اصداراتتقاريرتقارير-الحقوق والحريات الطلابية

الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي إلى أين ؟!

الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي إلى أين ؟!

 إعداد : أحمد شعبان – محمد مصطفي  ” الباحثين ببرنامج الحريات المدنية ” 
تمهيد

يعاني الباحثون في الجامعات المصرية من انتهاكات تهدد امنهم وسلامتهم، وتعوق استمرارهم في تأدية عملهم بالشكل الأمثل. وفي ظل تزايد انتهاكات حقوق الانسان التي يشهدها المجتمع المصري، تزداد الانتهاكات التي يواجها الباحثون والأكاديميون. وتتنوع الانتهاكات ما بين انتهاكات أمنية تستهدف شخص الباحث والأكاديمي، وتضييق على العمل البحث نفسه. وذلك بسبب آراء الباحثين المعارضة للسياسات التي ينتهجها النظام الحاكم. وقد تصدرت لانتهاكات ضد الأكاديميين والباحثين المشهد المصري في الفترة الأخيرة، لذا تستعرض هذه الورقة أبرز نماذج الانتهاكات التي حدثت مؤخراً. كما تحاول تقديم تفسيراً لموقف الأجهزة الأمنية من الباحثين والأكاديميين، وموقف الدولة من الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي، كما تنتهي هذه الورقة إلى تفسيراً محتملاً لسلوك الأجهزة الأمنية العدائي والمتحفز تجاه الباحثين والأكاديميين، المصريين وغيرهم، على حد السواء.
 
1-انتهاكات ضد باحثين وأكاديميين.
 
-مخاطبة جامعة القاهرة للأكاديمية “خلود صابر” لإنهاء منحتها في بلجيكا والعودة لمصر
عقب سفر خلود صابر المدرس المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة، الى بلجيكا في منحة دراسية لنيل درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة لوفان الكاثوليكية، صدر خطاب من إدارة العلاقات الثقافية بجامعة القاهرة الى الدكتور معتز عبد الله، عميد كلية الآداب، بخصوص مطالبة الأستاذة خلود صابر بإنهاء اجازتها الدراسية والعودة للجامعة. وذلك بناءً على رفض إدارة الاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، وعليه وصلها إيميل من سكرتارية قسم علم النفس بكلية الآداب يخبرها انه وصل ما يفيد الغاء سفرها من إدارة العلاقات الثقافية بالجامعة، ويجب ان تقطع دراستها بالخارج وتعود. وفى مصر أُرسل اليها إنذار من الكلية على عنوان منزلها بضرورة العودة لاستلام العمل.
 
وقد حصلت الأستاذة خلود صابر على موافقة كلٍ من القسم والكلية والجامعة على الاجازة الدراسية قبل سفرها في سبتمبر 2015، وتحمل الجامعة تكلفة تذكرة السفر لبلجيكا، وبالعودة الى شهر أغسطس الماضي قبل سفرها وخلال إنهائها للإجراءات من إدارة العلاقات الثقافية بالجامعة أصر موظفي الإدارة حينها ان يتم استكمال وملئ استمارة استطلاع رأى مكونة من 4 نسخ تقدم الى إدارة الاستطلاع والمعلومات التابعة لوزارة التعليم العالي.
 
وفى 21 يناير 2016، أرسلت مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات المكونة من عدد من أعضاء هيئة التدريس خطاباً الى الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة، لاستيضاح الأمر حول صدور ذلك الخطاب من إدارة العلاقات الثقافية بالجامعة ومطالبة الأستاذة خلود صابر بقطع منحتها الدراسية بالخارج وعودتها الى مصر، وذكرت المجموعة في خطابها ثلاث نقاط رئيسية جاءت كالتالي:
1ـ ان إحدى إدارات وزارة التعليم العالي تعتبر أن من حقها التدخل في قرارات سفر أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، وذلك بالمخالفة الواضحة لمبدأ استقلال الجامعات. ويثير مسمى تلك الإدارة “إدارة الاستطلاع والمعلومات”، الكثير من الشكوك بشأن ارتباطها بأجهزة الأمن، مما يجعل التعدي على استقلال الجامعة أكثر خطورة.
2ـ ان خطاب إدارة العلاقات الثقافية المذكور لا يوضح أسباب الاعتراض، وهو ما يرجح ألا يكون هناك ما لا يصح إعلانه من جانب الجهات التي اتخذت تلك الخطوة بالاعتداء على استقلال الجامعة.
3ـ ان إحدى إدارات الجامعة تستطيع إلغاء قرار لرئيس الجامعة بعد موافقة مجلس الكلية، وتوصية من مجلس القسم، ما يثير التساؤل حول من يصدر التعليمات لإدارات الجامعة.
وطالب الموقعون رئيس الجامعة بإلغاء الخطاب الصادر من إدارة العلاقات الثقافية والاثار المترتبة عليه، ومحاسبة من أصدره، ومخاطبة وزارة التعليم العالي بوقف كل أنواع التدخلات في شئون الجامعة والالتزام الواضح بما قرره الدستور المصري والمواثيق الدولية بشأن استقلال الجامعات.[1]
 
ومن جانبه قال الدكتور جابر نصار في مداخلة هاتفية لبرنامج “مانشيت” ان الأمر يتعلق بإدارة البعثات بوزارة التعليم العالي ولا يتعلق بالجامعة، واستيفاء الإجراءات القانونية التي يترتب عليها بعد ذلك منح معيد أو مدرس مساعد في الجامعة فرصة السفر للدراسة سواء من خلال بعثة تمولها الحكومة المصرية أو علي منحة ممولة من حكومة دولة أجنبية، أمر لا تختص به جامعة القاهرة، وإنما تختص به إدارة البعثات في وزارة التعليم العالي، ولذلك قبول المنح التي تأتى من دولة أجنبية للبحث والدراسة في بعض المعاهد والجامعات الخارجية هو أمر يتعلق بسيادة الدولة وبنظامها وتقديرها، كما نفى أي تدخل أمنى في شئون الجامعة وأكد انه ليس هناك داخل جامعة القاهرة أو داخل الجامعات المصرية أي عمل مادي لأى جهاز أمن، وقال ان الأمن مؤسسة مصرية وطنية، والجامعة مؤسسة مصرية وطنية، والجامعة والأمن يتبادلون المعلومات.[2]
وأكدت خلود صابر في تصريحات صحفية لجريدة الشروق المصرية، “لا يوجد أي منطق ولا قانون يقول ان اقطع دراستي بعد ما بدأت بالفعل، وان الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بالوزارة ليست ذات صلة”، مستدركة: “ولو سبب قطع دراستي هو الجهات الأمنية، فالكارثة تصبح كارثتين لان ذلك اعتداء صريح على استقلال الجامعة وكرامتها”، مؤكدة: “سأستمر في المنحة حتى انتهاء المدة المحددة وهي 4 سنوات، لان مفيش جهة من حقها التدخل في الشأن الأكاديمي، بالإضافة الى حصولي على جميع الموافقات قبل السفر”.[3]
وعلى أثر القرار قامت برفع دعوى قضائية في 4 فبراير الماضي أمام المحكمة الإدارية ضد كل من وزير التعليم العالي، ورئيس جامعة القاهرة، وعميد كلية الآداب، ومدير الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، ومدير الإدارة العامة للعلاقات الثقافية بجامعة القاهرة، طعنا على إلغاء أجازتها الدراسية، والمطالبة بوقف القرار وما ترتب عليه من اثار. وفى 15 فبراير صدر قرار من رئيس الجامعة الدكتور جابر نصار بسحب الإنذار بالعودة الذي أرسلته كلية الآداب واعتباره كأن لم يكن، واستمرارها في منحتها التي سافرت عليها اعتبارًا من 1 أكتوبر 2015 للحصول على الدكتوراه من جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، كما تضمن القرار صرف كافة مستحقاتها المالية التي سبق إيقافها[4].
 
-مقتل الطالب جوليو ريجيني
اختفى طالب الدكتوراه الإيطالي “جوليو ريجيني” يوم 25 يناير 2016 وهو اليوم الموافق للذكرى الخامسة لثورة 25 يناير[5]. صديق الطالب الإيطالي، عمرو أسعد، قد أشار إلى انه اختفى بعد مغادرته لمنزله بمنطقة الدقي للقاء أحد أصدقائه بمنطقة وسط المدينة. في ذلك اليوم أراد “ريجيني” زيارة صديقه لتهنئته بعيد ميلاده وبعث لأسعد برسالة نصية قال فيها هذا، وعندما اتصل اسعد به وجد هاتفه المحمول مغلقاً، وعلم من صديق اخر لهما كان ينتظره في الشارع ان “ريجيني” لم يأت[6].
 
كان ريجيني في زيارة طويلة لمصر متعلقة برسالة الدكتوراه التي يكتبها، بجامعة كامبريدج البريطانية، عن الحركة العمالية المصرية. وكان ريجيني أيضاً باحثاً زائراً بالجامعة الامريكية بالقاهرة. وقد أعلنت الخارجية الإيطالية اختفاء الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” البالغ من العمر 28 عاماً يوم 31 يناير [7]2016. وفي يوم 2 فبراير قال ديبلوماسي إيطالي ان إيطاليا تتعاون مع الحكومة المصرية للعثور على الطالب، وفي يوم 4 فبراير أعلنت الشرطة المصرية العثور على جثة “ريجيني” في إحدى المناطق المهجورة على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي[8].
 
وبمعاينة جثة الطالب ظهرت عليها اثار تعذيب واضحة، كما وُجدت جروح وكدمات واثار حروق مما دل على انه تعرض للضرب والتعذيب الشديد[9]. وتشير الاتهامات الى تورط أجهزة أمنية مصرية في حادث قتل الطالب الإيطالي، حيث أعلنت صحيفة مصرية ان شخصاً اجنبياً أُلقى القبض عليه من قبل قوات الامن يوم 25 يناير 2016 على بعد 10 كيلومترات من محطة مترو البحوث؛ وهو الموقع حيث رُصد اخر ظهور للطالب الإيطالي[10].
 
وكان ريجيني على تواصل دائم من النشطاء من الحركات العمالية والمنظمات الحقوقية المصرية المهتمة بقضايا العمال. وكان يحضر العديد من اجتماعات النقابات المستقلة وهي نقابات ترفض الدولة الاعتراف بها. هذا علاوة على كون ريجيني أحد الكُتّاب في صحيفة المانفيستو الإيطالية ذات التوجه اليساري. الصحيفة، بدورها، أشارت إلى ان ريجيني أصر على استخدام اسم مستعار في نشر اعماله، ما يعد دلالة قوية على انه كان لديه مخاوف حقيقية بخصوص سلامته في القاهرة[11].
 
وأصدرت العديد من المؤسسات الحقوقية[12] المصرية وغيرها بيانات تدين الحادث وتطالب الحكومة المصرية بتوضيح الأمر، حيث ان تصريحات الحكومة المصرية بان سبب الحادث هو السرقة او حادث سير لم تلقى أي قبول لدي الجهات المختلفة، لان علامات التعذيب بجسد ريجيني كانت تؤكد عكس ذلك[13]. وتناولت الصحف العالمية الحادثة وسير التحقيقات، ورجحت الصحف تورط أجهزة الأمن المصرية في تعذيب وقتل الباحث الإيطالي. وهوا ما نفته أجهزة الامن المصرية[14]، وتبعتها وزارة التعليم العالي في بيان تدين فيه تسييس الحادث ووضحت ان مثل هذه الحوادث تحدث في جميع بلدان العالم وانه يوجد في مصر أكثر من 70 ألف طالب من مختلف دول العالم يمارسون حياتهم بكامل الحرية والأمن[15].
 
لم يكن للجامعة الأمريكية بالقاهرة وهي الجامعة التي كان “ريجيني” ملحق بهاً لمتابعة اعمال رسالة الدكتوراه الخاصة به دوراً في محاولة البحث عن “ريجيني” اثناء اختفاءه او حتى التنديد بحادث مقتلة. إذ اكتفت بنعيه ورغم ذلك تظاهر طلاب الجامعة الامريكية داخل حرم الجامعة للتنديد بحادثة قتل ريجيني[16]
 
 
-بلاغ وزير الري ضد الدكتور نادر نور الدين.
 
تلقى الدكتور نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة، اخطاراً من نيابة العجوزة بمقر عمله بكلية الزراعة للمثول امام النيابة يوم 10 نوفمبر للتحقيق في البلاغ 1654 إداري قسم العجوزة[17]. وذلك على أثر البلاغ الذي قدمه الدكتور حسام مغازي وزير الري والموارد المائية، والذي يتهم فيه الدكتور نادر نور الدين بالسب والقذف بسبب رأيه في إدارة الوزير لملف سد النهضة. وذلك في حوار الأول مع جريدة الفجر الأسبوعية يوم 10 فبراير الماضي. إلى أن تم التحقيق مع الدكتور نور الدين بالفعل، وجاءت اسئلة النيابة حول مضمون رأيه الذي عبر عنه خلال حواره الصحفي[18].
 
وعلى أثر ذلك، أصدر مجلس جامعة القاهرة بياناً[19] يتضامن فيه مع الدكتور نادر نور الدين، ويوضح ان تصريحات “نور الدين” تدخل في إطار حرية الرأي والتعبير ومن منطلق عمله كأكاديمي وخبير في مجال المواد المائية والري. وطالب البيان وزارة الري ان تتخذ الإجراءات لسحب كل الشكاوى والبلاغات المقدمة ضد الدكتور نادر نور الدين وضد غيره. وان يتسع صدر الوزارة لكل الآراء التي تتصل بتلك القضية الوطنية والتي تمثل هماً لكل المصريين. كما وقع 46 شخصية عامة على بيان تضامن مع الدكتور نادر نور الدين[20]، وطالب الموقعون على البيان النائب العام بان يعتبرهم شركاء في المسؤولية مع الدكتور نادر نور الدين، وان يحمي حق المواطنين الدستوري الأصيل في حرية الرأي والتعبير. وبناءً على ذلك استجاب وزير الري الدكتور حسام مغازي لمبادرة جامعة القاهرة وقام بالتنازل عن الشكاوى والبلاغات المقدمة للنيابة العامة[21].
 
2-الدولة في مواجهة الباحثين والأكاديميين.
 
باستعراض الحالات السابقة يتبين التضييق الذي تمارسه الدولة على الباحثين والأكاديميين، ففي حالة “خلود صابر” المدرس المساعد بجامعة القاهرة، ورغم على حصولها على موافقة القسم والكلية والجامعة على الاجازة الدراسية قبل سفرها، الا ان رفض إدارة الاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي لسفر الباحثة، والبريد الإليكتروني الذي ارسلته الكلية بشأن رفض الأمن لسفرها، يبين مدي تدخل السلطات الأمنية في الشأن الجامعي. وذلك بالرغم من ان الدستور المصري في المادة [22]21 ينص على “تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانتيه في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية والتزامها بمعايير الجودة العالمية، وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية.ولكن بالنظر في مسئوليات ومهمات مديري الأمن بالجامعات[23] نري حجم التدخل الأمني في الشأن الجامعي واهدار السلطات الأمنية لمبدأ استقلال الجامعات الذي نص عليه الدستور المصري. وبالتالي فان المناخ الذي يسببه التدخل الأمني في إدارة الشئون الجامعية لا يوفر ادني متطلبات الباحثين والأكاديميين للنهوض بالعملية التعليمية والبحث العلمي بالجامعات المصرية. وحالة التضييق التي تفرضها السلطات الأمنية على الأكاديميين المعارضين لسياسات النظام الحاكم في مجال عملهم تعد انتهاكاً صريحاً للحرية الاكاديمية وعاملاً رئيسياً في خلق بيئة معادية للأبداع، كما تنص المادة [24]22 من الدستور المصري المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.”
وبالنظر إلى حالة مقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” والاتهامات التي توجه للداخلية بقتله، ومع عدم وجود دليل قاطع على ادانه الأجهزة الأمنية بمقتله، إلا أن حالة جثة الباحث بعد وفاته وظهور علامات التعذيب عليها يؤكد انه تعرض لتعذيب شديد قبل وفاته بشكل يكاد يتطابق مع آثار عمليات التعذيب التي يرتكبها جنود وضباط جهاز الشرطة. وفي حين لم تكن الأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن وفاة الباحث الإيطالي، فان الدولة مسئولة مسئولية كاملة عن حماية الباحثين وتوفير المناخ الأمني الذي يساعد على اجراء البحث العلمي، اما اذا كانت الأجهزة الأمنية هي من قامت بتعذيب وقتل الباحث الإيطالي بسبب عمله البحثي، فأن الأجهزة الأمنية تخلق بذلك حالة من الرعب للأكاديميين والباحثين، وتنتهك الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي التي نص عليها الدستور المصري في المادة 23[25] تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي. بجانب الانتهاك الجسيم للحق في الحياة وسلامة الجسد عن طريق التعذيب والقتل خارج إطار القانون.
 
اما في حالة اتهام الدكتور نادر نور الدين بسب وقذف وزير الري، فإنه يعد انتهاك لحرية الرأي والتعبير التي نص عليها الدستور المصري في المادة 65[26] حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.“، ونص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في الفقرة الثانية من المادة (19) على لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها “ وانتهاك للحرية الأكاديمية حيث ان الدكتور نادر نور الدين أستاذ جامعي ومتخصص في مجال الري والموارد المائية، ورأيه نابع من كونه خبير في مجال الري بجانب حقه الدستوري في حرية التعبير. وذلك يشي بأن السلطة التنفيذية تحاول التضييق على كل صوت يعارض السياسة التي تنتهجها.
3-لماذا لا تدعم الدولة الحرية الاكاديمية وحرية البحث العلمي
من الطبيعي ان يكون أي نظام سياسي ديموقراطي داعماً للحرية الأكاديمية، مشجعاً على البحث العملي وداعماً له. الا أنه في وضع مماثل لما عليه الوضع السياسي في مصر، تصاعد وتيرة انتهاكات حقوق الانسان وازدياد حالات الاختفاء القسري للمعارضين للنظام الحاكم[27]، يوضح بشكل صريح المنهج الذي تتعامل به سُلطة الحُكم مع مصادرة حرية الرأي والتعبير والحرية الأكاديمية، والتضييق على البحث العلمي، ومضايقات الأكاديميين والباحثين. لان السُلطة تدرك ان اتاحة حرية الرأي والتعبير والحرية الأكاديمية والبحث العلمي في ظل الانتهاكات البشعة التي ترتكبها بطريقة منهجية، سيزيد من وتيرة الانتقادات التي توجه للسلطة كما يعمل على تقويض شرعيتها داخلياً وخارجياً. فالنظام يري ان فرض قيود على الحرية الأكاديمية والبحث العلمي ومعاقبة كل من يحاول الخروج على تلك القيود هو الحل الأمثل لإحكام قبضته على السلطة والمجتمع.
4-توصيات
1-تدعو “المفوضية المصرية للحقوق والحريات” السلطات الأمنية للإسراع في الوصول لمرتكبي جريمة قتل “جوليو ريجيني” وتقديمه للعدالة مهما كان منصبه، وان تتم كافة الإجراءات ه في حالة من الشفافية.
 
2-تطالب “المفوضية المصرية للحقوق والحريات” السلطات المصرية ووزارة التعليم العالي بمنع التدخلات الأمنية في الشأن الأكاديمي بالجامعات المصرية اعمالاً للمادة “21” من الدستور المصري الخاصة باستقلال الجامعات.
 
3-وتؤكد “المفوضية المصرية للحقوق والحريات” على ضرورة توفير مناخ ملائم للبحث العلمي، وضرورة توفير حماية للباحثين والأكاديميين لإبداء آرائهم ومتابعة عملهم دون وجود تهديدات.
4- يجب ان تعمل جميع مؤسسات التعليم العالي على ضمان ممارسة الحرية الاكاديمية و حرية البحث العلمي للاكاديميين والباحثين كما وتسعى إلى الدفاع عنهم في حال تعرضهم لأي انتهاك جراء ممارستهم لعملهم البحثي او الأكاديمي.
 
 
[1] هاني الحسيني، 2016، صورة من خطاب مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، 4 فبراير. متاح على الرابط التالي https://goo.gl/c8cLlj، اخر ولوج بتاريخ 10/2/2016
 
[2]  اون تي في، 2016، مداخلة رئيس جامعة القاهرة ببرنامج مانشيت، الأربعاء 3 فبراير، متاح على الرابط التالي https://goo.gl/ZFb2xO، اخر ولوج بتاريخ: 10/2/2016.
 
[3]  هاني النقراشي، 2016، جريدة الشروق، 9 مارس تطالب نصار بإجراء ضد التدخل الأمني في الشأن الأكاديمي،5 فبراير، متاح على الرابط التالي http://goo.gl/pPc1rF، اخر ولوج بتاريخ 10 فبراير 2016
[4] هاني النقراشي، 2016، جريدة الشروق، نصار يتحدى الأمن ويدافع عن استقلال الجامعة بسحب إنذار خلود صابر، 15 فبراير. متاح على الرابط التالي http://goo.gl/xA4tW0، اخر ولوج بتاريخ 17 فبراير 2016
 
[5] بي بي سي عربي،2016، إيطاليا تطالب مصر بسرعة كشف المسؤول عن مقتل ريجيني، 7 فبراير. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/wgBZtY، اخر ولوج بتاريخ 10 فبراير 2016
 
[6] شادي عماد، 2016، موقع رصد الاخباري، 14 معلومة حول مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بمصر، 4 فبراير. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/adMgVF، اخر ولوج بتاريخ 10 فبراير 2016
 
[7] سعيد صلاح، 2016، موقع جريدة التحرير، التفاصيل الكاملة لحادث العثور على جثة الطالب الإيطالي بأكتوبر، 4 فبراير. متاح على الرابط التالي http://goo.gl/NQGq4d، اخر ولوج بتاريخ 10 فبراير 2016
 
[8] محمود الواقع، 2016، المصري اليوم، جوليو ريجيني. رحلة طالب كامبريدج في الحياة تنتهي على الصحراوي، 5 فبراير. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/8KPgJi، اخر ولوج بتاريخ 10 فبراير 2016.
 
[9] موقع مصراوي، 2016، صحيفة: جميع أظافر الطالب الإيطالي اقتلعت وروما تصر على ”حقائق ملائمة”، 8 فبراير. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/oI6nOC، اخر ولوج بتاريخ 11 فبراير 2016.
 
[10]– ALEX MATTHEWS and SARA MALM,2016, Daily mail website, Murdered Cambridge student ‘was killed by Egyptian secret services’: Italian media suggest victim was suspected to be a spy and reveal he’d had every finger and toe nail pulled out, 8 February, available at: http://goo.gl/J3k6PC, last login in 12 February 2016.
 
 
[11] -FRANCES D’EMILIO, 2016, the BigStoy AP website, Slain Italian student in Egypt suffered ‘inhuman’ violence, 8 February. Available at: http://goo.gl/rmCzAf, last login in 12 February 2016.
 
[12] بيان صحفي، قتل جوليو ريجيني. دولة الرعب تستفحل، متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/1o808t
 
[13]– MESA, 2016, Middle East studies association, Academic freedom letters on Egypt, 8 February. available at : http://goo.gl/dECm2W, last login in 12 February 2016.
 
[14] سحر عزام، 2016، موقع مصراوي، الداخلية: هدفنا إجلاء الحقيقة في مقتل الشاب الإيطالي ولا علاقة لنا بتقرير الطب الشرعي، 15 فبراير. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/pFzV3y، اخر ولوج بتاريخ 16/2/2016
[15] المكتب الاعلامي لوزير التعليم العالي، 2016، بيان من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 18 فبراير، متاح على الرابط :التالي: https://goo.gl/Jj4Rdo، اخر ولوج بتاريخ 19/2/2016
[16] جهاد اباظة، 2016، موقع أصوات مصرية، وقفة بالجامعة الأمريكية تطالب بالتحقيق في مقتل “جوليو ريجيني”، 18 فبراير، متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/tFIVz8، اخر ولوج بتاريخ: 20/2/2016
[17] إسلام عيسى، 2015، دار اخبار اليوم، وزير ري واستاذ جامعة امام النيابة (سد النهضة تحول إلى قضية سب وقذف)، 13 نوفمبر. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/82WuRx، اخر ولوج 5 فبراير 2016
 
[18] مؤسسة حرية الفكر والتعبير،2015، فيديو على موقع اليوتيوب، 25 نوفمبر، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/n6H2HC، اخر ولوج 5 فبراير 2016
 
[19] هاني النقراشي، 2015، موقع جريدة الشروق، جامعة القاهرة تعلن تضامنها مع الدكتور نادر نور الدين بسبب رأيه حول سد النهضة،17 نوفمبر. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/hAcuUW اخر ولوج 5 فبراير 2016
 
[20] نغم هلال، 2015، البوابة الالكترونية لجريدة الوفد، 46 شخصية تتضامن مع نادر نور الدين ضد بلاغ وزير الري، 15 نوفمبر. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/JQhYSX، اخر ولوج 5 فبراير 2016
 
[21] موقع اخبارك الالكتروني، 2015،”الري” تتنازل عن بلاغ ضد أستاذ بجامعة القاهرة، 25نوفمبر. متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/i52cUn، اخر ولوج 5 فبراير 2016
 
[22] المادة “21” من الدستور المصري 2014، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/LudZ2L
 
[23] مسئوليات ومهام مدير عام الامن، موقع جامعة دمنهور، متاح على الرابط التالي: http://goo.gl/fRrFLB، اخر ولوج 5 فبراير 2016.
 
[24] المادة “22” من الدستور المصري 2014، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/LudZ2L
[25] المادة “23” من الدستور المصري 2014، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/LudZ2L
[26] المادة “65” من الدستور المصري 2014، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/LudZ2L
[27] عبد الرحمن جاد، المختفون قسراً في انتظار انصاف العدالة، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، متاح على الرابط التالي: https://goo.gl/K2d48Q
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى