
السلامة والصحة في بيئة العمل
تحرير: برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
إن السلامة والصحة في مكان العمل من أهم القضايا التي تؤثر بشكل أساسي ومباشر على إنتاجية العاملين ورفاهيتهم، حيث أن بيئة العمل السليمة تساهم في رفع مستوى آداء العاملين وتقليل الأمراض والحوادث خصوصا النفسية، ومن أجل التذكير بأهمية السلامة والصحة في أماكن العمل، تم تخصيص اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية في بيئة العمل يوم 28 أبريل.
28 أبريل .. اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية
يوم السلامة والصحة المهنية الذي يتم الاحتفال به سنويا في 28 أبريل هو فرصة لتذكير كل من المؤسسات والحكومات والمجتمعات بأهمية الحفاظ على بيئة العمل كي تصبح آمنة وصحية، حيث يشجع اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية على الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية عالميا، كما أنه يهدف إلى لفت الانتباه والتوعية بثقافة السلامة والصحة المهنية، والذي بدوره يساعد في الحد من عدد الوفيات والإصابات المرتبطة بالعمل.
أما بخصوص تأمين بيئة العمل بما يحافظ على سلامة العاملين بها، أوضح قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، في بعض المواد ضرورة تأمين بيئة العمل والتزام المنشآت بتأمين بيئة العمل من العديد من المخاطر، مثل المخاطر الفيزيائية مثل الوطأة الحرارية والبرودة، تغيرات الضغط الجوي، مخاطر الإنفجار. وتأمين بيئة العمل للوقاية من المخاطر الميكانيكية التي تنشأ من الاصطدام، مثل كل خطر ينشأ عن الآت وأدوات العمل، وكل خطر ينشأ عن أعمال التشييد والبناء والحفر ومخاطر الانهيار والسقوط، وألزم أيضا المنشآت باتخاذ وسائل وقاية العمل من مخاطر الإصابة بالفيروسات والفطريات والطفيليات، وإلزام المنشآت بتوفير وسائل للوقاية من المخاطر الكيميائية.
النساء وبيئة العمل ..
تعاني النساء في بيئات العمل السامة بشكل كبير، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة 18.4 % مقابل 77.2% في صفوف الرجال.
فما هي التحديات التي تواجه النساء في بيئات العمل ..!
1 – التمييز أثناء الحمل : تعاني العديد من النساء من رفضها في الوظائف بسبب حملها، وذلك بسبب خوف صاحب العمل من تقليل عدد ساعات المرأة بسبب الحمل، وأخذ إجازة الوضع، مما يضع العديد من النساء الحوامل في مشكلة عدم إيجاد عمل مناسب، أو طردهن من عملهن بسبب حملهن.
2 – التحرش في أماكن العمل : تعاني النساء في أماكن العمل من التحرش أشكال عديدة سواء تحرش جسدي، لفظي، أو التحديق بطريقة معينة، مما يؤثر على حالتها النفسية، ووفقا للأمم المتحدة فإن النساء أكثر عرضة للتحرش من الشباب بمقدار الضعفين.
بيئة العمل الغير سليمة والانتحار ..
إن الضغط النفسي الناتج عن ظروف العمل الصعبة قد يساهم في زيادة معدلات الانتحار بين العاملين، حيث أن بيئة العمل التي تتسم بالتمييز، وساعات العمل الطويلة، والأعباء الثقيلة، والظروف النفسية القاسية، يمكن أن تتسبب في وجود مشاعر من العجز واليأس.
وقال جاري نامي مدير معهد التنمر في أماكن العمل في إيداهو أن التعرض لفترة طويلة للمضايقات وأشكال أخرى من الضغوط يمكن أن تحدث تغيرات في المخ، كما أن هرمونات التوتر قد تغمر المخ مما يقلص القدرة على التفكير العقلاني الواضح.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 200 و 300 موظف من كل 1000 عامل من مشاكل صحية نفسية خطيرة سنويا، ويموت عامل واحد منتحرا كل عشر سنوات، ومقابل كل موظف ينتحر يفكر 10 – 20 آخرون في محاولات الانتحار، مما يلفت النظر إلى أن حالات الانتحار المرتبطة بأماكن العمل خطيرة والسلامة النفسية للعاملين تحتاج التعامل معها بجدية، وتشير التحليلات إلى أن بيئات العمل قد تكون مرتبطة بمخاطر الإنتحار بشكل أكبر خصوصا بين العاملين في قطاعات مثل الصحة، البناء، الانتاج، الزراعة، مما يشير إلى أن العمال في مختلف الوظائف سواء بسيطة أو شديدة يحتاجون للاهتمام ببيئة العمل وبصحتهم النفسية.
وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار بسبب بيئة العمل الغير سليمة، مثل:
- الإرهاق الزائد: بعض الوظائف تتطلب ساعات عمل طويلة جدًا، ما يؤدي إلى إرهاق شديد يؤثر على الصحة العقلية. يمكن أن يسبب هذا الضغط المستمر الشعور بالإجهاد المفرط الذي يؤدي في بعض الحالات إلى اتخاذ قرارات مأساوية مثل الانتحار.
- التمييز والاضطهاد: العاملون الذين يتعرضون للتنمر أو التمييز بسبب الجنس، أو العرق، أو الدين قد يعانون من تدهور كبير في صحتهم النفسية، مما قد يؤدي إلى انهيارهم النفسي أو حتى الانتحار.
- عدم وجود دعم نفسي كاف: في بيئات العمل التي تفتقر إلى البرامج النفسية الداعمة، قد يواجه العاملون مشاكل نفسية دون أي مساعدة أو إرشاد. هذا الإهمال قد يزيد من خطر الانتحار.
- الظروف الاقتصادية الضاغطة: في بعض الصناعات أو الشركات التي تمر بأوقات اقتصادية صعبة، قد يشعر العمال بالضغط المالي الكبير وعدم وجود أفق للمستقبل، مما يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية التي تؤدي إلى الانتحار.
كيف نحافظ على بيئة عمل سليمة للعاملين ..
الوصول إلى بيئة عمل سليمة هو الخطوة الأولى للحد من المخاطر الصحية والنفسية التي يمكن أن تواجه العاملين، ومن أجل تحسين بيئة العمل يجب على أصحاب العمل والمؤسسات إتخاذ عدة تدابير وإجراءات هامة للحفاظ على بيئة عمل سليمة تضمن سلامة وصحة العاملين، ومن هذه التدابير:
- الالتزام بمعايير السلامة: يجب على الشركات أن تتبع لوائح السلامة المهنية التي تضعها الجهات الحكومية والدولية وكافة الجهات المعنية، وتشمل معايير السلامة تخصيص معدات وقاية شخصية، كالخوذ والملابس الواقية والقفازات، والأحذية، كما يجب أن يتم تدريب العاملين بشكل مستمر على كيفية إستخدام هذه المعدات، وأهميتها للحفاظ على سلامتهم.
- التدريب والتوعية: يجب أن يتلقى جميع الموظفين التدريب اللازم حول إجراءات السلامة في بيئة العمل، ويشمل ذلك كيفية التعامل مع الطوارئ والإخلاء في حالات الحوادث، وطرق الإسعافات الأولية، حيث أن التعليم المستمر للعمال يعد جزءا أساسيا من برنامج السلامة والصحة المهنية.
- توفير بيئة فيزيائية وصحية آمنة: وذلك عن طريق ضمان التهوية الجيدة، والإضاءة الكافية، وتنظيم المساحات لتقليل المخاطر، كما ينبغي أيضا التعامل مع المواد الكيميائية والملوثات بعناية لتجنب الأمراض المهنية.
- الاهتمام بالصحة النفسية: وكما ذكرنا لا تقتصر السلامة المهنية على المخاطر الجسدية فقط، بل تشمل أيضًا الصحة النفسية، لذلك يجب على المؤسسات توفير بيئة عمل خالية من التوترات النفسية، والتمييز، والتنمر، وذلك عن طريق الاستماع للموظفين وتوفير الدعم النفسي عند الحاجة، كما يمكن تحسين الحالة النفسية للعاملين وتقليل الإجهاد الذي قد يؤدي إلى الانتحار أو حدوث مشاكل نفسية.
- الإشراف والمراجعة الدورية: يجب على الشركات القيام بمراجعة دورية لإجراءات السلامة وتقييم فعاليتها. يمكن أن تشمل هذه المراجعات اختبارات الحوادث، والبحث عن تحسينات جديدة يمكن تطبيقها لتوفير بيئة أكثر أمانًا، عمل استبيانات لمعرفة المشاكل التي تواجه العاملين والعاملات بشكل دوري للتعامل معها وإيجاد حلول لها.
كما أن للإدارة دور مهم جدا في خلق بيئة العمل الآمنة، وذلك عن طريق التواصل الفعال مع العاملين وسماع مخاوفهم وتقديم حلول فورية، ووجود شفافية للإبلاغ عن الحوادث، وأيضا تشجيع ثقافة السلامة عن طريق مكافأة العمال الملتزمون بمعايير السلامة، وإتاحة حالة من التوازن بين الحياة العملية والصحية عن طريق توفير فترات راحة منتظمة وتقليل ساعات العمل الطويلة، مع توفير برامج للدعم النفسي للعاملين داخل المؤسسات.
خاتمة ..
في الختام، تعد السلامة والصحة في بيئة العمل من العناصر الأساسية التي تضمن رفاهية العاملين وتساهم في تعزيز إنتاجيتهم. الاحتفال باليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية في 28 أبريل يُعد فرصة هامة للتأكيد على ضرورة توفير بيئة عمل آمنة وصحية. على الرغم من التقدم الكبير، لا تزال النساء يواجهن تحديات كبيرة مثل التمييز والتحرش، مما يتطلب اتخاذ تدابير فاعلة لضمان بيئة عمل متساوية وآمنة للجميع. كما أن بيئات العمل غير السليمة تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية للعاملين، ما يستدعي الاهتمام بشكل أكبر بالحفاظ على الصحة النفسية والدعم المستمر. لتحقيق بيئة عمل مثالية، يجب على المؤسسات الالتزام بمعايير السلامة، وتوفير بيئة داعمة وصحية تضمن للجميع حياة مهنية آمنة وصحية.