن ما حدث لها كان جزء منه أيضا “أزمة نفسية” شديدة بسبب الضغط الذي تتعرض لها نتيجة حبس زوجها والظروف حبسه، مشددة على حقها في زيارة زوجها في وضع لا يشكل خطورة عليها.
وفي منشور سابق لها على “فيسبوك”، قالت البديني إنه حين جرى القبض على “القصاص” في 2018، كان ابنها الصغير عُمر يبلغ ٣ سنوات، وزينة ٤ سنوات، وعلي ٧ سنوات، لافتة إلى أن عمر وزينة عاشا بعيدا عن والدهم أكثر مما عاشا معه. وأضافت أنها لن تتحدث عن أثر غيابه على أطفالها الثلاثة وخصوصا علي الذي كان القصاص يتولى مسؤولية كل تفاصيل حياته حينما كنت هي منشغلة بتربية الصغيرين عُمر وزينة، لكنها تود الإشارة إلى أن زوجها لا لم ير أبناءه الثلاثة طوال الخمس سنوات الماضية سوى لمدد بسيطة لا تتجاوز جميعها عشر ساعات. وبعد أن تحولت الزيارة داخل كابينة زجاجية أصبحت غير قادرة على اصطحابهم معها في الزيارات إلا في زيارات الأعياد في آخر سنتين فقط.
وأكدت إيمان البديني أن زيارة الكابينة غير آدمية وكئيبة ومقبضة جداً في العموم ولسبب ما تشعر خلالها بالبعد أكثر عن زوجها، لافتة إلى أنهم لا يطالبون بأكثر من أن تتم الزيارة بشكل مباشر خارج الكابينة. وشددت على أن القصاص بحاجة لأن يرى أطفاله الثلاثة ويتواصل معهم بشكل مناسب لسنهم واحتياجاتهم.
استنكار ومطالب بالإفراج عن القصاص
ومنذ اعتقال نائب رئيس حزب “مصر القوية” وحتى كتابة هذه السطور، لا تتوقف المطالبات بالإفراج عنه وإنهاء معاناته المستمرة منذ أكثر من 6 سنوات حتى يعود لزوجته وأولاده الإثنين، وكذلك أحبائه وأصدقائه. وطالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أكثر من مرة، بالإفراج عن القصاص، الذي يعاني من أمراض عديدة بينها الضغط والسكر، وبحاجة لرعاية جيدة حتى لا تتسبب هذه الأمراض بإصابته بأي مضاعفات أو أمراض أخرى.
واستنكرت 7 منظمات حقوقية محلية بينها المفوضية المصرية للحقوق والحريات – في 30 مايو 2022، الحكم الصادر بحق السياسيين عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية بالسجن 15 عاماً، ونائبه محمد القصاص ومعاذ الشرقاوي نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا سابقًا بالسجن 10 أعوام.
وطالبت المنظمات السبع – حينها – رئيس الجمهورية بعدم التصديق على هذه الأحكام والعفو الرئاسي عنهم. لكن في أكتوبر 2023 صدق الحاكم العسكري على حكم محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، الصادر ضد أبو الفتوح والقصاص.
وأكدت المنظمات السبع أن هذه الأحكام الصادرة عن محاكم استثنائية لا تراعي الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة ولا يمكن الطعن على أحكامها؛ هو انعكاس لاستمرار نهج الدولة المصرية في التنكيل والانتقام من السياسيين، وكذب مزاعمها بشأن الحوار الوطني مع كافة الأحزاب السياسية وممثليها، وعدم جدوى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أصدرتها الحكومة المصرية في سبتمبر الماضي، والإعلان عن رفع حالة الطوارئ التي ما زالت مستمرة بقوانين قمعية أخرى، تضمن إهدار حياة الأبرياء في السجون.
وشدد البيان على أن أن فعالية أي حوار وطني مرهونة بكفالة الحق في التعبير الحر عن الرأي الناقد والمعارض، ووقف أعمال الانتقام والتنكيل بأصحابه، ووضع حد للسنوات المهدرة في السجون على خلفية اتهامات مختلقة للانتقام من السياسيين والمعارضين والحقوقيين لمجرد معارضتهم سياسات النظام الحالي، والتوقف عن الزج بالمزيد منهم في السجون.
وفي 31 مايو 2022، دعت منظمة العفو الدولية السلطات إلى تبني نهج قائم على حقوق الإنسان، ووضع حد للاعتقالات التعسفية الجماعية، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومطالب مجموعات حقوق الإنسان المصرية المستقلة. وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن على السلطات المصرية للإفراج عن جميع الذين اعتقلوا تعسفياً في مصر، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، ووضع حد لقمع المعارضة السلمية”.
وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في يناير 2023 بإلغاء قرار محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، بإدانة 25 متهمًا في القضية 440 لسنة 2018، والمقيدة برقم 1059 لسنة 2021، (أمن الدولة طوارئ)، بأحكام تراوحت من المؤبد إلى السجن المشدد لمدة 10 سنوات. وقالت المبادرة إن طلبها إلغاء الحكم الصادر بحق المتهمين يأتي استنادًا لسلطة رئيس الجمهورية بموجب المادة 14 من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، داعية لحفظ جميع القضايا المشابهة التي تم تدوير المتهمين على ذمتها.
وفي 20 أبريل 2024، كشف المحامي الحقوقي مختار منير عبر صفحته على موقع “فيسبوك”، بأنه أثناء زيارة إيمان البديني لزوجها أخبرها القصاص أن إدارة مركز الإصلاح والتأهيل بدر، أعلنته بالتصديق على الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة 10 سنوات في القضية 440 لسنة 2018، والمقيدة برقم 1059 لسنة 2021. وأعرب المحامي الحقوقي عن تمنياته بأن تكون نهاية معاناة القصاص ومعاناة أسرته قريبة.
#السياسية_مش_جريمة