تطلق حملة “أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر”، التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات حملتها السنوية “لقصاص النفس وجه آخر”، تزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام يوم 10 أكتوبر من كل عام، وذلك في إطار إطلاق ورقة بحثية بعنوان “الشريعة الإسلامية وعقوبة الإعدام “.
تحتل مصر في السنوات الأخيرة أحد المراتب المتقدمة الأولى في التقرير السنوي لتنفيذ عقوبة الإعدام الصادر عن منظمة العفو الدولية، ففي تقريرها مايو الماضي قالت المنظمة أنه على الرغم من انخفاض تنفيذ عدد عمليات الإعدام المسجلة بنسبة 71% في عام 2022 عن مثيلتها في العام السابق، إلا أن عدد أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم قد ارتفع بنسبة 51% عن العام الذي سبق حيث وصلت عدد الأحكام المسجلة حسب التقرير في عام 2022 إلى 538 حكما.
وتمثل هذه الأرقام إشكالية اجتماعية، بل واقتصادية ضخمة، خاصة في ظل الفراغ التشريعي الذي لا يعير اهتمام للفلسفة العقابية الحديثة التي تتبناها الاتفاقيات الدولية، كما أن هذه الأحكام تعزز من فكرة الانتقام والحمية القبلية دون أن تتخذ الدولة متمثلة في المؤسسة العقابية خطوات نحو تطبيق حق أولياء الدم في الصلح أو العفو أو حتى قبول الدية كتعويض عن الضرر وجبراً له، مع حفظ حق المجتمع بعقوبات أخرى غير الإعدام كفلسفة مغايرة تعزز من مفهوم العقوبات الأكثر ملائمة للمجتمع.
دائماً ما تأتي ردود المسئولين عن منظومة العدالة الجنائية في مصر على الانتقادات الدولية الموجهة لمصر الخاصة باستمرارية العمل بعقوبة الإعدام ورفض إلغائها أو تعليقها، بحجة وجوبية إعمال قواعد القصاص في النفس التي أكدت عليها الشريعة الاسلامية. ومن هنا نرد على هذه الحجة بما توصلت له الورقة البحثية “الشريعة الإسلامية وعقوبة الإعدام”. فقد تناول العمل البحثي الأصول التاريخية لجريمة القتل عند العرب قبل التنزيل القرآني وكيف كان يتعامل العرب مع القاتل وحق أولياء الدم.
ثم تطرق البحث إلى الآيات القرآنية التي نزلت بعد ذلك تشرع قصاص النفس وكيف أولها المفسرون المتقدمون في الإسلام اهتماماً كبيراً، وقد تباينت تفسيراتهم مع التفسير الشائع المغلوط لهذه الآيات. عنى العمل البحثي أيضاً في إمكانية عدم تطبيق قصاص النفس بعفو أولياء الدم عن العقوبة وما تبعها من إجراءات تصالحية في ضوء أراء فقهاء الإسلام وإبدالها بعقوبات سالبة للحرية، وكذلك أظهرت الورقة البحثية التناقض في النظام القضائي الجنائي في تطبيق أو عدم تطبيق هذه المبادئ التصالحية الشرعية، وعدم التزام السلطة التشريعية بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقع عليها الحكومة المصرية والتي تحد من استخدام عقوبة الإعدام كرادع جنائي.
وتستعد حملة أوقفوا عقوبة الإعدام لإطلاق الورقة البحثية “الشريعة الإسلامية وعقوبة الإعدام” بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الموافق 10 أكتوبر من كل عام. حيث تشمل الحملة أيضا تنظيم “ويبينار” بحضور باحثين\ات وخبراء في مجالات القانون وحقوق الإنسان والفقه الإسلامي، ويحمل المؤتمر عنوان “عقوبة الإعدام بين الرأفة القضائية والتخفيف الشرعي والاتفاقيات الدولية”. بالإضافة إلى ذلك وعلى مدار أسبوع، سوف تنشر حملة أوقفوا عقوبة الإعدام عبر منصاتها الإعلامية عدة منشورات تفاعلية لإبراز الأهداف الرئيسية لحملة “لقصاص النفس وجه آخر”.
في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، تطالب المفوضية المصرية للحقوق والحريات السلطات المصرية الالتزام بتنفيذ كامل البنود التي نصت عليها المادة ٦ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصدق عليه من الحكومة المصرية، ومن ثم العمل على تعليق عقوبة الإعدام تمهيداً لإلغائها واستبدالها بعقوبات سالبة للحرية كالسجن مدي الحياة دونما فرصة إلي عفو مشروط في جرائم معينة كجرائم الحروب. كما تطالب حملة أوقفوا عقوبة الإعدام السلطات التشريعية الوطنية بالعمل على تقليص عدد الجرائم التي تعاقب عليها القوانين المصرية بالإعدام، والتي يصل عددها إلى أكثر من ٥٠ جريمة. كما تطالب الحملة المشرع المصري بتعديل مواد قانون الإجراءات الجنائية لتكون المحاكمة الجنائية على درجتين بحسب ما أوصى الدستور المصري الصادر عام 2014، وقد ألزم الدستور المصري السلطة التشريعية بإنشاء محاكم استئناف الجنايات في خلال عشرة أعوام من إقرار الدستور، ورغم قرب انتهاء مدة هذا القيد الدستوري، إلا أن السلطة التشريعية لا زالت متقاعسة في تنفيذ هذه الضمانة الدستورية والقانونية.
كما توصي حملة أوقفوا عقوبة الإعدام باستحداث نص تشريعي في حال اتفاق الجاني وأهلية المجني عليه على التصالح وعلى تعويض مادي بموجبه يتنازل أولياء الدم عن الادعاء المدني في مواجهة القاتل، فإن محكمة الجنايات في هذه الحالة تكون ملزمة بإعمال الرأفة وتخفيف عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن مدى الحياة دونما فرصة إلى عفو مشروط في جرائم معينة منصوص عليها قانوناً كجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم الإتجار في الأعضاء البشرية.