“آخر منافذ العدالة” (الجزء الثاني) .. ضياع العدالة/ الحقائق ما بين الطب الشرعي والنيابة العامة
“لا يجوز تشريح جثث الأشخاص المشتبه في وفاتهم ولا التصريح بدفنهم إلا إذا أذنت النيابة المختصة بذلك”.
المادة (442) بالفرع الثاني عشر من الفصل الثاني من الباب الثالث من التعليمات العامة للنيابات.
في البداية كنا نسعى للحديث عن الطب الشرعي بصورة منفصلة عن كافة العوامل المحيطة به، ظنًا منا أن مجرد تتبع تاريخ مصلحة الطب الشرعي هو أمر كافي لمعرفة الخلل الواضح فيما يتعلق بأدائها وتقاريرها المبتسرة، إلا أننا أدركنا وجود العديد من العوامل المتشابكة والمؤثرة على أداء الطب الشرعي، ومن أهمها البنية التشريعية لمنظومة العدالة الجنائية، التي تعطي اليد العليا لوزارة العدل -السلطة التنفيذية- من جهة -باعتبار الطب الشرعي مصلحة تابعة لها- وبذلك تصبح السلطة التنفيذية لها القدرة على التأثير على التقارير الصادرة من مصلحة الطب الشرعي. ومن جهة أخرى تؤثر النيابة العامة على أداء مصلحة الطب الشرعي، لكونها المدخل/ حلقة الوصل بين الضحايا والطب الشرعي.
تتسبب السلطة التقديرية الممنوحة للنيابة في كثير من الأحيان بندب خبراء الطب الشرعي بشكل انتقائي، وعدم الاستجابة لطلبات الأهالي للعرض على الطب الشرعي في حالة الوفاة أو للضحايا في حالات التعذيب، مستخدمة السلطات الممنوحة لها في اتخاذ قرار إجراء التشريح/الكشف الظاهري من عدمه. وما ينتج عنه وجود العديد من حالات الوفاة المشتبه بها جنائيًا دون تدخل من قبل الطب الشرعي للوصول إلى أسباب الوفاة، مما يزيد من إحتمالية تكرار حالات الوفاة الخارجة عن إطار القانون، بسبب عدم معرفة المتسبب وبالتبعية غياب المساءلة والمحاسبة.
كنا قد بدأنا هذه السلسلة من خلال الجزء الأول الذي قمنا خلاله بتتبع التحولات/التطور في الإطار القانوني الحاكم لمصلحة الطب الشرعي ما بين الطب والقانون، وتقديم رؤية نقدية للبنية التشريعية المؤثرة على عمل المصلحة، والتي تتعارض بصورة أساسية مع الاستقلالية التي من المفترض أن يعمل في إطارها أطباء المصلحة.
نسعى في الجزء الثاني من سلسلة “آخر منافذ العدالة” إلى تسليط الضوء على آليات عمل النيابة العامة بخصوص طلبات الضحايا/ ذويهم في الوصول إلى الطب الشرعي لإجراء الكشف الظاهري في حالات التعذيب، أو إجراء الصفة التشريحية في حالات الوفاة. وذلك من خلال عرض بداية القصة التي قد تبدأ بتعرض أحد الضحايا /المتهمين للتعذيب، الذي قد يفضي إلى موت، ومن هنا يظهر حجم السلطة الممنوحة للنيابة العامة، بموجب التعليمات العامة للنيابات بداية من مناظرة أجساد المتهمين أثناء التحقيق، مرورًا بإحالة الضحايا للطب الشرعي من عدمه، وصولًا إلى إتاحة أوراق القضية، وبالتبعية تقارير الطب الشرعي.