واصلت إسرائيل ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، حيث تواصل قواته بشكل يومي قصف القطاع برا وبحرا وجوا، ما أسفر عن سقوط أكثر من 30 ألف قتيل غالبيتهم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن 50 ألف جريح، حتى تاريخ النشر، فضلا عن آلاف المفقودين يرجّح أن يكون غالبيتهم قد ماتوا تحت أنقاض منازلهم، ولم تستطع طواقم الإسعاف والإنقاذ من انتشالهم حتى اللحظة.
ومع استمرار الجيش الإسرائيلي في تكثيف هجومه الكارثي على قطاع غزة المحتل، قالت منظمة العفو الدولية – في تقرير لها – إنها وثّقت أدلة دامغة على ارتكاب هجمات غير قانونية “يجب التحقيق فيها على أنها جرائم حرب” من جانب القوات الإسرائيلية في قصفها المكثف لغزة، بما في ذلك الهجمات المباشرة أو العشوائية، فضلًا عن الهجمات غير القانونية الأخرى والعقاب الجماعي للسكان المدنيين.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في 18 ديسمبر الماضي، إن الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوبا للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل “جريمة حرب”، لافتة إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.
ووفقا لآخر حصيلة نشرتها نقابة الصحفيين الفلسطينيين في 7 ديسمبر 2023، فتل 75 صحفيا وعاملا في مجال الإعلام منذ انطلاق الحرب. ويشار إلى أنه استهدفت قوات الاحتلال عددا آخرا من الصحفيين بينهم المصور الصحفي بقناة “الجزيرة” القطرية، سامر أبو دقة الذي استشهد في 15 ديسمبر 2023 خلال تغطيته القصف الإسرائيلى على مدرسة فرحانة في خانيونس بقطاع غزة.
خمس دول تحيل الوضع في فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية
صورة للمحكمة الجنائية الدولية – المصدر: فيديو من قناة المحكمة
وفي 17 نوفمبر 2023، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن مكتبه تلقى إحالة من خمس دول- هي جنوب أفريقيا، بنغلاديش، بوليفيا، جزر القمر، وجيبوتي- بشأن الوضع في دولة فلسطين. وقال كريم خان المدعي العام في بيان: “بتلقي الإحالة، يؤكد مكتبي أنه يجري حاليا تحقيقا في الوضع في دولة فلسطين”.
وقد بدأ تحقيق المدعي العام بشأن الحالة في فلسطين في 3 مارس 2021- الذي يشمل السلوك الذي قد يرقى إلى مستوى الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي والتي تم ارتكابها منذ 13 يونيو 2014 في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقا للمحكمة.
وقال كريم خان إن التحقيقات مستمرة وتمتد لتشمل تصعيد الأعمال العدائية والعنف منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023. وأكد أنه وفقا لنظام روما الأساسي يتمتع مكتبه بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة على أراضي دولة طرف وفيما يتعلق بمواطني الدول الأطراف.
محكمة العدل الدولية: جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة في غزة
عادلة هاشم المحامية بالمحكمة العليا لجنوب أفريقيا – مصدر الصور: فيديو لجلسات الاستماع
تقدمت جنوب إفريقيا، في نوفمبر الماضي، بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق في “جرائم حرب” ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة. وقال رئيس جنوب إفريقيا، ماتاميلا رامافوزا، قبيل نظر الشكوى، إن بلاده تعتقد أن إسرائيل “ترتكب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية في قطاع غزة”، الذي قتل فيه آلاف الفلسطينيين، بالإضافة لتدمير مستشفيات وبنى تحتية عامة.
وفي 11 يناير 2024، بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، جلسات استماع تتعلق بقضية طالبت فيها جنوب أفريقيا بتعليق عاجل للحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وخلال جلسات على مدى يومين استمعت المحكمة لمبررات جنوب أفريقيا لرفع القضية، ورد إسرائيل على ذلك.
ومع بدء جلسات الاستماع، قال ممثل جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل، إن إسرائيل شنت هجوما كبيرا على قطاع غزة، وانتهكت اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، وأن ممارساتها ترتقي إلى أعمال إبادة جماعية. وقال وزير العدل الجنوب إفريقي رونالد لامولا، إن النظام الدولي فشل في منع حدوث إبادة جماعية في غزة، داعيا إلى سرعة منع الجرائم ضد الإنسانية في القطاع. وشدد على أن إسرائيل تخضع الشعب الفلسطيني للفصل العنصري، موضحا أنه “لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية”.
من جانبها، قالت عادلة هاشم المحامية بالمحكمة العليا لجنوب أفريقيا تؤكد جنوب أفريقيا أن إسرائيل انتهكت المادة الثانية من اتفاقية (الإبادة الجماعية)، بارتكاب أفعال تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية. وتظهر الأفعال نمطا منظما من السلوك يمكن من خلاله استنتاج الإبادة الجماعية”. وقالت عادلة هاشم إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة دفعت السكان “إلى حافة المجاعة”، وأوضحت أن “الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عددًا أكبر من الناس جراء الجوع والمرض” منه جراء أفعال عسكرية مباشرة.
محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بمنع ارتكاب أعمال تتضمنها اتفاقية منع الإبادة الجماعية
محكمة العدل – صورة من فيديو إصدار المحكمة لقرارها
شددت محكمة العدل الدولية – في 26 يناير 2024 – على ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل ما بوسعها لمنع جميع الأعمال التي تتضمنها المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة. ويشمل ذلك على وجه الخصوص الأعمال المتعلقة بقتل أعضاء من جماعة أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم أو إخضاع الجماعة- عمدا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا.
جاء ذلك في الجلسة التي أعلنت فيها المحكمة قرارها بشأن التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.
وشملت التدابير المؤقتة التي أصدرتها المحكمة أيضا اتخاذ إسرائيل ما يلزم لمنع “فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة”. وقالت رئيسة المحكمة جون دوناهيو، إن على إسرائيل ضمان عدم قيام قواتها بأي من تلك الأعمال المذكورة سابقا، وأن تتخذ إجراءات لمنع ومعاقبة المشاركة في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالفلسطينيين.
كما قالت المحكمة إن على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة للفلسطينيين في قطاع غزة. وعلى إسرائيل أيضا أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بالادعاءات في نطاق المادة الثانية والثالثة من الاتفاقية. كما طلبت المحكمة من إسرائيل أن تقدم تقريرا لها بشأن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال شهر من تاريخ صدور هذا الأمر.
جنوب إفريقيا: إسرائيل تتحدى “محكمة العدل” وتفرض تجويعاً واسع النطاق في غزة
ناليدي باندور – المصدر: قسم العلاقات الدولية والتعاون (صفحة حكومية بجنوب إفريقيا)
اتّهمت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي باندور، إسرائيل، بتسجيل سابقة في تحدّيها قرارات أرفع محكمة في الأمم المتحدة (محكمة العدل الدولية)، وأشارت مجدداً إلى أن غزة تشهد حملة “تجويع”.وقالت باندور في ندوة مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، خلال زيارة إلى واشنطن، مارس الماضي، إن إسرائيل تحدّت قراراً أصدرته محكمة العدل الدولية في يناير، والذي أمرتها فيه ببذل كل ما في وسعها لمنع الإبادة الجماعية في غزة.
وأضافت أن “إسرائيل تجاهلت تماماً الإجراءات الموقتة.. نشهد حالياً أمام أعيننا تجويعاً جماعياً ومجاعة”، وحذّرت من تداعيات خطوة “قد تشكّل مثالاً يحتذى به”. وأوضحت أن “سلوك إسرائيل يمكن أن تفسّره دول على أنها قادرة على القيام بما تريد من دون أي محاسبة”.
وقالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا إن “محكمة العدل الدولية لم تُحترم، وآمل حين تبدي (دولة) إفريقية ما عدم احترام (لها)، بألا نتوجّه إلى زعيمها في يوم من الأيام للقول: اسمع لقد تخطّيت الحدود، لأنك إفريقي نتوقع أن تطيع”. وتقاضي جنوب إفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية حيث تتّهمها بارتكاب إبادة جماعية في الحرب التي تشنها على غزة.
لبنان: قصف إسرائيلي متعمد على صحفيين.. وجهات محلية ودولية تطالب بتحقيق مستقل في الاستهدافات الإسرائيلية
عصام عبد الله – المصدر: شبكة الانترنت
الجرائم الإسرائيلية لم تتوقف عند حدود غزة، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي في أكتوبر 2023 مجموعة من الصحفيين من وكالتي رويترز وفرانس برس وقناة الجزيرة، كانوا في محيط بلدة علما الشعب الحدودية لتغطية قصف الاحتلال للمنطقة، عندما استهدفتهم غارة إسرائيلية، ما أدّى إلى استشهاد المصور بوكالة “رويترز” عصام عبد الله، وإصابة آخرين بينهم مصورا وكالة “فرانس برس” ديلان كولنز وكريستينا عاصي، والصحفية كارمن جوخدار والمصور إيلي براخيا من قناة “الجزيرة”، وثائر السوداني وماهر نازح من “رويترز”.
وحول هذا الاستهداف، قالت منظمة العفو الدولية إن تحقيقًا في الضربتَيْن الإسرائيليتَيْن على مجموعة تضم سبعة صحفيين في جنوب لبنان في 13 أكتوبر يكشف أن الهجوميرجّح أن يكون هجومًا مباشرًا على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب، لافتة إلى أنها تحققت من صحة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود.
وقالت “العفو الدولية” إن النتائج تشير إلى أنه كان واضحًا أنّ المجموعة تضم صحفيين وأن الجيش الإسرائيلي عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية.
أما منظمة هيومن رايتس ووتش، فأكدت أن شهادات الشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها تشير إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين تماما عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحا أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن تصيبهم هجمتان متتاليتان. ولم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري قرب موقع الصحفيين.
أيضا، في 21 نوفمبر 2023، قالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية، إن صحفيين اثنين ومدنيا قتلوا على الحدود بين الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، في قصف معاد عند مثلث طير حرفا. والصحفيان هما مراسلة قناة “الميادين” فرح عمر، ومصور القناة ربيع المعماري. والمواطن حسين عقيل. وحول هذا الحادث قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي إن الاعتداء على الصحفيين يثبت أنه لا حدود للإجرام الإسرائيلي الذي يهدف إلى إسكات الإعلام.
وفي هذا السياق، رفعت أكثر من 120 جهة لبنانية ودولية، فبراير الماضي، كتابين رسميين إلى كل من المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، والمديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، للمطالبة بتحقيق مستقل في استهداف إسرائيل للصحفيين في لبنان. ويأتي ذلك بعدما قُتل كل من مصور “رويترز” عصام عبدالله ومراسلة “الميادين” فرح عمر ومصور “الميادين” ربيع المعماري، بالإضافة إلى إصابة صحفيين آخرين، من بينهم كارمن جوخدار وإيلي برخيا (الجزيرة) وكريستينا عاصي وديلان كولينز (فرانس برس) وماهر نزيه وثائر السوداني (رويترز).
وطالب الموقعون في الكتاب الموجه إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك – انطلاقاً من مسؤوليته لتعزيز حقوق الإنسان في العالم – بإجراء تحقيق مستقل عبر خبراء مستقلين في مجال حقوق الإنسان يعينهم مكتبه، وذلك للكشف عن الحقائق المتعلقة بهذه الاستهدافات ونشر تقرير يحدد المسؤوليات.
وطالب الموقعون في الكتاب الموجه إلى المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، انطلاقاً من مسؤوليتها في تعزيز سلامة الصحافيين ومكافحة إفلات من يستهدفهم من العقاب، أن تقوم بالإجراءات التالية: إدانة استهداف إسرائيل للصحافيين في جنوب لبنان، والدعوة إلى محاسبة إسرائيل عن جرائم الحرب هذه، ودعم الطلب الموجه للمفوض السامي لحقوق الإنسان لإجراء تحقيق مستقل في القضية، وضم قضيتي عصام عبدالله وفرح عمر وربيع المعماري إلى مرصد اليونيسكو لجرائم قتل الصحفيين لتتبع الإجراءات المتخذة لمعاقبة الجناة وإحقاق العدالة.
في مختلف أنحاء العالم: “ميتا” تعمل على إسكات الأصوات الداعمة للفلسطينيين
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تتخذ مقرا في نيويورك في تقرير لها صدر ديسمبر الماضي، إن سياسات وممارسات شركة ميتا تعمل على إسكات الأصوات الداعمة لفلسطين وحقوق الإنسان الفلسطيني على إنستجرام وفيسبوك في موجة من الرقابة المشددة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت المديرة بالإنابة لقسم التكنولوجيا وحقوق الإنسان في “هيومن رايتس ووتش” ديبورا براون إن “الرقابة التي تفرضها شركة ميتا على المحتوى الداعم لفلسطين تزيد الطين بلة في وقت تخنق أصلا الفظائع والقمع الذي يفوق الوصف قدرة الفلسطينيين على التعبير”. وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أنها راجعت أكثر من 1050 “عملية إزالة وغيرها من أشكال قمع المحتوى” على إنستغرام وفيسبوك من أكثر من 60 دولة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2023. وقالت إنه من بين 1050 حالة راجعتها، تضمنت 1049 حالة “محتوى سلميا لدعم فلسطين تم حظره أو قمعه بشكل غير مبرر، في حين تضمنت حالة واحدة إزالة محتوى يدعم إسرائيل”.
وأوضحت أن الرقابة في إنستجرام وفيسبوك شملت إزالة منشورات وتعليقات، وتعليق الحسابات أو تعطيلها، وتقييد ميزات معينة من بينها قدرة المستخدمين على التفاعل مع المنشورات أو متابعة حسابات معينة، فضلا عن الحد من رؤية محتوى المستخدمين. ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أن منشورات لها تعرضت أيضا إلى قيود، فقد أبلغ عشرات المستخدمين عن تعذر إعادة نشر أو الإعجاب أو التعليق على منشور لهيومن رايتس ووتش “يدعو إلى تقديم أدلة على الرقابة على الإنترنت”. وقالت “هيومن رايتس” إنه “يجب على ميتا أن تسمح بالتعبير المحمي على منصاتها، بما في ذلك ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والحركات السياسية”.