بمناسبة احتفال البهائيين بيوم الميثاق في 26 نوفمبر وكجزء من حملة المفوضية “التعددية ثراء”، وبغرض التعرف على من هم البهائيين وما هي معتقداتهم وما هو تاريخهم في مصر، تنشر المفوضية المصرية للحقوق والحريات هذا المقال
بقلم : كمال الإخناوي أستاذ جامعي ومحاضر أكاديمي، ومؤلف وكاتب مصري.
التعددية والتعريف بيوم الميثاق عند البهائيين
إن مفردات العالم الذي نعيشه من أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا تخبرنا بمصاعب وآلام الإنسانيّة لتبدو بمنظورنا الحالي كأسرة مشتّتة خلقت لنفسها خليطًا مشوّشًا من الهويّات الثّقافيّة والإثنيّة والقوميّة الأصول وبعدت عن حقيقة هويتها المشتركة- ألا وهي الهوية الانسانية. وحدث كلّ ما حدث من المنظور التّاريخي للزّمن ما بين ليلة وضحاها … وأمّا العواقب المترتبة على تشتّت الهوية، فقد اتّضح أنّها كانت جالبة للخراب والدّمار لسلامة العالم الإنسانيّ مقوّضة للجهود المبذولة لصلاحه. إنّها تركة دائمة تلك التي خلّفها القرن العشرون عندما أقنعت التحديات المشتركة شعوب العالم على اعتبار نفسها أعضاء في أسرة إنسانيّة واحدة، واعتبار الأرض وطنًا مشتركًا لهذه الأسرة. وممّا لا شكّ فيه أنّه مهما كان كفاح البشرية في عملية الإصلاح طويل الأمد وشاقًّا ومضنيًا، فلابدّ وأن يفضي إلى تغيير شامل من الأساس في العلاقات القائمة بين البشر ؛ ويؤمن البهائيون أنه تغيير يرتكز على مفهوم وحدة الجنس البشري، تغيير يدعم أواصره مبدأ الوحدة في التنوع، فيحمل في طياته التعددية والتنوع بين كافة أطياف العالم الإنساني، وإرساء مبادئ التعايش السلمي لإلتقاء فئاته المتنوعة رغم اختلاف العرق والدين والجنس واللون.
يؤمن البهائيون أن الله عزّ وجل بعث للبشرية عبر تاريخها سلسة من “المربيين” – وهم رسله الذين قدّمت تعاليمهم الأساس لتقدم الحضارة البشرية. من بين هؤلاء الرسل إبراهيم وكريشنا وزرادشت وموسى وبوذا وعيسى ومحمد عليهم السلام. أوضح حضرة بهاءالله، وهو الأحدث بين سلسلة الرسل حسب البهائية، بأن الأديان تأتي من المصدر الإلهي ذاته، وهي بمثابة فصولٍ متتابعة لدين واحد مصدره الخالق العظيم. ويؤمن البهائيون أيضاً بأن البشرية في حاجة ماسة إلى رؤية موحدة تجاه مستقبل المجتمع البشري، وطبيعة الحياة والهدف منها. وبأن هذه الرؤية تتكشف في الآيات والآثار الكتابية التي جاء بها حضرة بهاء الله؛ ومن أجل ذلك تحمل حضرته السجن والتعذيب والنفي طيلة أربعين عاما.
واتساقا مع فكرة التعددية والتنوع، هناك مبادئ إنسانية عامة أتى بها حضرة بهاء الله للتعايش السلمي وتحقيق السلام العالمي، والمبدأ الأسمى في الدين البهائي هو وحدة الجنس البشري. هذا “ولن يتجاهل هذا المبدأ أو يسعى إِلى طَمْس تلك الميّزات المتَّصلة بالعِرق، والمناخ، والتّاريخ، واللّغة والتّقاليد، أو المتعلّقة بالفكر والعادات، فهذه الفوارق تُميِّز شعوب العالم ودُوَلَه بعضها عن بعض… فالشِّعار الذي يَرْفعه هو: “الوحدة والاتِّحاد في التّنوّع والتّعدّد”.
فالعلاقة بين الوحدة في التنوع والتعددية بين أطياف المجتمع المختلفة يمكن تشبيهها بأزهار الحديقة؛ فبرغم اختلاف الأزهار وتنوعها في اللون، والنوع، وشذى رائحتها، إلا أنها تشرب من معين واحد؛ فهي مختلفة ومتنوعة، لكنها تعيش في مناخ واحد، وتنبت في تربة واحدة، ويرعاها بستاني واحد.
ويحتفل البهائيون يوم 26 نوفمبر من كل عام في جميع أنحاء العالم بيوم الميثاق، والميثاق هو ذلك العهد الأبدي بيننا وبين الله سبحانه وتعالى وهو أيضا العهد بين الرسل وأتباعهم في كلّ دين. و العهد الأبدي يعني أنّ شعوب الأرض مشمولون على الدّوام بعناية بارئهم. ففي كلّ الحِقب التّاريخّية يرسل الخالق مربي سماويٍّ مكلّفٍ بأن يسبغ على أبناء البشر ما يحتاجونه من أجل التّعاون سويّةً والتّقدم يدًا بيد. إنّ كلًّا من هؤلاء المربيين ذوي الرّؤى الرّوحيّة والاجتماعية، والمرايا الصّافية المجلّية للأخلاق والفضائل؛ تستعرض تعاليم وحقائق تلبّي احتياجات العصر المُلحّة.
أما العهد والميثاق في الدين البهائي، فهو ينبع من توجيهات واضحة وصريحة وضعها حضرة بهاءالله لضمان استمرارية الهداية والارشاد بعد صعوده إلى الرفيق الأعلى. هذه السلسلة المتعاقبة والتي يشار إليها بالعهد والميثاق انتقلت من حضرة بهاء الله إلى ابنه حضرة عبدالبهاء، ومنه إلى حفيده حضرة شوقي أفندي وبيت العدل الأعظم المنصوص عليه من قبل حضرة بهاء الله. ولترجمة مفهوم الميثاق البهائي في الحياة اليومية، تحث التعاليم البهائية على أن يتسم سلوك البهائي بالفضائل الإنسانية ويشار إليه بالبنان في حياته من أخلاق وإخلاص وصدق ووفاء وأمانة ومحبة تجاه من يتعامل معهم.
وفي مسعاهم الحثيث تجاه العهد والميثاق لتحقيق وحدة الجنس البشري يقوم البهائيون بمبادرات متنوعة وفعالة في مجالات عديدة لخدمة العالم الإنساني في المدن والقرى والأحياء، وذلك من خلال التعاون مع كافة أطياف المجتمع لبناء قدارت الإنسان على مستوى القاعدة؛ فالبهائيون يعتقدون أن أي إصلاح مرجو سيكون فعالا وأكثر تأثيرا على مستوى القاعدة إذا شمل كل أطياف الشعب وفئاته.